الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 8 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

8 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

الفصل السابع

يؤدِّيان صلاتي الظهر والعصر، وتقفز هدى مباشرة إلى المطبخ، فتهيأ طعام الغداء بسرعة قصوى، ثم يتناولان غداءهما، لكنّ علي ينتبه إلى أنّ هدى تلتهم الطعام وتزدرده كأنها في سباق دولي، يتعجب مما يشاهده ويستفسر منها عن السبب، وهل أنّ لديها موعداً قد فاتَ وقته، تبتسم هدى وتخبره بأنها في سباق مع الزمن، وهي لا ترغب أنْ تضيّع مِنْ يديها فرصة العمر، فهي تريد سماع المزيد من المعلومات اللطيفة التي عنده، خصوصاً أنّ ما وجدته مِنْ أمور لديه، تخالف تماماً ما يشيعه الوهابيون.

علي: وما الذي يشيعونه عنا؟

هدى: إنّ الشيعة مبتدعة وجهلة، لا يستندون إلى آية قرآنية أو سنة نبوية.

علي: وماذا وجدتي الآن؟

هدى: (تبتسم حياءً وخجلاً) لا أدري ماذا أقول يا عزيزي، فأنا لا أكاد أصدِّق ما أسمعه منك، لولا استدلالك بالقرآن والسنة الشريفة التي عندنا.

علي: اسمحي لي أنْ أسألك سؤالاً وأرجو أنْ تجيبيني عنه بصراحة؟

هدى: تفضل، وسوف أجيبك بصراحة إنْ شاء الله.

علي: حينما كنتِ تسأليني، هل كنتِ تتمنين أو تتوقعين بأني سأذكر لكِ أدلة قويّة وبراهين متينة؟

هدى: بصراحة في البداية، لم أكنْ أتوقع منك أبداً هذه الأجوبة القاطعة والواضحة، بل ظننتُ أنك ستتهرّب مِنَ الإجابة أو تراوغ أو تبدي عجزك.

علي: هذا في البداية.

هدى: (تضحك عالياً) لكني أصبحتُ الآن طالبةً للحقيقة وأتمنى معرفة الحق، ولا يهمني مع من سيكون.

علي: بارك الله فيكِ، هكذا يجب أنْ يكون المؤمن الذي يريد رضا الله.

هدى: والآن أخبرني، لماذا ترفع يديك قبل الركوع، وتدعو بأدعية مختلفة؟

علي: هذا العمل يُصطلح عليه بـ (القنوت)، وهو أمرٌ مستحبٌ عندنا في كلِّ صلاة بعد إتمام القراءة في الركعة الثانية وقبل الركوع.

هدى: وماذا عن أهل السنة؟

علي: اختلفوا في القنوت، هل هو مستحبٌ في كلِّ الصلوات أم في المفروضة فقط، وهل هو مستحبٌ في الجهرية أم لا، أم في الجهرية إذا نزلتْ نازلة بالمسلمين أم لا، وهل هو قبل الركوع أو بعده.

هدى: وهل كلّ هذا الاختلاف موجودٌ بين مذاهب أهل السنة؟

علي: نعم، فالأحناف قالوا بالقنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، وكذلك الحنابلة إلا أنهم قالوا فيه بعد الركوع لا قبله.

هدى: وأين أجد كلَّ ذلك؟

علي: راجعي اللباب بشرح الكتاب ج1 ص78، والمغني ج1 ص151 و155.

 وكذلك قال المالكية والشافعية: يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، والأفضل عند المالكية قبل الركوع، ويكره عند المالكية القنوت في غير صلاة الصبح.

هدى: وأين أجد هذا الذي ذكرته أخيراً؟

علي: تجدينه في الشرح الصغير ج1 ص33، ونصب الراية ج2 ص123.

هدى: ما شاء الله عليك، وهل هناك تفصيل آخر؟

علي: ويستحب عند الحنفية والشافعية والحنابلة في الصلوات المفروضات إذا نزلت بالمسلمين نازلة، وحصرها الحنابلة في صلاة الصبح والحنفية في الصلاة الجهرية، وقبل أنْ تطالبيني بمصدر ذلك أقول: راجعي فتح القدير للشوكاني ج1 ص39، وبداية الصنائع ج ص273.

هدى: سبحان الله، كنتُ أتصور بأنّ القنوت مِنْ مُختصّات الشيعة.

علي: لو رجعتِ إلى الكتب التي ألفت في المقارنة بين آراء المذاهب الخمسة في مختلف أبواب الفقه، لوجدتِ أنّ الشيعة ربما وافقوا الحنفية في مسألة أو الشافعية في أخرى أو الحنبلية أو المالكية في غيرها.

هدى: هذا شيءٌ جميلٌ جداً لم أكن أعلم به سابقاً، وهذا يدلُّ على أنّ الاختلاف ليس فقط بين الشيعة مِنْ جهة وبين أهل السنة مِنْ جهة أخرى.

علي: صحيح، فقد يختلف أصحابُ المذاهب من أهل السنة فيما بينهم في كثير من المسائل، وربما يتفق بعضهم مع الشيعة في مسائل أخرى.

هدى: ولكنك تستدل دائماً على صحّة عملكم، بينما تذكر الآن بأنّه في كثير مِنَ المسائل هناك مَنْ يوافقكم مِنْ مذاهب أهل السنة؟

علي: هذا صحيح، ففي أغلب المسائل يوجد مذهب من مذاهبكم يوافق الشيعة، ولكن لابدّ مِنَ البحث في كلِّ مسألةٍ لمعرفة الحق مع مَنْ مِنهم.

هدى: والآن أخبرني عن سنة النبي التي وردتْ في مصادرنا في موضوع القنوت.

علي: روى أحمد في مسنده ج1 ص301، عن ابن عباس قال: (قنتَ رسولُ الله ص شهراً متتابعاً، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح).

هدى: سبحان الله، ولكن ماذا عن غير ابن عباس؟

علي: روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج2 ص138، وقال عنه: رجاله موثوقون، والدارقطني في السنن ج2 ص37 حديث 4، وقال في الحاشية: الحديث صحيح، عن البراء بن عازب: (أنّ النبي ص كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنتَ فيها).

هدى: وهذا أوضح من حديث ابن عباس، في أنّ القنوت في كلِّ الصلوات.

علي: أحسنتِ، ومثله في الوضوح حديث ابن عباس الذي رواه الدارقطني في السنن ج2 ص41 حديث 20، قال: (ما زال رسول الله ص يقنتُ حتى فارق الدنيا).

هدى: صدقتَ يا عزيزي، فهو يُعطي نفس مفهوم حديث البراء وربما أوضح منه، لصراحته في قوله: (حتى فارق الدنيا).

علي: وروى الدارقطني ج2 ص40 حديث 14، عن أنس أنه قال: (قنتَ رسولُ الله ص وأبو بكر وعمر وعثمان …. حتى فارقتهم).

هدى: هذا الحديث يدلّ على استحبابه، وعلى التزام الصحابة به حتى بعد وفاته ص.

علي: صحيح، ومما يؤكد استحبابه ما ورد في صحيح مسلم عن النبي ص أنه قال: (أفضل الصلاة طول القنوت) وقال النووي في المجموع ج3 ص62: قال أبو إسحاق الزجاج: (المشهور في اللغة والاستعمال، أنّ القنوت هو العبادة والدعاء لله تعالى حال القنوت).

وكذلك مما يؤكد التزام الخلفاء الراشدين به، ما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد ج1 ص127، وابن حزم في المحلى ج4 ص146، وفي بداية الصنايع ج1 ص273، عن الشافعي: إنّ الخلفاء الأربعة قالوا بالقنوت، وكذلك أنس بن مالك والحسن البصري، وبه قال مالك والأوزاعي.

هدى: قلتَ بأنّ هناك اختلاف بين مذاهبنا في أنّ القنوت هل هو قبل الركوع أو بعده، فماذا عن الصحابة؟

علي: نقل الاختلاف بين الصحابة، ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وابن عمر.

هدى: وماذا نقلوا عنهم؟

علي: ذكر النووي في المجموع ج3 ص498، وبدايع الصنائع ج1 ص273، أنّ ابن عمر قال: كان بعض أصحاب النبي ص يقنت قبل الركوع وبعضهم بعده.

هدى: والشيعة يتبعون الصحابة الذين يقنتون قبل الركوع.

علي: الشيعة يتبعون أئمة أهل البيت ع، وأهل البيت أخذوا الأحكام عن جدِّهم ص.

هدى: ولماذا لا تأخذون إلا مِنْ أهل البيت؟

علي: لأن النبي ص أمر بذلك.

هدى: وأين أمركم بهذا؟

علي: ألم تسمعي حديث الثقلين: (إني تاركٌ فيكم الثقلين ….)؟

هدى: (مقاطعة إياه) (…. كتاب الله وسنتي).

علي: عفواً، إنما قصدتُ حديثَ الثقلين الذي يقول فيه النبي ص: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).

هدى: ولكن الحديث المشهور عندنا هو (كتاب الله وسنتي).

علي: حديث (وسنتي) لم يرد في كتب الصحاح عندكم، ولا في كتب المسانيد ولا السنن، أما حديث (وعترتي أهل بيتي) فقد ورد بطرق كثيرة جداً وصحيحة في مصادركم حتى بلغتْ حدَّ التواتر.

هدى: (يصيبها الذهول والاضطراب مِنْ سماع ذلك، وكأنها لا تصدِّق ما يقوله زوجها) فمن أين جاء حديث (كتاب الله وسنتي)؟

علي: حديث (وسنتي) رواه مالك في الموطأ مِنْ دون سندٍ، وإنما بلاغ.

هدى: اُنقلْ نص ما ذكره مالك.

علي: في الحديث رقم 1395 قال: (وحدثني عن مالك أنه بلغه أنّ رسول الله ص قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إنْ تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيكم).

هدى: ألم يروه غير مالك؟

علي: بلى، رواه غيره بأسانيد كلها ضعيفة.

هدى: اُذكرْها أو اذكر نموذجاً منها.

علي: أولاً: رواه الحاكم في المستدرك حديث رقم 318، وسبب ضعفه (إسماعيل بن أبي أويس) الذي أجمعوا على ضعفه.

هدى: ومَنْ الذي ضعَّفه مِنْ علمائنا؟

علي: ذكر البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص289، عن ابن معين: أنه مخلطٌ يكذب وليس بشيء، وعن النسائي حيث بالغ في الكلام عليه بما يؤدّي لِتركه، وعن ابن يحيى أنه ضعيف، وعن ابن حبان: لا يُحتجّ بخبره.

هدى: وهل هناك طريق آخر لحديث (وسنتي)؟

علي: نعم، ثانياً: رواه الحاكم أيضاً في الحديث رقم 319، وسببُ ضعفه وجود (صالح بن موسى الطلحي) في سنده.

هدى: وماذا قالوا في صالح هذا؟

علي: قال الشوكاني في نيل الأوطار ج3 ص87: متروك، وقال ابن ماجة في سننه ج2 ص1408: ضعيف، وقال البخاري في التاريخ الصغير ج2 ص182: مُنكر الحديث.

هدى: وهل يوجد طريق ثالث لهذا الحديث؟

علي: نعم، ثالثاً: رواه ابن عبد البر في التمهيد ج1 ص525 حديث 824، ورواه في فتح المالك بتبويب التمهيد ج9 ص283 حديث 682.

هدى: وما سببُ ضعفه؟

علي: وجود (كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف) في سنده، حيث ضعَّفه العلماء.

هدى: مِثلُ مَنْ؟

علي: كالهيثمي في مجمع الزوائد من ج1 إلى ج6، حيث قال عنه: (ضعيف) (متروك) (أجمعوا على ضعفه) (يضع الحديث) (ضعيف جداً).

هدى: وهل ضعّفه غير الهيثمي؟

علي: نعم، كابن الجوزي في الموضوعات ج1 وفيه: قال ابن حنبل: مُنكر الحديث ليس بشيء يضع الحديث، وقال يحيى: لا نكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الشافعي: هو ركنٌ مِنْ أركان الكذب.

هدى: هذا يكفي في ضعفه، ولكن هل هناك طريق آخر للحديث؟

علي: كلا، فهذا كلُّ ما رووه في حديث (وسنتي).

هدى: ولكني أتذكر أنه قد مرّ عليّ في كتب الوهابية، نقلاً عن صحيح مسلم.

علي: صحيح، فالعلامة الغنيمان في كتابه (السبائك الذهبية بشرح العقيدة الواسطية) ص463، روى الحديث نقلاً عن صحيح مسلم الذي يروي عن زيد بن أرقم هكذا: (يوشك أنْ يأتيني رسولُ ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين: كتاب الله وسنتي واحفظوني في أهل بيتي).

هدى: (تقطب جبينها غضباً، وتنظر لزوجها شزراً) ألم أقلْ لك بأنه يوجد طريقٌ آخر صحيح؟ ثم أتعلم مَنْ هو الغنيمان؟ إنه رئيس قِسم الدراسات العُليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

علي: أعرف ذلك.

هدى: فلماذا لم تذكر لي هذا الحديث الذي يرويه مسلم بعبارة (وسنتي)؟

علي: أولاً: هدِّئي مِنْ روعكِ، ثانياً: أرجو أنْ لا يصدمكِ كلامي الذي سأقوله لكِ.

هدى: لن يصدمني كلامك، لكنْ كان المفروض أنْ تنقله لي منذ البداية.

علي: إنْ شاء الله لا يصدمكِ ما سأقوله لكِ، وهو أنه لا يوجد مثل هذا الحديث الذي نقله الغنيمان في صحيح مسلم أبداً.

هدى: (ينزل كلام زوجها على مسامعها مثل الصاعقة) ماذا تقول؟

علي: هو كما سمعتي يا عزيزتي، لا يوجد هذا الحديث في صحيح مسلم.

هدى: وكيف يرويه مسلم؟

علي: يروي مسلم في صحيحه ج7 ص123 طبع دار الفكر بيروت، كتاب فضائل الصحابة عن زيد بن أرقم: (ألا أيها الناس، فإنما أنا بشرٌ يوشكُ أنْ يأتي عليّ رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب ربكم واستمسكوا به – فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: ــ وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي).

هدى: (يُخيّم عليها صمتٌ رهيب، ويعرق بدنها وتصيبها قشعريرة) فأين (وسنتي)؟

علي: (يصيبه القلق مِنْ سوء حالة هدى) ما بالك يا عزيزتي، هل أصابك سوء؟

هدى: كلا، ولكن الصدمة النفسية التي أصابتني كبيرة جداً.

علي: دفع الله عنكِ كلَّ مكروه، ولكن لماذا؟

هدى: لأنّ كبير علماء الوهابية يكذبُ على رسول الله ص بهذه الوقاحة والصلافة !!! رغم أنّ النبي ص قد قال: (مَنْ كذب عليّ فليتبوّأ مقعدَهُ مِنَ النار).

علي: لو جمعنا أكاذيبهم وتحريفاتهم للأحاديث، لاحتجنا لتأليف كتابٍ ضخمٍ.

هدى: ولكني أواجه هذه الحقيقة لأول مرة، وأتصور أنني أحتاج لمثل هذا البحث، حتى تخرج آخر قطرات حبِّهم واحترامهم مِنْ قلبي نهائياً.

علي: كما تحبِّين.

هدى: ولكن ليس الآن، لِنكمل بحثنا في حديث الثقلين الصحيح.

علي: حباً وكرامة، فقد ورد عنه ص أنه قال: (إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وقد رواه كثيرون.

هدى: اُذكر بعضهم ليطمئنّ قلبي.

علي: رواه الترمذي في سننه ج5 ص328، والدارمي في سننه ج2 ص432، وابن سعد في الطبقات الكبرى ج4 ص8، وابن كثير في تفسيره ج4 ص113، والبغوي في مصابيح السنة ج4 ص185 و190، وابن حنبل في مسنده ج4 ص366، وج5 ص181، وابن الأثير في جامع الأصول ج1 ص187، والطبراني في المعجم الكبير ج5 ص186، وابن الأثير في أسد الغابة ج1 ص490.

هدى: الله أكبر، كلُّ هؤلاء رووه ونحن لا ندري، ولكنّ المهم هو تصحيحه، فهل صحّحه أحدٌ مِنْ علمائنا؟

علي: أشهر مَنْ صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة ج4 ص355 حديث 1761، وكذلك صحّحه في صحيح الجامع الصغير ج2 ص217 حديث 2454.

هدى: عجيب، فالألباني مِنْ كبار علماء الوهابية، وهم يعتمدون على تصحيحاته، لأنه مُتشدِّدٌ جداً خصوصاً مع فضائل أهل البيت.

علي: هذا صحيح، ولكنه في حديث الثقلين صحّح طرقه، بل إنه ردّ على مَنْ ضعّف حديثَ الثقلين بشدّة.

هدى: وماذا قال بالنص؟

علي: بعد أنْ خرّج طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة وذكر بعض شواهده وحسنها، وَصَـفَ مَنْ ضعّفه: (إنه حديثُ عهدٍ بصناعة الحديث، وإنه قصّر تقصيراً فاحشاً في تحقيق الكلام عليه، إنه فاته كثيرٌ مِنْ الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة، فضلاً عن الشواهد والمتابعات، وإنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث مِنَ العلماء، إذ اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها، فوقع في هذا الخطأ الفادح في تضعيف الحديث الصحيح).

هدى: هذه الشهادة وحدها كافية ووافية، ولكن اُذكر لي مَنْ صحّحه غير الألباني.

علي: صحّحه ابن حجر في الصواعق المحرقة ص145 قال: (ثم صحّ أنه قال: إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم ….) وقال ص228: (وفي رواية صحيحة، كأني دُعيتُ …. إني قد تركتُ فيكم الثقلين …. – ثم قال: – ولهذا الحديث طرقٌ كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً).

هدى: وهذا يدلّ على تواتر هذا الحديث.

علي: صدقتِ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص170: (رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات)، وقال في ج9 ص162: (رجاله موثوقون)، ورواه أبو يعلى بسندٍ لا بأس به …. وقال: (وَهَمَ مَنْ زعم وضعه كابن الجوزي)، وقال في ج9 ص256: (رواه أحمد وإسناده جيد)، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج5 ص113: (قال شيخنا الذهبي: هذا حديث صحيح)، وفي تفسير ابن كثير ج4 ص122 قال: (وقد ثبت في الصحيح ….الخ).

هدى: ذكرتَ قبل قليل عن ابن حجر أنه قد رواه أكثر مِنْ عشرين صحابياً، فهل صرّح غيره بمثل ذلك؟

علي: نعم، فقد ذكر المناوي في فيض القدير ج3 ص14، بأنه قد نقل هذا الحديث أكثر من عشرين صحابياً.

هدى: سبحان الله، ما كنتُ أتصور صِحّته، فإذا به يُصبح متواتراً، ثم قلْ لي رجاءً: مَنْ هُمُ المقصودون بعترتي أهل بيتي؟

علي: ذكر المناوي في فيض القدير ج3 ص14 في شرح كلمة (العترة): (وهُمْ أصحابُ الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).

هدى: ومِنْ هُم أصحاب الكساء؟

علي: روى مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل بيت النبي ص، ج7 ص130 طبع دار الفكر بيروت، عن عائشة أنها قالت: (خرج النبي ص غداة وعليه مَرطٌ مُرحّلٌ مِنْ شعر أسود [وهو الكساء] فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌ فأدخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

هدى: (تهزّ رأسها متعجبة) كم أنا جاهلة بالسنة النبوية، والآن بعد أنْ عرفتُ صحّة حديث الثقلين، فما هو معناه؟ لأنّ مفهومه الظاهري غريب.

علي: أعتقد بأنّ معناه واضحٌ جداً، فقد أمرهم بالتمسّكِ بهم لكي لا يضلوا.

هدى: ولكن كيف نتمسّـك بهم؟

علي: كيف تتمسكين بالقرآن؟

هدى: نطيع أوامره طاعة مطلقة، وننتهي عن نواهيه ونتبعها مائة في المائة.

علي: وكذلك التمسك بأهل البيت ع، وذلك بأنْ نطيع أوامرهم طاعة مطلقة، وننتهي عما نهوا عنه ونتبعها مائة في المائة.

هدى: ولكن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما الدليل على الطاعة المطلقة لأهل البيت؟

علي: نفس حديث الثقلين دليلٌ مهمٌ على طاعتهم المطلقة، وهو صحيحٌ بل متواتر.

هدى: وضِّحْ لي الأمر أكثر.

علي: أولاً: لقد أمرنا النبي ص أنْ نتمسّك بالقرآن وبأهل البيت معاً.

هدى: هذا صحيح.

علي: وقد علمنا معنى التمسك بالقرآن وهو الطاعة المطلقة لأوامره ونواهيه، وقد صدر أمرُ التمسّك بنفس اللفظ بالنسبة لأهل البيت ع في نفس الحديث.

هدى: صحيح، لأنه قال: (ما إن تمسكتم بهما).

علي: وكذلك بيّن النبي ص في نفس هذا الحديث، بأنّ مَنْ تمسّك بالقرآن والعترة أهل البيت لا يضلُّ أبدا.

هدى: وهذا صحيح أيضاً.

علي: فالنتيجة هي أنه يجب طاعة أوامرهم والانتهاء عن نواهيهم بشكل تام، وهذا الأمر النبويّ لم يَرِدْ في حقِّ غيرهم.

هدى: كلامك هذا صحيحٌ لو بقينا مع هذا الحديث فقط، ولكنْ هناك حديثٌ نبويٌ مشهور وربما متواتر أيضاً، يقول: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، فلا ينحصر أخذ الأوامر والنواهي عن طريق أهل البيت فقط.

علي: نعم لو صَـحَّ هذا الحديث.

هدى: ماذا تقصد؟

علي: لقد اتفقتْ كلمةُ علمائِكم على عدم صحّة هذا الحديث.

هدى: ماذا تقول؟ ولكنّ الذي أعلمُهُ، هو عكس ما تقوله تماماً.

 علي: كيف؟

هدى: لأنه ما مِنْ خطيبٍ ولا أستاذٍ ولا مُدرِّسٍ ولا شيخ ولا فضائيةٍ إلا ويستشهدون بهذا الحديث في خُطبهم ومُحاضراتِهم وكتبهم.

علي: ولكنْ ماذا أفعلُ أنا إذا كان جميعُ علمائِكم المعروفين بالعلم والتحقيق، يحكمون بضعفه وعدم صِحَّتِهِ.

هدى: أمرٌ في غاية الغرابة، تفضّل رجاءً واذكر أسماء العلماء الذين حكموا بضعفه.

علي: لقد ضعّفه كـُلٌّ مِنْ:

  • أحمد بن حنبل: راجعي التيسير في شرح التحرير ج3 ص243.

  • الذهبي في ميزان الاعتدال ج1 ص413.

  • ابن قيم الجوزية: راجعي أعلام الموقعين ج2 ص223.

  • ابن الجوزي في العلل المتناهية: راجعي فيض القدير ج4 ص76.

  • ابن تيمية في المنتقى ص551.

  • السخاوي في المقاصد الحسنة ص26 – 27.

  • المتقي في كنز العمال ج6 ص133.

  • السيوطي في الجامع الصغير ج4 ص76. فهل تريدين المزيد؟

هدى: (يصيبها الدوار مِنْ سَماع أسماء هؤلاء العلماء) كلا فهؤلاء يكفون في الشهادة بعدم اعتباره، والآن سوف أعطيكم الحقّ في أخذكم سنة النبي ص مِنْ أهل بيتِ نبيّهِ دون غيرهم، ولكنْ رغم ذلك، كنتُ أحبّ أنْ أسمع رأي علمائِنا في معنى الأخذ بأهل البيت أو التمسك بهم.

علي: لقد قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ج11 ص307 طبع دار الكتب العلمية: (والمُراد بالأخذ بهم، التمسّك بمحبّتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل بروايتهم، والاعتماد على مقالتهم…)، وكذلك قال المناوي مثل هذا الكلام تماماً في فيض القدير ج3 ص20 طبع دار الكتب العلمية.

هدى: ما شاء الله، والآن اطمأنتْ نفسي بذلك.

علي: الحمد لله ربِّ العالمين على نِعَمِهِ التي لا تُعدّ ولا تُحصى.

هدى: والآن لِنعُدْ إلى موضوع الصلاة.

علي: لقد أظلمتْ الدنيا يا هدى، وعلينا التهيؤ للصلاة.

هدى: لا إله إلا الله، كم يسير الوقت بسرعة.

علي: حينما ينشغل الإنسان بأمر مهم، يشعرُ كأنّ الوقت يركض.

هدى: صحيح، فكلما خُضنا في حديثٍ يمرّ الوقت مسرعاً دون أن نشعر.


 

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...