الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 15

الولاء والولاية من كتب الفكر الاسلامي 15

من العبودية إلى الربوبية
إنه لتعبير حي: من العبودية إلى الربوبية! أيمكن أن يخرج من العبودية، ويضع قدمه على تخوم الربوبية، (أين التراب من رب الأرباب)؟

هذا صحيح، ولكن المقصود من (الربوبية) ليس (الألوهية) إذ كل صاحب قدرة هو (ربها)، وكل امرئ هو (رب) ما يقع تحت يده وسيطرته ونفوذه. عندما جاء أبرهة يريد هدم الكعبة قال له عبد المطلب: إني رب الأبل، وللبيت ربه)[1] .

لقد أدرجنا القول السابق إستناداً إلى حديث معروف وارد في (مصباح الشريعة). يقول الحديث المذكور (العبودية جوهرة كنهها الربوبية).

لقد كان الإنسان يسعى، وما يزال، للعثور على طريق يوصله إلى الهيمنة على ذاته وعلى العالم.

إننا في هذه العجالة لا نتطرق إلى الطرق التي اختارها لبلوغ هذا الهدف، وهل أوصلته إلى هدفه أم تاهت به عنه. إلا أن من بين تلك الطرق طريقاً واحداً يوجب العجب، وذلك لأنه طريق لا يوصل إلى الهدف إلا إذا لم يكن ذاك هو الهدف، أي إذا لم يكن الهدف هو إكتساب القوة للتسلط على الدنيا، بل يكون الهدف هو النقطة المقابلة لذلك تماماً، أي (التذلل والخضوع والفناء واللاوجود) ذلك الطريق العجيب هو طريق العبودية لله.
ـــــــــــــــ
[1] سيرة ابن هشام، الجلد الأول.
مراحل الطريق ومنازله
إنّ للربوبية والولاية، وبعبارة أخرى، إن للكمال الذي يبلغه الإنسان على أثر عبوديته وإخلاصه وتعبده الحقيقي، مراحل ومنازل.

المرحلة الأولى تكون ذات إلهام, وتتميز بتسلط الإنسان على نفسه. وبعبارة أخرى، إن أدنى علاقة تدل على قبول عمل الإنسان من لدن الخالق هي أنه يصبح ذا نظرة نافذة واضحة، ويرى نفسه. يقول القرآن الكريم:
{ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[1].
ويقول:
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[2].
ثم يتغلب الإنسان على نفسه وقواه النفسانية, ويقهرها وتتقوى إرادته في قبال رغباته النفسية الحيوانية، ويصبح حاكماً على وجوده، ويتميز بإدارة لائقة لما يحيط به.

وهذا القرآن يقول عن الصلاة:
{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[3].
ويقول عن الصوم:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[4].
وفي كليهما يقول:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}[5].
إنّ ما يناله الإنسان في هذه المرحلة من العبودية هو: الوضوح في الرؤية والسيطرة على الأهواء والرغبات النفسية.

وبعبارة أخرى، الأثر الأول للعبودية هو الربوبية والولاية على النفس الأمارة بالسوء.[6]
وفي المرحلة الثانية يكون تسلطه وولايته على الأفكار المتناثرة، أي يكون في مرحلة التسلط على قوة الخيال. إنّ من أعجب قدراتنا هي قدرتنا على التخيل. إنّ هذه القدرة هي التي تمكن عقلنا من الإنتقال في كل لحظة من موضوع إلى آخر. أو ما يسمى بتداعي الخواطر والمعاني. إنّ هذه القوة، قوة التخيل، ليست تحت سيطرتنا عادة، بل نحن الذين نقع تحت سيطرة هذه القوة العجيبة. فنحن قد لا نستطيع أن نركز ذهننا في موضوع معين ذاته بحيث لا ننتقل إلى موضوع آخر فنجدنا, وقد طرأت علينا دون اختيار فكرة مغايرة لما كنا نفكر فيها، ولا نلبث حتى يخطر لنا خاطر آخر وهكذا. ففي الصلاة، مثلاً، كلما حاولنا أن نحافظ على (حضور القلب) والإبقاء على هذا التلميذ في قاعة درس الصلاة، إنفلت وهرب، وفجأة نلاحظ إننا قد أتممنا الصلاة بينما كان هذا (الطالب) غائباً عن الدرس.

شاهد أيضاً

طوفان الأقصى في المائة والواحد والأربعون يوما – فتحي الذاري

السياسة الأمريكية الغربية العدائية تعبث في مجريات الأحداث وتتسبب في ضحاياومجازر الإبادة الجماعية على المدنيين ...