الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 13 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

13 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

الفصل الثاني عشر

بعد أداء صلاتي الظهر والعصر تناولا طعام الغداء، ثم شربا الشاي وإذا بهدى تفاجئ زوجها قائلة: أتصور يا عزيزي بأن هناك مسألة لو حُلّتْ لأصبحتْ باقي المسائل محلولة أيضاً.

علي: وما هي يا عزيزتي، لكي نحلّها بسرعة الضوء وننتهي منها.

هدى: (تضحك بشدّة، ولمّا هدأتْ) أنا جادّة في قولي ولستُ هازلة.

علي: وكذلك أنا، اطرحيها مِنْ فضلكِ.

هدى: مسألة الخلافة بعد النبي ص.

علي: صدقتِ فهي أمّ المسائل.

هدى: أريد دليلاً واضحاً جليّاً على ما تقولون، وأتمنى أنْ تذكرَ أهمّ دليلٍ لديكم.

علي: أهمُّ دليلٍ على خلافة الإمام علي ع هو حديث الغدير.

هدى: أتذكـّرُ بأنك قد ذكرتَ لي هذا الحديث فيما سبق، ولكن أعِدْ عليّ نصّه رجاءً.

علي: قوله ص: (مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه).

هدى: (بعد تفكر وتدبّر عميق) لا أجدُ فيه شيءٌ يدلّ على ذلك.

علي: (يبتسم ابتسامة عريضة) ما هكذا توردُ يا سعدُ الإبل، فهذا هو عنوان الخبر، وأما التفاصيل فتأتيكِ في النشرة الأخبارية المفصّلة.

هدى: (تضحك مِنْ هذا التشبيه) اُدخلْ إذن على بركة الله في التفاصيل.

علي: في السنة العاشرة من الهجرة، حجّ النبي ص حجة الوداع، والتحق به ص آلاف المسلمين، لكي يحجّوا معه ويتعلموا مناسك حجّهم منه، ثم بعد إكمال الحج قفل راجعاً مع حشودٍ كبيرة من المسلمين بلغت 120 ألف نسمة، وقبل أنْ يتفرَّقَ الناس جمعهم النبي ص في منطقة يقال لها غدير خم، وخطب فيهم خطبة طويلة، وأخبرهم فيها بأنه سيرحلُ قريباً عنهم، وكان الحرُّ شديداً جداً، ومما ورد في هذه الخطبة قوله ص بعد أنْ أخذ بيدِ علي بن أبي طالب ع ورفعها فقال: (مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).

هدى: قلتَ بأنّ عددهم بلغ 120 ألف نسمة، فلابدّ أنْ يصلنا الحديث بشكل متواتر.

علي: أخبرتُكِ سابقاً بأنه قد رواه أكثر من 110 صحابي.

هدى: وهل كان كلامك السابق هذا عن حديث الغدير؟

علي: نعم كان الكلام عنه، وقد أخبرتكِ في حينها بأنّ هناك ثلاثة طرق لإثبات تواتره، منها اعتراف علمائكم بتواتره، أو ذِكره في كتبٍ ألفتْ للأحاديث المتواترة.

هدى: صدقتَ، تذكرتُ الآن أنك ذكرتَ مَنْ أقرّ مِنْ علمائنا بتواتره، ولكنّ السؤال المهم الآن بعد ثبوت تواتره سندياً، ما هو معناه في نظر علمائِنا؟

علي: قال علماؤكم بأنّ النبي ص أراد أنْ يُخبر الناسَ بأنْ يُحبّوا علياً.

هدى: وماذا تقولون أنتم؟

علي: نقول بأنّ النبي ص أراد أنْ يُعلن قرب وفاته عن ولي الأمر مِنْ بعده، وأنه علي بن أبي طالب، كما كان النبي ص وليّ الأمر في حياته، وهي طريقة كلّ العقلاء مِنَ الحُكام عند اقتراب آجالهم، ينصبون وصياً وولياً للعهد مِنْ بعدهم.

هدى: وما هو دليلكم على هذا التفسير؟

علي: لقد ذكر النبي ص جملة قبل هذا الحديث، وهي عبارة عن سؤال سأل المسلمين، وهي التي تُعَيِّنُ المعنى المراد من قوله ص: (فعلي مولاه).

هدى: أتقصد أنه بهذا السؤال الذي سأله النبي ص للمسلمين، سيتعيّن معنى ولاية الأمر لعلي بن أبي طالب، وليس المحبة؟

علي: نعم، أقصد ذلك بالضبط.

هدى: اُذكر لي الجملة السابقة أو السؤال، لنرى دقة وصحّة ما تقول.

علي: لقد خاطب النبي ص في البداية جموع المسلمين قائلاً: (ألستُ أولى بالمؤمنين مِنْ أنفسهم)، قالوا: بلى، ثم قال ص بعدها مباشرة: (مَنْ كنتُ مولاه فعلي مولاه).

هدى: ولكن كيف دلتْ جملة (ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم) على تعيّن المعنى الذي فسرتموه به دون غيره من المعاني؟

علي: لأن النبي ص بسؤاله ذاك يريد أن يذكر المسلمين بالآية 6 من سورة الأحزاب، ويأخذ إقرارهم على ذلك.

هدى: اُتلو عليّ هذه الآية رجاءً.

علي: هي قوله تعالى: (النبيُّ أولى بالمؤمنين مِنْ أنفسهم).

هدى: وما هو معناها؟

علي: معناها: بأنّ النبي ص أولى مِنْ كلّ مؤمنٍ بنفسه، فيحقُّ له ص أنْ يحكم في نفوسهم بما يشاء، وعليهم أنْ يطيعوه في كل تلك الأحكام والأوامر طاعة مطلقة.

هدى: لنفرض أنّ معنى الآية كما تفضلتَ، فما هي النتيجة؟

علي: النتيجة قوله ص: كما كنتُ أولى بكم مِنْ أنفسكم، فعليٌ أولى بكم مِنْ أنفسكم.

هدى: لو كان معنى الآية كما فسرتها، فكلامكم سيكون صحيحاً، ولكنْ مَنْ قال بأنّ مفسرينا فسّروها بنفس هذا التفسير؟

علي: لنرجع إلى مفسري أهل السنة لنرى تفسيرهم للآية.

هدى: حسناً تفضل واذكر آراءهم في معناها.

علي: قال الطبري في تفسيره ج19 ص14 – 15: (يقول تعالى ذكره: ” أولى بالمؤمنين ” أحقُّ بالمؤمنين به (أي النبي محمد) من أنفسهم أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم).

وقال البغوي في تفسيره ج3 ص532 طبع دار طيبة طبعة ثالثة سنة 1431 هـ: (قوله عزّ وجلّ: ” النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ” يعني من بعضهم في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني، إذا دعاهم النبي ص ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعة النبي ص أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم. وقال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم، كما أنت أولى بعبدِكَ فيما قضيتَ عليه).

هدى: عجيب، أحقاً هكذا فسّروا الآية؟!

علي: نعم، وقال ابن كثير في تفسيره ج11 ص118 طبع دار عالم الكتاب: (قد علم الله شفقة رسوله على أمته ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مقدّماً على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتْ ويسلموا تسليما).

هدى: سبحان الله، فابن كثير تلميذ ابن تيمية، وكلاهما شديدا التعصب ضد الشيعة.

علي: هذه ثلاثة شهادات لمفسرين كبار من علمائِكم، فهل تريدين المزيد؟

هدى: أكملها إلى أربعة شهادات، لكي يطمئنّ قلبي.

علي: أنا طوع أمر سيدتي، فقد قال ابن قيم الجوزية في (الرسالة التبوكية) ص31 – 32 طبع دار عالم الفوائد: (قال تعالى: ” النبي أولى بالمؤمنين ” وهذا دليلٌ على أنّ مَنْ لم يكن الرسول أولى به مِنْ نفسه، فليس مِنَ المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أمور: أولاً: أنْ يكون رسول الله أحبُّ إليه من نفسه، ثانيا: ويلزم مِنْ هذه الأولوية والمحبة، كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، مِنَ الرضى بحكمه والتسليم لأمره وإيثاره على كلّ مَنْ سواه، ومنها أنْ لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلاً، بل الحكم على نفسه للرسول).

هدى: هذا يكفي، ولكن …

علي: ولكن ماذا؟

هدى: يوجد نقص في استدلالك، فمتى أكملتَ هذا النقص يكون استدلالك كاملاً.

علي: وأين النقص؟

هدى: في بداية حديثك عن خطبة النبي ص يوم الغدير بعد إكماله لحجة الوداع، قلتَ بأن النبي ص سألهم في البداية: (ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسكم؟) قالوا: بلى، فقال ص: (من كنتُ مولاه فعليٌ مولاه) أليس كذلك؟

علي: نعم هو كذلك.

هدى: ولكنك لم تذكر دليلاً واحداً يسند كلامك هذا.

علي: وماذا تقصدين؟

هدى: أقصد بأنك لم تذكر حديثاً واحداً مُعتمداً عندنا في مصادرنا، يقول بأنّ النبي ص ابتدأ أولاً بسؤالهم: (ألستُ أولى بكم مِنْ أنفسكم)، ثم أردف كلامه بعد إقرارهم مباشره بقوله: (من كنتُ مولاه فعليٌ مولاه).

علي: أحسنتِ على ذكائكِ ودقة انتباهكِ وقوة ملاحظاتكِ، فقد غفلتُ عن ذكر الأحاديث ومصادرها.

هدى: (يسرّها مدح زوجها لها) وأحسنتَ أنتَ على طريقتِك المُثلى في الاستدلال.

علي: أخرج أحمد في مسنده ج32 ص55 حديث 19302: (جمع عليٌ رضي الله عنه الناس في الرحبة [أيام خلافته] ثم قال لهم: أنشدُ الله كلّ امرءٍ مسلمٍ سمع رسولَ الله يوم غدير خم ما سمع، لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناسٌ كثير فشهدوا حين أخذ [أي رسول الله] بيده [أي بيد علي] فقال للناس: (أتعلمون أني أولى بالمؤمنين مِنْ أنفسهم؟) قالوا: نعم يا رسول الله، قال: (من كنتُ مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه) قال: فخرجتُ وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيتُ زيد بن أرقم، فقلتُ له: إني سمعتُ علياً يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قال: سمعتُ رسول الله ص يقول ذلك له) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.

هدى: سبحان الله .. سبحان الله، كم سمعتُ مِنْ أساتذتي الوهابيين يقولون: لو كان عليٌ هو الخليفة بعد رسول الله ص، لوضّحَ للناس ذلك أيام خلافته، وزعموا بأنّ علياً لم يفعل ذلك أبداً، بينما رويتَ لي الآن عن ابن حنبل بأنّ علياً ناشد الناس كي يشهدوا بسماعهم مِنَ النبي ص ذلك.

علي: وهذا دليلٌ على أحد أمرين: إمّا جهلهم بالسنة النبوية، أو هو دليلٌ على كذبهم، إنْ كانوا مطـَّلِعين على أمثال هذا الحديث، ولكنهم يكتمونه.

هدى: وفي الحديث معنى جميل استنتجته الآن، وهو: لو كان حديث الغدير يدلُّ على المحبة فقط، لما كان هناك معنى لتشكيك الراوي فيه، حتى يسأل زيد بن أرقم عن صحّـتِهِ، لأنّ حُبَّ أهل بيت النبي مطلوبٌ ومأمور به في القرآن والسنة النبوية، بل إنّ حُبّ كلِّ مؤمنٍ لأخيه ثابتٌ في الإسلام.

علي: إنها ملاحظة مهمة وقيّمة جداً، وقد لا يلتفت إليها القارئ العادي، بل قد تخفى حتى على الباحث المدقِّق أيضاً.

هدى: (يسرُّها مدحه لها) وهل هناك مَنْ روى هذا الحديث غير ابن حنبل؟

علي: أخرج ابن أبي عاصم في (السنة) ج2 ص911 حديث 1403، عن زيد بن أرقم قال: (خرج علينا رسول الله ص فقال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، فقال: مَنْ كنتُ مولاه فعليٌ مولاه، وقال الدكتور باسم بن فيصل: حديث صحيح.

هدى: إنْ كان هناك مَنْ روى هذا الحديث هكذا مثلما رواه ابن حنبل وابن أبي عاصم، فأرجو منك ذكره دون الحاجة لِذِكر التفاصيل.

علي: كما ترغبين يا عزيزتي، فقد رواه الألباني في السلسلة الصحيحة ج4 ص331، وابن كثير في البداية والنهاية ج7 ص676، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ج2 ص173 – 174 حديث 553.

هدى: ما شاء الله .. ولكنْ إذا كان النبي ص قد ذكر هذه المقدمة التي تـُعيِّن معناه بولاية الأمر، فكيف فسَّرها علماؤنا بالمحبة؟

علي: سمعتُ بعضهم يقول: لا عِلاقة للسؤال الأول الذي ذكره النبي ص والذي يشير فيه للآية 6 من الأحزاب (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، لا علاقة له بما بعده من قوله ص: (مَنْ كنتُ مولاه فعليٌ مولاه).

هدى: فلماذا إذن تقدَّمَ رسولُ الله ص إليهم بسؤالهم: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ ثم لمّا أجابوا بنعم، قال: مَنْ كنتُ مولاه فعلي مولاه؟

علي: هكذا زعم بعضهم حينما استدللنا عليه بتلك الأحاديث وبتفسير الآية 6 من سورة الأحزاب مِنْ مُفسّري أهل السنة، قال: إنّ المقدمة غير مرتبطة بالمؤخرة.

هدى: ولكنْ هذا اتـِّهامٌ مُبَطـَّنٌ لِرسول الله ص بأنه يتكلم بكلام اعتباطيٌّ، وزائدٌ عن الحاجة، وغير مرتبط بعضه ببعض.

علي: أحسنتِ والله يا عزيزتي على ملاحظاتكِ القيّمة جداً.

هدى: وأحسنَ الله إليك، يكفي هذا المقدار مِنَ الحوار، ونعود له بعد الصلاة.

علي: بوركَ فيكِ، فاهتمام المؤمن بصلاته ينبغي أنْ يتقدّم على كلِّ ما عداها.

شاهد أيضاً

صلاة ليالة 10 من شهر رمضان المبارك