الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 1

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 1

أسس المجتمع الاسلامي
– 1 –
الانسان والمجتمع
كون النوع الانساني نوعا اجتماعيا لا يحتاج في إثباته إلى بحث كثير ، فكل فرد من
هذا النوع مفطور على ذلك ، ولم يزل الانسان يعيش في وضع اجتماعي على ما ينقله لنا
التاريخ والآثار المشهودة الحاكية لأقدم العهود التي يعيش فيها الانسان ويحكم على
هذه الأرض .
وقد أنبأ القرآن الكريم عن ذلك أحسن إنباء في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : ( يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) ( 1 ) .
وقال تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض
درجات ليتخذ بعضهم سخريا ) ( 2 ) .
وقال تعالى : ( بعضكم من بعض ) ( 3 ) .
وقال تعالى : ( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ) ( 1 ) إلى غير ذلك
من الآيات .
– 2 –
الانسان ونموه في مجتمعه
المجتمع الانساني كسائر الخواص الروحية الانسانية ، وما يرتبط بها لم يوجد حين وجد
تاما كاملا لا يقبل النماء والزيادة ، بل هو كسائر الأمور الروحية الإدراكية
الإنسانية لم يزل يتكامل بتكامل الانسان في كمالاته المادية والمعنوية ، وعلى
الحقيقة لم يكن من المتوقع أن تستثنى هذه الخاصة من بين جميع الخواص الانسانية
فتظهر أول ظهورها تامة كاملة أتم ما يكون وأكمله بل هي كسائر الخواص الانسانية التي
لها ارتباط بقوتي العلم والإدارة تدريجية الكمال في الانسان .
والذي يظهر من التأمل في حال هذا النوع أن أول ما ظهر من المجتمع فيه الاجتماع
المنزلي بالازدواج لكون عامله الطبيعي ، وهو جهاز التناسل أقوى عوامل الاجتماع لعدم
تحققه إلا بأزيد من فرد واحد أصلا بخلاف مثل التغذي وغيره ، ثم ظهرت منه الخاصة
التي سميناها في مباحث كتابنا ( الميزان ) بالاستخدام وهو توسيط الانسان غيره في
سبيل رفع حوائجه ببسط سلطته وتحميل إرادته عليه ثم برز ذلك في صورة الرئاسة كرئيس
المنزل ورئيس العشيرة ، ورئيس القبيلة ، ورئيس الأمة ، وبالطبع كان المقدم المتعين
من بين العدة أولا أقواهم وأشجعهم ، ثم أشجعهم وأكثرهم مالا وولدا ، وهكذا حتى
ينتهي إلى أعلمهم بفنون الحكومة والسياسة ، وهذا هو السبب الابتدائي لظهور الوثنية
، وقيامها على ساقها حتى اليوم .

وخاصة الاجتماع بتمام أنواعها ( المنزلي وغيره ) وإن لم تفارق الانسانية في هذه
الأدوار ، ولو برهة إلا أنها كانت غير مشعور بها للإنسان تفصيلا بل كانت تعيش
وتنمو بتبع الخواص الأخرى المعني بها للإنسان كالاستخدام والدفاع ونحو ذلك .
والقرآن الكريم يخبر أن أول ما نبه الانسان بالاجتماع تفصيلا واعتنى بحفظه
استقلالا نبهته به النبوة ، قال تعالى : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا )
( 1 ) .

وقال أيضا : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم
الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) ( 2 ) ، حيث ينبئ أن الانسان في
أقدم عهوده كان أمة واحدة ساذجة لا اختلاف بينهم حتى ظهرت الاختلافات وبانت
المشاجرات فبعث الله الأنبياء وأنزل معهم الكتاب ليرفع به الاختلاف ، ويردهم إلى
وحدة الاجتماع محفوظة بالقوانين المشرعة . وقال تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى
به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا
تتفرقوا فيه ) ( 3 ) .

فأنبأ أن رفع الاختلاف من بين الناس وإيجاد الاتحاد في كلمتهم إنما كان في صورة
الدعوة إلى إقامة الدين وعدم التفرق فيه ، فالدين كان يضمن اجتماعهم الصالح .
والآية : – كما ترى – تحكي هذه الدعوة ( ودعوة الاجتماع والاتحاد )
عن نوح عليه السلام ، وهو أقدم الأنبياء أولي الشريعة والكتاب ثم عن إبراهيم ، ثم
عن موسى ، ثم عن عيسى عليهم السلام ، وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النزر اليسير
من الاحكام ، وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى ، وتتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به
القرآن وهو ظاهر الأناجيل وليس في شريعة موسى – على ما قيل – سوى ستمائة حكم
تقريبا .

فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلة صريحة إلا من ناحية النبوة في قالب
الدين كما يصرح به القرآن ، والتاريخ بصدقه .
– 3 –

الاسلام وعنايته بالمجتمع
لا ريب أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي أسس بنيانه على الاجتماع صريحا ، ولم
يهمل أمر المجتمع في أقل شأن من شؤونه ، فانظر : إن أردت زيادة التبصر في ذلك إلى
سعة الأعمال الانسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة ، وإلى تشعبها إلى أجناسها ،
وأنواعها ، وأصنافها ، ثم انظر إلى احصاء هذه الشريعة الإلهية لها وإحاطتها بها
وبسط أحكامها عليها ، ترى عجبا ، ثم أنظر إلى تقليبه ذلك كله في قالب المجتمع ترى
أنه أنفذ روح الاجتماع فيها غاية ما يمكن من الانفاذ . ثم خذ في مقايسة ما وجدته
بسائر الشرائع الحقة التي يعتني بها القرآن وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى
تعاين النسبة وتعرف المنزلة .

وأما ما لا يعتني به القرآن الكريم من الشرائع كأديان الوثنية والصابئية والمانوية
والثنوية ، وغيرها ، فالأمر فيها أظهر وأجلى . وأما الأمم المتمدنة وغيرها فالتاريخ
لا يذكر من أمرها إلا أنها كانت تتبع ما ورثته من أقدم عهود الإنسانية من استتباع
الاجتماع بالاستخدام ،

واجتماع الافراد تحت جامع حكومة الاستبداد والسلطة الملوكية ، فكان الاجتماع القومي
، والوطني والإقليمي يعيش تحت راية الملك والرئاسة ، ويهتدي بهداية عوامل الوراثة
والمكان وغيرهما من غير أن يعتني أمة من هذه الأمم عناية مستقلة بأمره ، وتجعله
موردا للبحث والعمل ، حتى الأمم المعظمة التي كانت لها سيادة الدنيا حينما شرقت
شارقة الدين وأخذت في إشراقها وإنارتها أغنى إمبراطورية الروم والفرس فإنها لم تكن
إلا قيصرية و كسروية تجتمع أممها تحت لواء الملك والسلطنة ويتبعها الاجتماع في رشده
ونموه ويمكث بمكثها .

نعم ، يوجد فيما ورثوه أبحاث اجتماعية في مسفورات حكمائهم من أمثال سقراط وأفلاطون
وأرسطو وغيرهم إلا انها كانت أوراقا وصحائف لا ترد مورد العمل ، ومثلا ذهنية لا
تنزل مرحلة العين والخارج ، والتاريخ الموروث أعدل شاهد على صدق ما ذكرناه . فأول
نداء قرع سمع النوع الإنساني ، ودعى به هذا النوع إلى الاعتناء بأمر المجتمع بجعله
موضوعا مستقلا خارجا عن زاوية الاهمال وحكم التبعية هو الذي نادى به صادع
الاسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ، فدعى الناس بما نزل عليه من آيات ربه إلى سعادة
الحياة وطيب العيش مجتمعين ، وقد قال تعالى :

( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم ) ( 1 ) . وقال تعالى
: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا – إلى أن قال تعالى – * ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( يشير إلى حفظ المجتمع عن
التفرق والانشعاب ) وأولئك هم المفلحون * ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد
ما جاءهم
البينات ) ( 1 ) .

وقال : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ ) ( 2 ) إلى غير ذلك من
الآيات المطلقة الداعية إلى أصل الاجتماع والاتحاد .
قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) ( 3 ) .
وقال : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ( 4 ) .
وقال : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ( 5 ) .
وقال أيضا : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
) ( 6 ) .
إلى غير ذلك من الآيات الآمرة ببناء المجتمع الاسلامي على الاتفاق والاتحاد في
حيازة منافعها ومزاياها المعنوية والمادية والدفاع عنه على ما سنتحدث فيه إن شاء
الله تعالى .

 

النشر يكون في-24 من كل شهر

 https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

 

شاهد أيضاً

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 9

من الذي يتقلد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته ؟ كانت ولاية أمر المجتمع الاسلامي ...