الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 25

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 25

وأمّا التسليم : فأصله قد تمثّل في المعراج ، حيث إنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – لمّا أتى بما أمر به من الجلوس والتصلية التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيّين ، فقيل : يا محمّد ، سلَّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ، فأوحى اللَّه – عزّ وجلّ – إليه أنّ السلام والتحيّة والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك « 2 » .

وتأويل السلام هو الترحّم كما عن أمير المؤمنين – عليه السّلام – حيث قال :
« وتأويل قولك : السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ترحّم عن اللَّه سبحانه ، فمعناها :
هذه أمان لكم من عذاب يوم القيامة » ، ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السّلام : « من لم يعلم تأويل صلاته هكذا فهي خداج ، أي : ناقصة » « 3 » .

وفي العلل : « فإن قال : فلم جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر ؟ قيل : لأنّه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين ، والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين في الكلام أوّلا بالتسليم » « 4 » .

وأيضا في العلل : عن الصادق – عليه السّلام – لمّا سئل عن العلَّة الَّتي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، قال عليه السّلام : لأنّه تحليل الصلاة ، ( قال المفضّل بن عمر : ) قلت : فلأيّ علَّة يسلَّم على اليمين ولا يسلَّم على اليسار ؟ قال عليه السّلام :

لأنّ الملك الموكَّل الذي يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيّئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ، فلهذا يسلَّم على اليمين دون اليسار ، قلت : فلم لا يقال : السلام عليك ، والملك على اليمين واحد ، ولكن يقال : السلام عليكم ؟ قال عليه السّلام : ليكون قد سلَّم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل
صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه . إلى أن قال المفضّل : قلت : فلم صار تحليل الصلاة التسليم ؟ قال عليه السّلام : لأنّه تحيّة الملكين ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة للعبد من النار ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله ، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة « 1 » .

وعن معاني الأخبار ، عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشميّ قال : سألت أبا عبد اللَّه – عليه السّلام – عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلَّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم ، فإن لم يسلَّم لم يأمنوه ، وإن لم يردّوا على المسلَّم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلا للكلام ، وأمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء اللَّه عزّ وجلّ ، وهو واقع من المصلَّي على ملكي اللَّه الموكَّلين به .

إنّ السلام اسم من الأسماء الحسنى الإلهيّة ، وهو اسم فعليّ لا ذاتيّ ، فهو ينتزع من فعل اللَّه لا من ذاته . وحيث إنّ فعل اللَّه صادر منه فهو خارج عنه ، مفتقر إليه ، فعليه لا غرو في إطلاقه على المظهر التامّ الإلهيّ ، أي : الإنسان الكامل نحو آل البيت عليهم السّلام ، فعليه لا تنافي بين قوله تعالى : « * ( هُوَ ا للهُ الَّذِي لا إِله َ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ ) * . » « 2 » وبين ما تقدّم من تطبيق السلام على الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – وآله عليهم السّلام . ولمّا كانت الجنّة دارا للَّه الذي هو السلام فصحّ أن يقال لها : إنّها دار السلام ، كما أنّها بنفسها تتّصف بالسلامة أيضا ، إذ لا لغو فيها ولا تأثيم ، فبذلك يظهر معنى قوله تعالى * ( « لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » ) * « 3 » ، ويتنزّل ذلك السلام من ربّ رحيم ، كما في سورة يس
« آية 58 » * ( « سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ » ) * ، فمن كان من أولي العزم وكان أعزم من غيره – نحو : نوح عليه السّلام حيث إنّه تحمّل أعباء الرسالة ألفا إلَّا خمسين عاما – كان سلام اللَّه عليه أوسع من سلامه تعالى على غيره ، إذ لم يرد في حقّ غيره ما ورد في حقّه من السلام العالميّ ؛ لأنّ القرآن قد نطق في حقّه فقط بقول اللَّه تعالى :
* ( « سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ » ) * « 1 » ، وأمّا في حقّ غيره فلا يوجد فيه عنوان « العالمين » .

والملائكة يسلَّمون على المؤمنين ويقولون لهم * ( « سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ) * « 2 » ، وتحيّة أهل الجنّة بعضهم لبعض إنّما هي بالتسليم ، كما قال اللَّه تعالى * ( « دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ » ) * « 3 » .

وهكذا تحيّة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – لمن جاءه يتعلَّم منه معالم دينه ، كما قال اللَّه تعالى * ( « وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ » ) * « 4 » ، وهؤلاء على صنفين :
أحدهما : من يتسلَّم السلام من اللَّه ويرى الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – وسيطا في إبلاغه ، وهو الأوحديّ من أهل الإيمان .

ثانيهما : من يتسلَّمه من نفس الرسول – صلَّى اللَّه عليه وآله – ولا يرى من هو أعلى منه وإن كان يعتقده ، وهو الأوسطيّ منهم ، وعلى أيّ تقدير يكون مجلس دراسة الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله – الذي يعلَّم الناس الكتاب والحكمة ، ويزكَّيهم – هو مجلس السلامة ، كما أنّ ليلة القدر – الَّتي أنزل فيها القرآن ، وتنزّل الملائكة فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام – أيضا .

والذي لا ينبغي الذهول عنه هو : أنّ السلام الجدّيّ إنّما يتمشّى في اللقاء الجديد ، فمن كان مصاحبا لشخص ويكون مشغول الذكر به لا يسلَّم عليه ، بخلاف من كان غائبا ثمّ حضر فإنّه يتمشّى منه التسليم ، وحيث إنّ المصلَّي قد أسري
وعرج به ، وكان مناجيا ربّه ، غائبا عن الأرض وأهلها ، بل عن ما سوى اللَّه ، فإذا أتمّ النجوى واذن له الهبوط إلى الأرض والحشر مع أهلها فهو حينذاك جديد الورود ، وحديث اللقاء ، فيتمشّى منه التسليم ، وأمّا المصلَّي الذي كان ساهيا عن صلاته ، مشغول السرّ بالأرض وأهلها فلم يكن غائبا عنهم حتّى يحدث له اللقاء ، ويصحّ منه التسليم ، فلذا قال بعض الحافّين حول المعرفة ما معناه : كيف لا يستحي المصلَّي الذي له الويل لسهوه عن صلاته في التسليم ، ولفظه : واعلم : أنّ السلام لا يصحّ من المصلَّي إلَّا أن يكون مناجيا ربّه ، غائبا عن كلّ ما سوى اللَّه .

، فإذا أراد الانتقال من تلك الحالة إلى حالة مشاهدة الأكوان والجماعة سلَّم عليهم سلام القادم ؛ لغيبته عنهم في صلاته عند ربّه ، فإن كان المصلَّي لم يزل مع الأكوان والجماعة فكيف يسلَّم عليهم ؟ فهلَّا أستحيي هذا المصلَّي حيث يري بسلامه أنّه كان عند اللَّه ! فسلام العارف من الصلاة ؛ لانتقاله من حال إلى حال ، فيسلَّم تسليمتين : تسليمة على من ينتقل عنه ، وتسليمة على من قدم عليه ، إلَّا أن يكون عند اللَّه في صلاته فلا يسلَّم على من انتقل عنه ؛ لأنّ اللَّه هو السلام ، فلا يسلَّم عليه « 1 » .

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...