الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين4

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين4

( الله الذي خلق السماوات والأرض ، وأنزل من السماء ماءا فأخرج به
من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ، وسخر
لكم الأنهار ، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ، وسخر لكم الليل والنهار ،
وآتاكم من كل ما سألتموه . وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . إن الإنسان
لظلوم كفار ) .

ذالكم أسلوب القرآن في تعريف الناس بالله . إنه أسلوب يقيمهم على
عبودية الحب والتفاني لا على عبودية التحقير والهوان ، عبودية الاعجاب
بالعظمة والإقرار بالاحسان ، لا العبودية المبهمة التي تصادر الإرادة وتزري
بالانسان .

( قل : الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، الله خير أما
يشركون ؟ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءا فأنبتنا به
حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله ؟ بل هم قوم يعدلون )
( أمن خلق الأرض قرارا ، وجعل خلالها أنهارا ، وجعل لها رواسي ، وجعل بين البحرين حاجزا ، أإله مع الله ؟ بل أكثرهم لا يعلمون ) ،

( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء
الأرض ، أإله مع الله قليلا ما تذكرون ) . ( أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن
يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ، أإله مع الله ؟ تعالى عما يشركون ) .
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ، ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع
الله ؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .

إن هذا التساؤل المتواصل السريع يفتح على النفس آفاقا بعيدة من
الإيمان الذكي ، ويجعلها تهرع إلى الله متجردة تنفر من شوائب الشرك نفور
الرجال من عبث الصبية . . .
إن الشرك موت ، وإن الإيمان حياة .
إن الشرك ظلمة ، وإن الإيمان نور .
إن الشرك ضيق وعسر وقلق ، وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة في
الصدور .

إن الشرك انقطاع عن منبع الحياة الأزلية الخالدة التي لا تفنى ولا
تغيض ، فهو موت وانعزال عن القوة الفاعلة المؤثرة في الكون ، فهو موت
وجفاف من نداوة الإيمان وبشاشته ونتاجه ، فهو موت وفناء في هذه الحياة
الدنيا بلا تطلع للحياة الباقية ، فهو موت وتعطيل للمشاعر والمدارك والحواس
عن التأثر والاستجابة .
وإن الإيمان اتصال واستمداد ونداوة وامتداد وفاعلية واستجابة ، فهو
حياة بكل معاني الحياة .
إن الشرك تغطية وحجب للروح عن التطلع والاطلاع ، فهو ظلمة . وختم على
الجوارح أن ترى وتسمع وتحس ، فهو ظلمة وتيه في الطرق المتعرجة وضلال ،
فهو ظلمة .

وإن الإيمان تفتح ورؤية وإدراك واستقامة على الطريق ، فهو نور بكل
مقومات النور .
إن الشرك إنكماش وتصليب وتحجر فهو ضيق . وشرود عن الطريق
السوي الواصل فهو عسر . وحرمان من الاطمئنان إلى القوة الكبرى فهو علق .
وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة ، ترحم هذا المخلوق الإنساني
الضعيف .

وما المشرك ؟ إن هو إلا نبتة ضالة لا وشائج لها ولا جذور ؟ إن هو
إلا فرد منقطع الصلة بخالق الوجود ، فهو منقطع الصلة بالوجود ، لا تربطه
به إلا روابط هزيلة من وجوده الفردي المحدود .

إن الصلة بالله والصلة في الله لتصلان الفرد الفاني بالأزل القديم والخلود
الدائم ، ثم تصلانه بالكون الحادث والحياة المديدة ، ثم تصلانه بالانسانية
كلها ذات الإله الواحد ، والدين الواحد ، والاتجاه الواحد ، والعبادة الواحدة
فهو في ثراء من الوشائج ، وفي ثراء من الصلات ، وفي ثراء من الوجود
الزاخر الممتد الذي لا يقف عند عمره الفردي المحدود .
ألا إن الشرك موت في كل صورة من صوره . ولكن موتى المشركين لا
يشعرون بما هم فيه من موت مقيم .

وهل أحمق من رجل يسكن عمارة ضخمة ، فإذا به يتوهم أن سلاسل القمامة
المبعثرة فيها ، هي التي قامت على بنائها ؟ .
أليس هذا مثل الوثنية المخرفة ، التي ترد مظاهر الوجود إلى بعض
الجماد ، أو الحيوان أو الإنسان ؟ .
ومثل الطبيعية التي ترد نظام الكون البديع ، وإحكام صنعه العجيب الباهر
إلى الطبيعة العمياء ، عديمة الحس والشعور .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...