الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 10

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 10

وحيث إنّ الأساس هو التوحيد ، واللازم هو خرق الحجب المانعة عن شهوده ، والتكبير سبب قويّ في خرقها لذا يبتدأ الأذان وكذا الإقامة بالتكبير ، ويختتمان بالتوحيد ، وبالتأمّل في تأثير التكبير يظهر سرّ تعدّده في بدء الأذان ، وكذا الإقامة ، ولعلّ سرّ تعدّد التوحيد في ختم الأذان ووحدته في ختام الإقامة هو البلوغ إلى أقصى مراتب التوحيد الذي لا مجال للتعدّد هنالك ؛ لانطواء الأسماء الأفعاليّة في الأسماء الصفاتيّة ، وانقهار الأسماء الصفاتيّة في الهويّة البحتة ، فتدبّره .

فتبيّن في هذه الصلة أمور :
الأوّل : أنّ روح التكبير هو التسبيح ؛ لأنّ معناه هو : أنّ اللَّه أجلّ من أن يحسّ أو يتخيّل أو يتوهّم أو يعقل ، إذ ليس جسما ، ولا جسمانيّا ، ولا صورة جزئيّة ، ولا
معنى جزئيّا ، ولا مفهوما كلَّيّا . وكذا أجلّ من أن يشاهد كنهه ، إذ الأزليّ الأبديّ السرمديّ أعلى من أن يكتنهه أحد ، فهو تعالى أجلّ من أن يعرف كنهه ، فلذا يكون عرفانه مصحوبا بالاعتراف بعدم الاكتناه ؛ لأنّ اللَّه تعالى وإن لم يحجب العقول عن واجب معرفته ولكنّه لم يطلعها على تحديد صفته ، كما أفاده سيّد الموحّدين عليّ بن أبي طالب عليه السلام « 1 » .

الثاني : أنّ الحجاب ظلمانيّ ونورانيّ .
الثالث : أنّ سرّ التكبير هو خرق الحجاب .
الرابع : أنّ سرّ تعدّده سبعا هو كون الحجب سبعة .

الخامس : أنّ السبب الملكيّ لتعدّد التكبير لا ينافي السرّ الملكوتيّ له ، كما أنّ السبب التشريعيّ له لا ينافي السرّ التكوينيّ له .
السادس : أنّ ذلك السرّ قد تحقّق في المعراج بمعنى أنّه ليس الكلام في أنّ للتكبير تأثيرا في رفع الحجاب فقط ، بل في أنّ الحجاب قد انخرق خارجا بتكبير رسول اللَّه – صلَّى الله عليه وآله – في المعراج .

السابع : أنّ ذلك السرّ لا يختصّ بالمعراج ، ولا برسول اللَّه صلَّى الله عليه وآله ، بل يعمّ غير المعراج ، ويشمل غير الرسول – صلَّى الله عليه وآله – أيضا بحيث تكون صلاة من لم يعلم ذلك السرّ ولم ينله ناقصة ، ومن هنا يظهر كون « الصلاة معراج المؤمن » ، فكلّ من صلَّى كصلاة رسول الله – صلَّى الله عليه وآله – فقد عرج به ، كما أنّ كلّ من توضّأ مثل وضوء أمير المؤمنين – عليه السلام – وقال مثل قوله – عليه السلام – حال الغسل والمسح المعهودين في الوضوء يخلق اللَّه تعالى بكلّ قطرة من وضوئه ملكا يقدّسه ويسبّحه ويكبّره و .
الثامن : أنّ الأذان وكذا الإقامة مبدوء بالتكبير ومختوم بالتوحيد ، وقد كرّر في كلّ واحد منهما التكبير لخرق أيّ حجاب فرض .

التاسع : أنّ الرافع للحجاب النوريّ هو باطن التكبير وسرّه الذي يكون أمرا تكوينيّا لا اعتباريّا ، وإلَّا أمكن صدوره من كلّ من أراده من الملك والإنسان ، مع أنّه لم يكن في وسع بعض الملائكة الكرام ، فضلا عن الإنسان العاديّ ، وإلَّا لارتفع جبرئيل – عليه السلام – إلى ما ارتفع به الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله ، كما أنّ الوضوء أيضا كان كذلك ، حيث ورد في المعراج : « . ثمّ امسح رأسك . ، فإنّي أوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك . ؛ لظهور تمشّي الوضوء الاعتباريّ من أيّ إنسان متوضّىء مصلّ .

العاشر : أنّ اللازم قبل الصلاة هو انخراق الحجاب بتمامه ، وهو لا ينخرق إلَّا بعدم شهود الإنسان المريد للمناجاة مع السرّ أحدا سواه حتّى نفسه ، وشهوده ، وهناك أسرار مطويّة تتبيّن لمن تأمّل بعض ما في الباب من النصوص . وما ورد في شأن المتّقين من أنّه : « عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم » « 1 » فهو وإن يوجب تعظيم اللَّه تعالى وتكبيره لكنّ التكبير هناك من أوصاف الجمال ، حيث إنّهم رأوا أنّ غير اللَّه تعالى موجود ، ولكنّه صغير ، واللَّه تعالى موجود عظيم وكبير ، وأين هو من التكبير الذي مغزاه التسبيح كما تقدّم والشاهد على أنّ هذا المقام ليس هو البالغ شأو السرّ : هو أنّ هؤلاء المتّقين لم يبلغوا بعد مقام الشهود التامّ ، بل كانوا في مقام الإحسان لا اليقين ، حيث قال – عليه السلام – في شأنهم : « فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون » « 2 » ، يعني : أنّهم كانوا في مقام « كأنّ » لا في مقام « أنّ » .

وأمّا من يعظَّم غير اللَّه ويكبّره في نفسه فهو ممّن لا يتمشّى منه التكبير الحقيقيّ وإن يتلفّظ به في الصلاة أو غيرها .
الصلة الثانية في سرّ النيّة
والمراد من النيّة هنا ليس هو قصد العنوان : كصلاة الظهر أو العصر في الأمر العباديّ ، وكأداء الدين أو الهبة في الأمر المعامليّ . كما أنّه ليس المراد منها هو قصد الوجه : كالوجوب أو الندب ، بل المراد منها هنا : هو خصوص قصد القربة من اللَّه سبحانه ؛ لأنّ هذا القصد هو المدار في البحث العرفانيّ والكلاميّ والخلقيّ الناظر حول صلاح القلب وفلاحه . وقد ورد في شأنها والاهتمام بها نصوص كثيرة من الآيات والأحاديث ، نحو قوله تعالى * ( « لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَه ُ رِئاءَ النَّاسِ » ) * « 1 » وقوله تعالى * ( « مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ ا للهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ ) * . » « 2 » وقوله تعالى :
* ( « قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَه ُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ » ) * « 3 » .

ونحو ما روي عن أهل البيت عليهم السّلام : عن عليّ بن أبي طالب – عليه السّلام – قال : قال رسول اللَّه صلَّى الله عليه وآله : « لا عمل إلَّا بنيّة ، ولا عبادة إلَّا بيقين ، ولا كرم إلَّا بالتقوى » « 4 » . وبهذا المضمون روايات أخر لا احتياج
إلى نقلها ؛ لكثرتها ومعروفيّتها ، ولا نصيب للعامل إلَّا بنيّته ومقدارها وكيفيّتها .

شاهد أيضاً

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 09

ولمّا كان التكبير هنالك خارقا للحجاب النوريّ فله – أي : للتكبير – حقيقة عينيّة ...