الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 7

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 7

التكامل في المجتمع الاسلامي
ربما أمكن أن يقال : هب أن السنة الإسلامية سنة جامعة للوازم الحياة
السعيدة ، والمجتمع الاسلامي مجتمع سعيد مغبوط لكن هذه السنة لجامعيتها وانتفاء
حرية العقيدة فيها تستوجب ركود المجتمع ووقوفه عن التحول والتكامل وهو من عيوب
المجتمع الكامل كما قيل فإن السير التكاملي يحتاج إلى تحقيق القوى المتضادة في
الشيء وتفاعلها حتى تولد بالكسر والانكسار مولودا جديدا خاليا من نواقص العوامل
المولدة التي زالت بالتفاعل فإذا فرض أن الاسلام يرفع الأضداد والنواقص وخاصة
العقائد المتضادة من أصلها فلازمه أن يتوقف المجتمع الذي يكونه عن السير التكاملي .
أقول : وهو من إشكالات المادية الجدلية ( ماترباليسم ديالكتيك ) وفيه خلط عجيب فإن
العقائد والمعارف الانسانية على نوعين نوع يقبل التحول والتكامل وهو العلوم
الصناعية التي تستخدم في طريق ترفيع قواعد الحياة المادية وتذليل الطبيعة العاصية
للإنسان كالعلوم الرياضية والطبيعية وغيرهما ، وهذه العلوم والصناعات وما في عدادها
كلما تحولت من النقص إلى الكمال أوجب ذلك تحول الحياة الاجتماعية لذلك .
ونوع آخر لا يقبل التحول وإن كان يقبل التكامل بمعنى آخر وهو العلوم والمعارف
العامة الإلهية التي تقضي في المبدأ والمعاد والسعادة والشقاء وغير ذلك قضاء
قاطعا واقفا غير متغير ولا متحول وإن قبلت الارتقاء والكمال من حيث الدقة والتعمق
وهذه العلوم والمعارف لا تؤثر في الاجتماعات وسنن الحياة إلا بنحو كلي ، فوقوف هذه
المعارف والآراء وثبوتها على حال واحد لا يوجب وقوف الاجتماعات عن سيرها الارتقائي
كما نشاهد أن عندنا آراء كثيرة كلية ثابتة في حال واحد من غير أن يقف اجتماعنا لذلك
عن سيره كقولنا : إن الانسان يجب أن ينبعث إلى العمل لحفظ حياته وإن العمل يجب أن
يكون لنفع عائد إلى الانسان ، وإن الانسان
يجب أن يعيش في حال الاجتماع ( التجمع ) وقولنا : إن العالم موجود حقيقة لا وهما
وإن الانسان جزء من العالم ، وإن الانسان جزء من العالم الأرضي وان الانسان ذو
أعضاء وأدوات وقوى إلى غير ذلك من الآراء والمعلومات الثابتة التي لا يوجب ثبوتها
ووقوفها وقوف المجتمعات وركودها ، ومن هذا القبيل القول بأن للعالم إلها واحدا
شرع للناس شرعا جامعا لطرق السعادة من طريق النبوة وسيجمع الجميع إلى يوم يوفيهم
فيه جزاء أعمالهم ، وهذه هي الكلمة الوحيدة التي بنى عليها الاسلام مجتمعه وتحفظ
عليها كل التحفظ ، ومن المعلوم أنه مما لا يوجب باصطكاك ثبوته ونفيه وانتاج رأي آخر
فيه إلا انحطاط المجتمع كما بين مرارا وهذا شأن جميع الحقائق الحقة المتعلقة بما
وراء الطبيعة فإنكارها بأي وجه لا يفيد للمجتمع إلا انحطاطا وخسة .
والحاصل أن المجتمع البشري لا يحتاج في سيره الارتقائي إلا إلى التحول والتكامل
يوما فيوما في طريق الاستفادة من مزايا الطبيعة ، وهذا إنما يتحقق بالبحث الصناعي
المداوم وتطبيق العمل على العلم دائما والاسلام لا يمنع من ذلك شيئا .
وأما تغير طريق إدارة المجتمعات وسنن الاجتماع الجارية كالاستبداد الملوكي
والديموقراطية والشيوعية ، ونحوها فليس بلازم إلا من جهة نقصها وقصورها عن إيفاء
الكمال الانساني الاجتماعي المطلوب لا من جهة سيرها من النقص إلى الكمال فالفرق
بينها لو كان فإنما هو فرق الغلط والصواب لا فرق الناقص والكامل فإذا استقر أمر
السنة الاجتماعية على ما يقصده الانسان بفطرته وهو العدالة الاجتماعية واستظل الناس
تحت التربية الجيدة بالعلم النافع والعمل الصالح ثم أخذوا يسيرون مرتاحين ناشطين
نحو سعادتهم بالارتقاء في مدارج العلم والعمل ولا يزالون يتكاملون ويزيدون تمكنا
واتساعا في السعادة فما حاجتهم إلى تحول السنة الاجتماعية زائدا على ذلك ؟ ومجرد
وجوب التحول على الانسان من كل جهة حتى فيما لا يحتاج فيه إلى التحول مما لا ينبغي
أن يقضي به ذو نظر وبصيرة .
فإن قلت : لا مناص من عروض التحول في جميع ما ذكرت ، أنه مستغن عنه كالاعتقادات
والأخلاق الكلية ونحوها فأنها جميعا تتغير بتغير الأوضاع الاجتماعية والمحيطات
المختلفة ، ومرور الأزمنة ، فلا يجوز أن ينكر أن الانسان الجديد تغاير أفكاره أفكار
الإنسان القديم ، وكذا الانسان يختلف نحو تفكره بحسب اختلاف مناطق حياته كالأراضي
الاستوائية والقطبية ، والنقاط المعتدلة ، وكذا بتفاوت أوضاع حياته من خادم ومخدوم
وبدوي وحضري ومثر ومعدم ، وفقير وغني ، ونحو ذلك فالأفكار والآراء تختلف باختلاف
العوامل وتتحول بتحول الأعصار بلا شك كائنة ما كانت .
قلت : الإشكال مبني على نظرية نسبية العلوم والآراء الانسانية ، ولازمها كون الحق
والباطل والخير والشر أمورا نسبية إضافية فالمعارف الكلية النظرية المتعلقة
بالمبدأ والمعاد وكذا الآراء الكلية العملية كالحكم بكون الاجتماع خيرا للإنسان ،
وكون العدل خيرا ( حكما كليا لا من حيث انطباقه على المورد ) تكون أحكاما نسبية
متغيرة بتغير الأزمنة والأوضاع ، والأحوال ، وقد بينا في محله فساد هذه النظرية من
حيث كليتها .
وحاصل ما ذكرناه هناك أن النظرية غير شاملة للقضايا الكلية النظرية وقسم من الآراء
الكلية العملية .
وكفى في بطلان كليتها أنها لو صحت ( أي كانت كلية – مطلقة – ثابتة ) أثبتت قضية
مطلقة غير نسبية وهي نفسها ، ولو لم تكن كلية مطلقة ، بل قضية جزئية أثبتت
بالاستلزام قضية كلية مطلقة فكليتها باطلة على أي حال ،
وبعبارة أخرى لو صح أن كل رأي واعتقاد يجب أن يتغير يوما وجب أن يتغير هذا
الرأي نفسه – أي لا يتغير بعض الاعتقادات أبدا – فإنهم ذلك .
– 11 –
هل الاسلام قادر على إسعاد البشرية ؟
ربما يقال : هب أن الاسلام لتعرضه لجميع شؤون الانسانية الموجودة في عصر نزول
القرآن كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية ، وجميع أمانيهم
في الحياة لكن الزمن استطاع أن يغير طرق الحياة الانسانية ، فالحياة الثقافية
والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرنا
المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية ، فقد بلغ الانسان إثر مجاهداته الطويلة
الشاقة مبلغا من الارتقاء والتكامل المدني لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدة قرون
كان كالقياس بين نوعين متباينين فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك
العصر للحياة المتشكلة العبقرية اليوم ؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال
الأخرى ؟
والجواب : أن الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كليات شؤونها ،
وإنما هو من حيث المصاديق والموارد وبعبارة أخرى يحتاج الانسان في حياته إلى غذاء
يتغذى به ، ولباس يلبسه ، ودار يقطن فيه ويسكنه ، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله
وتنقلها من مكان إلى آخر ومجتمع يعيش بين أفراده ، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية
وعملية وغير ذلك ، وهذه حاجة كلية غير متغيرة ما دام الانسان إنسانا ذا هذه الفطرة
والبنية ، وما دام حياته هذه الحياة الانسانية والانسان الأولي وإنسان هذا اليوم في
ذلك على حد سواء .
وإنما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل التي يرفع الانسان بها حوائجه
المادية ، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبه لها وبوسائل رفعها .
فقد كان الانسان الأولي مثلا يتغذى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على
وجه بسيط ساذج ، وهو اليوم يهيئ منها ببراعته وابتداعه ألوفا من ألوان الطعام
والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته ، وألوان يستلذ منها بصره ، وطعوم يستطيبها
ذوقه ، وكيفيات يتنعم بها لمسه ، وأوضاع وأحوال أخرى يصعب إحصاؤها ، وهذا الاختلاف
الفاحش لا يفرق الثاني من الأول من حيث إن الجميع غذاء يتغذى به الانسان لسد جوعه
وإطفاء نائرة شهوته . وكما أن هذه الاعتقادات الكلية التي كانت عند الانسان أولا
لم تبطل بعد تحوله من عصر إلى عصر بل انطبق الأول على الآخر انطباقا ، كذلك
القوانين الكلية الموضوعة في الاسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة لا تبطل
بظهور وسيلة مكان وسيلة ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظا من غير تغير وانحراف ،
وأما مع المخالفة فالسنة الاسلامية لا توافقها سواء في ذلك العصر القديم ، والعصر
الحديث .
وأما الاحكام الجزئية المتعلقة بالحوادث الجارية التي تحدث زمانا وزمانا وتتغير
سريعا بالطبع كالأحكام المالية والانتظامية المتعلقة بالدفاع وطرق تسهيل
الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها فهي مفوضة إلى اختيار الوالي
ومتصدي أمر الحكومة فإن الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته فله أن
يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه مما يتعلق بالحرب أو السلم مالية
أو غير مالية يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين كما قال تعالى
: ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على
الله ) ( 1 ) كل ذلك من الأمور العامة .
وهذه أحكام وقواعد جزئية تتغير بتغير المصالح والأسباب التي لا تزال يحدث منها شئ
ويزول منها شئ غير الأحكام الإلهية التي يشتمل عليها الكتاب والسنة ولا سبيل للنسخ
إليها ولبيانه التفصيلي محل آخر .

https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

 

شاهد أيضاً

المجتمع والأسرة والزواج على ضوء القرآن الكريم 9

من الذي يتقلد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته ؟ كانت ولاية أمر المجتمع الاسلامي ...