الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / بداية الطريف 16

بداية الطريف 16

الدرس الرابع عشر: العبادة والدعاء

 

الأهداف

1- أن يتعرّف الطالب إلى قيمة العبادة والدعاء.

2- أن يتعرّف إلى ثمرات العبادة والدعاء.

قيمة العبادة والدعاء:

المؤسف أنّ الإنسانيّة في عصرنا هذا أهملت أجواء العبادة والدعاء والمناجاة. فالقيم الماديّة أضحت النمط المسيطر حتّى في مجتمعاتنا الإسلاميّة. والّذي يُدقِّق النظر في سلوكيّات الكثير من الناس يجد الطابع الدنيويّ يصبغ كلامهم وأفعالهم وطرائق تفكيرهم. وهذا يعني نسيان الآخرة ويوم الحساب، لأنّ الدنيا والآخرة ضرّتان لا تجتمعان كما جاء في الحديث.

 

وكلُّ ما نراه في الإنسانيّة من هموم وآلام ومصائب هو بسبب ابتعادها عن الارتباط بالله عزَّ وجلَّ، فالغفلة عنه تعالى هي سبب كلِّ مصيبة، وهي تورث طغيان النفس وقساوة القلب وهمّاً عميقاً لا يزول، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “من لهج قلبه بحبِّ الدنيا، التاط منها بثلاث: همٌّ لا يغبّه، وحرصٌ لا يتركه، وأملٌ لا يُدركه”1. وجاء عن الإمام الكاظم عليه السلام في وصيته لهشام بن الحكم: “يا هشام، من أحبَّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حبّاً، إلّا ازداد من الله بُعداً، وازداد الله عليه غضباً”2.

 

وهنا تأتي أهميّة العبادة والدعاء، حيث إنّ من أهمِّ وظائفهما إبقاء العلاقة قائمة بين الإنسان من جهة، والله عزَّ وجلَّ والآخرة من جهة أخرى، وهذه العلاقة هي الضامن لأنْ لا يتحوّل الإنسان إلى مخلوق طاغٍ، قاسي القلب. وهذا ما يُشير إليه الحديث الوارد عن مولانا الرضا عليه السلام الّذي يُبيّن فيه علّة وحكمة العبادة، حيث يقول: “لئلّا يكونوا ناسين لذكره، ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تُركوا بغير تعبُّد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم”3.

 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 38.

2- م. ن.

3- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 3، ص 1796.


إستنتاج

– كلُّ ما نراه في الإنسانيّة من هموم وآلام ومصائب هو بسبب ابتعادها عن الارتباط بالله عزَّ وجلَّ، والعبادة هي أحد مظاهر ارتباط الإنسان بربِّه.

 

– العبادة هي أحد الأمور الّتي تضمن أنْ لا يتحوَّل الإنسان إلى مخلوق طاغٍ، قاسي القلب لأنّها تربطه بربِّه وتذكِّره بعبوديّته له.

 

كيف أعبد الله وأدعوه؟

من المهمِّ جدّاً أنْ تلتفت الانسان إلى أنّ الّذي يُريده الله عزَّ وجلَّ منّا هو أنْ نعبده كما يُحبُّ هو أنْ يُعبد، فلا يصح أنْ نعبده كما يحلو لنا. ومن هنا عندما نُريد أنْ نؤدّي أيَّ عمل عبادي من صلاة أو دعاء أو غير ذلك يجب أنْ يكون لهذه العبادة مستندٌ في القرآن الكريم وحديث أهل البيت عليهم السلام. وإلّا كان ما نقوم به من دون قيمة ولن يُقبل منّا. وهنا يتبيّن لنا أهميّة المعرفة والعلم، فينبغي على كلِّ واحد منّا أنْ يتفقّه في دين الله عزَّ وجلَّ بالقدر الّذي يُحقِّق له القدرة على الإتيان بالعبادات على وجه صحيح. وهذه دعوة للتفقّه في الرسالة العمليّة للمرجع الّذي يُقلِّده، والرجوع إلى الكُتب المُعتبَرة الّتي تحوي مستحبّات الأعمال والعبادات كمفاتيح الجنان مثلاً، حتّى لا يقع في إشكاليّة الإتيان بأعمال باطلة وغير صحيحة.

 

ثمّ إنَّ الإتيان بالعبادات يحتاج إلى شرط آخر مهمّ جدّاً حتّى يقبلها الله عزَّ وجلَّ منّا، هذا الشرط له من الأهميّة بحيث إنّ الإنسان حتّى لو أفنى عمره في العبادة والجهاد والكفاح فإنّ كلّ ذلك يذهب هباء منثوراً من دونه. الشرط الّذي نتكلَّم عنه هو الولاية لمحمّد وآل محمّد. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لو أنَّ عبداً عبد الله ألف عام ثُمّ ذُبح كما يُذبح الكبش ثُمّ أتى الله ببُغضنا أهل البيت لردّ الله عليه عمله”4. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: “عَبَدَ الله حبرٌ من أحبار بني إسرائيل حتّى صار مثل الخلال فأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى نبي زمانه: قل له: وعزّتي وجلالي وجبروتي لو أنّك عبدتني حتّى تذوب كما تذوب الإلية في القدر ما قبلت منك حتّى تأتيني من الباب الّذي أمرتك”5.

 

والإتيان بهذا الشرط لا يُغني عن الإتيان بشروط أخرى مهمّة تجتمع تحت قوله

4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 27، ص 185.


تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾6. فالتقوى والورع هما الحاضنان الأساسان والمهمّان لقبول العبادات والدعاء. ومن يشتكي مثلاً من عدم استجابة دعائه، قد يكون انتفاء عنصر التقوى هو السبب الحقيقي وراء ذلك. وفي حديث المعراج الّذي يُخاطب الله عزَّ وجلَّ فيه نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ما يُشير إلى أهميّة التقوى والورع في ذلك، فقد ورد فيه: “يا أحمد، هل تدري متى يكون لي العبد عابداً؟ قال: لا يا ربّ، قال: إذا اجتمع فيه سبع خصال: ورعٌ يحجزه عن المحارم، وصمتٌ يكفّه عمّا لا يعنيه، وخوفٌ يزداد كلّ يوم من بكائه، وحياءٌ يستحي منّي في الخلاء، وأكلُ ما لا بُدَّ منه، ويُبغضُ الدنيا لبغضي لها، ويُحبُّ الأخيار لحبّي إيّاهم”7.

 

إستنتاج

– إنّ الله عزَّ وجلَّ يُريدنا أنْ نعبده كما يُريد هو أنْ يُعبد.

– إنّ الولاية لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد شروط قبول العبادة.

– التقوى والورع حاضنان أساسان لقبول العبادات والدعاء.

 

ثمرات العبادة والدعاء:

إذا كان ترك العبادة والدعاء له هذه النتائج الخطيرة والكارثيّة على حياة الإنسان، فإنَّ الالتزام بهما والمواظبة عليهما له نتائج وثمرات طيّبة ومباركة على حياته. ونكتفي في هذا العنوان بإيراد كلمات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام لبيان ذلك، فمن ثمرات العبادة:

– الغنى والنعمة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يقول ربُّكم: يا بن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقاً، يا بن آدم لا تُباعد منّي فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً”8.

 

– النعيم في الآخرة: الإمام الصادق عليه السلام : “قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي الصدّيقين تنعّموا بعبادتي في الدنيا، فإنّكم تتنعّمون بها في الآخرة”9.

 

– القرب من الله عزَّ وجلَّ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزَّ وجلَّ: “من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يُبصر به ولسانه الّذي ينطق به

 

5- م. ن، ج 27، ص 176.

6- سورة المائدة، الآية: 27.

7- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 3، ص 1797.

8- م. ن.

9- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 83.


ويده الّتي يبطش بها، إنْ دعاني أجبته وإنْ سألني أعطيته”10.

 

– الوصول لمرتبة الإخلاص: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الإخلاص ثمرة العبادة”11.

 

إستنتاج

– من ثمرات العبادة:

الغنى والنعمة.

النعيم في الآخرة.

القرب من الله عزَّ وجلَّ.

الوصول لمرتبة الإخلاص.

 

10- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 352.

11- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 3، ص 758.


للمطالعة

 

عبادة الإمام علي والإمام زين العابدين عليهما السلام:

عن الإمام الصادق عليهما السلام، قال: والله وما أكل عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراماً قطّ، حتّى مضى لسبيله، وما عرض له أمران (كلاهما) لله رضاً إلّا أخذ بأشدِّهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نازلة قطّ إلّا دعاه ثقة به، (وما أطاق أحد) عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الأمّة غيره، وإنْ كان ليعمل عمل رجل، كان وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله، والنجاة من النار ممّا كدّ بيديه، ورشح منه جبينه، وإنْ كان ليقوت أهله بالزيت والخلّ والعجوة، وما كان لباسه إلّا الكرابيس، إذا فضل شيء عن يده دعا بالجلم فقطعه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين عليه السلام، ولقد دخل أبو جعفر عليه السلام ابنه عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخزم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، وقال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمةً له، فإذا هو يُفكِّر فالتفتَ إليّ بعد هنيهة من دخولي، فقال: يا بُنيّ، أعطني بعض تلك الصحف الّتي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً، ثُمّ تركها من يده تضجّراً، وقال: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام 12.

12- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العامليّ، ج 1، ص 91 – 92.

 

https://t.me/wilayahinfo
https://chat.whatsapp.com/CaA0Mqm7HSuFs24NRCgSQ0

ملاحظة:سيكون النشر في 02-12-22 من كل شهر

 


شاهد أيضاً

بداية الطريف 20

الدرس الثامن عشر: ضوابط الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة   الأهداف 1- أن يتعرّف الطالب ...