الرئيسية / شخصيات اسلامية / أنساب الأشراف 21

أنساب الأشراف 21

175 – وقال الواقدي في إسناده : كانت خديجة بنت خويلد امرأة موسرة تاجرة
ذات مال . فكلمها أبو طالب في رسول الله صلى الله عليه وسلم . فوّجهته إلى الشأم ، ومعه ميسرة غلامها . فعرفت خديجة البركة والنماء في مالها على يده .
وأخبرها ميسرة بما كان يقال فيه . وكانت امرأة عاقلة حازمة برزة ، مرغوبا فيها لشرفها ويسارها . فدسّت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرض عليه أن يتزوجها . فرغب في ذلك . فبعثت إليه أن ائت في وقت كذا . وأرسلت إلى عمرو بن أسد ، عمّها . فحضر ، وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته . فزوّجها إياه عمرو . ومات عمرو بعد تزويجها بقليل . وقال الواقدي : كانت التي [ 1 ] سفرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم / 44 / وبين خديجة : نفيسة بنت منية ، أخت يعلى بن منية التميمي حليف بنى نوفل بن عبد مناف . وأسلمت نفيسة عام الفتح ، فذكَّرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منها . فبرّها وأكرمها .
176 – وحدثني بكر بن الهيثم ، قال أخبرني عبد الرزاق بن همام ، عن معمر ، عن الزهري فيما يحسب
عبد الرزاق ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت :
دخلت امرأة سوداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليها واستبشر بها . فقلت : يا رسول الله ، أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال ؟ فقال : إنها كانت تدخل على خديجة كثيرا ، وانّ حسن العهد من الإيمان .
177 – وتزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وهي ابنة أربعين سنة . وذلك الثبت عند العلماء . ويقال إنه تزوّجها وهي ابنة ست وأربعين سنة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة . ويقال : تزوّجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، وهي ابنة ثمان [ 2 ] وعشرين سنة .
وحدثني الوليد بن صالح ، ثنا الواقدي ، عن المنذر بن عبد الله ، عن موسى بن عقبة ، قال : قال حكيم ابن حزام :
تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمتي خديجة وهي ابنة أربعين ، ورسول
الله ابن خمس وعشرين ، وكانت أسنّ منى بسنتين . وولدت أنا قبل الفيل بثلاث عشرة سنة ، وشهدت الفجار وأنا ابن ثلاث وثلاثين سنة . ومات حكيم سنة أربع وخمسين ، أو خمس وخمسين ، وهو ابن مائة وعشرين سنة .
بناء قريش الكعبة :
178 – قالوا : وأتى سيل ملأ ما بين الجبلين ، ودخل الكعبة حتى تصدعت .
فعزمت قريش على بنائها من أطيب أموالها وأحلَّها . فهدمتها ، وأعادت بناءها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة . وكانت قريش قد أفردت ببناء كل ربع من أرباع البيت قوما . فكان لبنى عبد مناف وبنى
زهرة ما [ 1 ] بين ركن الحجر إلى الركن الأسود ، وهو وجه البيت وفيه بابه .
ولبني عبد الدار وبنى أسد الشقّ الذي يلي الشأم . ولبني تيم بن مرّة وبنى مخزوم الشقّ الذي يلي اليمن ولسهم ، وجمح ، وعدى ، وبنى عامر بن لؤي ما بين الركن اليماني والركن الأسود . فبنى كل قوم ما صار لهم . وقيل أيضا انّ ما بين الركن اليماني والركن الأسود كان لبنى تيم وبنى مخزوم ، وأنّ ظهر الكعبة كان لبنى جمح وسهم ، وأن الشقّ الشأمى كان لبنى عبد الدار وبنى عدى بن كعب ، وأن لبنى عبد مناف وبنى زهرة الشقّ الذي فيه الباب ، وكان ذلك بقرعة بينهم .
فلما انتهوا إلى موضع الركن الأسود ، اختلفوا فيمن يضعه وتشاحّوا عليه . فرضوا بأول من يدخل من الباب . فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقالوا : الأمين ، والله . ورضوا بأن وضعه . فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ، ثم وضع الركن فيه ، وقال : ليأت من كل ربع من قريش رجل .
فرفعوه . ثم وضعه بيده في موضعه .
حدثنا الوليد بن صالح ، عن الواقدي ، عن محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال :
لما انتهوا إلى حيث موضع الركن الأسود من البيت اختلفوا فيه . فقال أبو أمية
ابن المغيرة ، واسمه حذيفة : يا معشر قريش ، اجعلوا بيننا أوّل من يدخل من هذا الباب . وأشار إلى الباب الذي نعرفه اليوم ببني شيبة . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه ، قالوا : هذا الأمين رضينا به . فبسط رداءه ثم وضع الركن فيه وقال : ليأت من كلّ ربع من أرباع قريش رجل . فرفعوه .
ثم وضعه بيده في موضعه .
179 – وقال الواقدي ، عن خلد بن القاسم ، عن أبي تجراة ، عن أمه ، قالت :
نظرت أنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع الحجر بيده . قلت / 45 / لمن الثوب الذي حمل فيه ؟ قالت : للوليد بن المغيرة .
180 – قال الواقدي : ويقال ان الذي أشار بأن يضع الحجر أول من يدخل :
أبو حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . واسمه مهشم . وأن الحجر وضع في كساء طاروني أبيض من نقاع الشأم كان للنبي صلى الله عليه وسلم .
فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ، احتاج إلى حجر يسند به الركن . فذهب رجل من أهل نجد ليأتيه به ، فقال : لا ، وأمر العباس ابن عبد المطلب . فأتاه بحجر ، فأسنده به . فغضب النجدي ، وقال : عمدتم إلى أصغركم سنا ، وأقلكم مالا ، فوليتموه هذه المكرمة . وكان يقال إنه إبليس .
181 – وقال أبو طالب في وضع الركن :
إنّ لنا أوله وآخره * في الحكم والعدل الذي تنكره
نحن عمرنا خيره وأكثره * لما وضعته إذ تماروا حجته
يوم نخلة
182 – قالوا : وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نخلة مع عمومته . وهو أعظم أيام الفجار . وكان من حديث هذا اليوم أن البرّاض بن قيس ، أحد بنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، كان خليعا ، خلعه قومه . فلحق
بأبى قابوس النعمان بن المنذر ، ملك الحيرة . وكان النعمان يبعث إلى سوق
عكاظ في كل عام لطيمة ، في جوار ، فتباع له بسوق عكاظ ، ويشترى له بثمنها العصب ، والبرود ، والأدم ، وغير ذلك من طرائف اليمن . وعكاظ فيما بين نخلة والطائف . وجهّز النعمان لطيمته ، وقال : من يجيرها ويجيزها ؟ فقال البرّاض : أبيت اللعن ، أنا أجيرها على بنى كنانة . فقال النعمان : ما أريد إلا رجلا يجيرها على أهل نجد . فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب ، وهو عروة الرّحال ، وإنما سمى الرحال لرحلته إلى الملوك : أنا أجيرها . فقال البراض : على بنى كنانة تجيرها يا عروة ؟ قال : نعم ، وعلى الناس كلهم ، أو كلب خليع يجيرها ؟ ثم شخص بها ، وشخص البرّاض وعروة يرى مكانه فلا يكترث به ولا يخشاه . فلما كان إلى جانب فدك ، بأرض يقال لها أوارة .
نام الرحّال . ووجد البرّاض فرصته ، فشدّ عليه وقتله وهرب قوّام الركاب وعضاريطها . فاستاق البراض العير ، ولقى بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر ، فجعل له أربع قلائص على أن يأتي حرب بن أمية ، وعبد الله بن جدعان ، وهشاما ، والوليد ابني المغيرة المخزوميين أن البرّاض قتل عروة . وحذره أن يسبق الخبر إلى قومه ، فيكتموه ويقتلوا به رجلا من قريش عظيما ، لأنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعا من بنى ضمرة . فمرّ بهم الحليس بن يزيد الدؤلي – وقال الكلبي : هو الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة – وأخبروه بما ألقى إليه بشر بن أبي خازم ، وكتموا الخبر ، وارتحلوا على تعبية ومعهم الأحابيش ( وهم بنو الدئل ، والقارة ، وبطون من خزاعة ) . وكان حرب بن أمية في القلب ، وعبد الله بن جدعان في إحدى المجنبتين ، وهشام بن المغيرة في الأخرى . فبلغ الخبر عامر بن مالك في آخر النهار ، فركب فيمن حضر عكاظ من هوازن يريد القوم . فأدركهم بنخلة .
فاقتتلوا ، حتى دخلت قريش الحرم ، وجنّ عليهم الليل .
183 – وفي يوم نخلة يقول خداش بن زهير [ 1 ] :
يا شدّة ما شددنا غير كاذبة * على سخينة لولا الليل والحرم
إذ يتقينا هشام بالوليد ولو * أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم
فإن سمعت بجيش سالكا شرفا * أو بطن مر فاخفوا الشخص واكتتموا
/ 46 / وقال البرّاض :
فقمت على المرء الكلابي فخرة * وكنت قديما لا أقرّ فخارا
علوت بحد السيف مفرق رأسه * فأسمع أهل الواديين خوارا [ 1 ]
وقدم البرّاض مكة باللطيمة ، فكان يأكلها .
يوم شمطة
184 – قالوا : ثم إنّ قريشا وبنى كنانة لقوا هوازن بشمطة [ 2 ] . وعلى بنى هشام :
الزبير بن عبد المطلب ، وعلى بنى عبد شمس وأحلافها : حرب بن أمية ، وعلى
بنى عبد الدار وحلفائها : عكرمة بن هاشم ، وعلى بنى أسد بن عبد العزى :
خويلد بن أسد ، وعلى بنى زهرة : مخرمة بن نوفل ، وعلى بنى تيم : ابن جدعان ، وعلى بنى مخزوم : هشام [ 3 ] بن المغيرة ، وعلى بنى سهم : العاص بن وائل ، وعلى بنى جمح : أمية بن خلف ، وعلى بنى عدى : زيد بن عمرو بن نفيل ، وعلى بنى عامر بن لؤي : عمرو بن عبد شمس ( أبو سهيل بن عمرو ) ، وعلى بنى فهر : عبد الله بن الجرّاح ( أبو [ 4 ] أبى عبيدة ) ، وعلى بنى بكر : بلعاء [ 5 ] بن قيس ، وعلى الأحابيش : الحليس الكناني . فالتقوا . فكانت أول النهار على هوازن ، فصبروا . ثم استحرّ القتل في قريش ، وانهزم الناس . فقال خداش :
فأبلغ ان عرضت لهم هشاما * وعبد الله أبلغ والوليدا
بأنا يوم شمطة قد أقمنا * عمود المجد إنّ له عمودا
فيقال إنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضر هذين اليومين مع عمومته ، يحفظ عليهم ويناولهم النبل . وبلغني عن الزهري أنه قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، ولو كان معهم لظهروا ، ولكنه كان معهم يوم عكاظ وكان لقريش . وقال هشام بن الكلبي : كان يوم نخلة ، وللنبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة أو أشفّ منها . وذلك لثلاث سنين من ولاية أبى قابوس النعمان ابن المنذر الحيرة . ومن قال إنه صلى الله عليه وسلم كان ابن أربع عشرة سنة فقد غلط . وقال : كان ملك النعمان بن المنذر اثنتين وعشرين سنة . وكان ملك الفرس يوم نخلة كسرى بن هرمز إبرويز الذي ملك ثمانيا وثلاثين سنة وأشهرا . وكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة من ملك أنوشروان .
ثم ملك بعد أنوشروان هرمز بن أنوشروان اثنتي عشرة سنة . ثم ملك إبرويز هذا . فبعث رسول الله صلىالله عليه وسلم لعشرين سنة إلا شهرا من ملكه .

شاهد أيضاً

الحجاب النوراني والحجاب الظلماني

لكن أنواع ذلك الجلال هو اشراقاتي وهو لفرط العظمة والنورانية واللانهائية، يبعد عنها العاشق بعتاب ...