الرئيسية / القرآن الكريم / آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 15

آيات الأحكام للعلامة السيد الأسترآبادي 15

« الْمُدَّثِّرُ : وثِيابَكَ فَطَهِّرْ » .
المتبادر الذي ذهب إليه الأكثر : تطهير الثياب من النجاسات ، مؤيّدا بأنّ الكفّار لم يكونوا يتطهّرون منها ، ويجب بالماء لأنّه المفهوم عرفا ، أما اعتبار العصر والورود والعدد ، فبدليل من إجماع أو خبر ، وتحقيقه في موضعه ، وإن أريد تقصير الثياب كما قيل ونقل عن الصادق عليه السّلام أيضا ، فيمكن فهم الطهارة أيضا لأنّها
المقصود كما علَّل القائل به ، وفي الرواية ( 1 )
تشمير الثياب طهور لها ، قال اللَّه تعالى « وثِيابَكَ فَطَهِّرْ » أي فشمّر .
ويحتمل أن يكون المراد التنظيف الذي هو التطهير لغة ، فان النظافة مطلوبة للشارع بإزالة الوسخ ونحوه أيضا ، ففهم وجوب الطهارة الشرعية محلّ تأمّل ، ولكن ظاهر الأمر الوجوب ، ووجوب غير الشرعية غير معلوم ، بل قيل معلوم عدمه ، ولهذا على تقدير الحمل على الشرعيّ خصّ بالتطهير للصلاة فتأمل .
وفي اللباب ( 2 )
وقيل : فطهّر عن أن يكون مغصوبة أو محرمة ، وقيل : المراد نفسك فطهّر من الرذائل ، يقال : فلان طاهر الثياب ، طاهر الجيب ، أو نقيّة ، ومنه قول عنترة « وشككت بالرّمح الأصمّ ثيابه ( 3 )
» كنى عنه بما يشتمل عليه .
قيل وسئل ابن عبّاس عن قوله : « وثِيابَكَ فَطَهِّرْ » فقال : لا تلبسها على معصية ولا غدر ، أما سمعت قول غيلان بن سلم الثقفيّ :
وإنّى بحمد اللَّه لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدرة أتقنّع
« والرُّجْزَ فَاهْجُرْ » أي خصّ الرجز بلزوم الهجران ، والحصر إضافيّ أو التقديم لغيره ، وقرئ الرّجز بالضم أيضا فقيل : هو – بهما – الصنم ، والمراد الثبات على عدم عبادته ، وعدم تعظيمه فإنّه صلَّى اللَّه عليه وآله كان بريئا منه وقيل : هو – بهما – العذاب والمراد اجتناب موجبه من الشرك وعبادة الأصنام ، وغيره من المعاصي مطلقا ، وقيل بالكسر العذاب ، وبالضمّ الصنم ، وفي القاموس الرجز بالضمّ والكسر القذر ، وعبادة
الأوثان ، والعذاب ، والشرك فلا يبعد كونه بمعنى القذر كما وقع في بعض استدلالات الأصحاب ، واحتمله جماعة ، وهو مناسب لتكبير الصلاة وتطهير الثياب ، قيل : فيكون تأكيدا لقوله : « وثِيابَكَ فَطَهِّرْ » وتفسيرا وهو محتمل ، والتأسيس خير ، واختصاصه بطهارة البدن ممكن ، وكذا التعميم بعد التخصيص وغير ذلك فتأمل .
البقرة : « وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » .
أي اختبره ربّه بأوامر ونواه ، واختبار اللَّه عبده مجاز عن تمكينه من اختياره ما يريد اللَّه ومشتهى نفسه ، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتّى يجازيه على حسب ذلك وعن ابن عباس رفع إبراهيم ونصب ربّه ، والمعنى أنّه دعاه بكلمات من الدعاء شبه المختبر يجيبه إليهنّ أولا ؟
والمستكن في « فَأَتَمَّهُنَّ » على الأولى لإبراهيم أي فقام بهنّ حقّ القيام وأدّاهنّ أحسن التأدية ، وعلى الأخرى للَّه أي فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا ويعضده ما روي عن مقاتل أنّه فسّر الكلمات بما سأل إبراهيم ربّه في قوله « رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ، واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ، وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا ، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا » .
والفاء للتعقيب وعامل « إذ » أمّا « قال » فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها وإمّا مضمر نحو واذكر كما هو المشهور ، أو وإذ ابتلاه كان كيت ، فموقع قال استيناف ، كأنّه قيل فما ذا قال ربّه حين أتمّ الكلمات ؟ فقيل : قال إلخ ويجوز أن يكون بيانا لقوله : ابتلى ، وتفسيرا له .
ففي الكشاف والبيضاوي فيراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة ، وتطهير البيت ورفع قواعده ، والإسلام قبل ذلك في قوله : « إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ » وفيه نظر ، وقيل هي السنن الحنيفية العشر ( 1 )
: خمس في الرأس : الفرق ، وقصّ الشارب ، والسواك ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وخمس في البدن : الختان ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ونتف الإبطين ، والاستنجاء بالماء .
وقيل هي الخصال الثلاثون المحمودة المذكورة : عشرة منها في براءة « التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ » وعشر في الأحزاب « إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِماتِ » وعشر في كلّ من المؤمنين وسأل سائل إلى قوله « والَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ » .
وقيل هي مناسك الحجّ ، وقيل ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة .
و « لِلنَّاسِ » إمّا متعلق بجعل أو بإماما لما فيه من معنى الفعل ، فلا يحتاج إلى تقدير ما يكون به حالا عنه ، والإمام اسم من يؤتمّ به كالإزار لما يؤتزر به أي يأتمّون بك في دينهم ، وفي الكشاف والبيضاوي : « ومِنْ ذُرِّيَّتِي » عطف على الكاف ، كأنّه قال : وجاعل بعض ذرّيّتي ، وكأنه على الادّعاء بطريق الدعاء ، أو على مسامحة ومبالغة منهما ( 1 )
.
« لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » وقرئ الظالمون ، والمعنى متقارب ، فان النيل الإدراك والوصول ، فكلَّما نالك فقد نلته ، ولكن قراءة الأكثر أحسن وأليق ، ومقتضى العرف واللَّغة كظاهر المفسّرين أنّ العهد هنا هو التقدم إلى المرء في الشيء ، أي تفويض أمر إليه وتوليته إياه إلَّا أنّ ظاهر الكشّاف تخصيصه هنا بالوصيّة بالإمامة بقرينة السؤال ، وفي إيجابه ذلك نظر ، فان العموم لا ينافيه ، بل ربما كان العموم معه أبلغ كما يلائمه كلام القاضي .
وما يقال من أنّ كون العهد هنا هو الإمامة مرويّ عن أبى جعفر وأبي عبد اللَّه عليهما السلام فلعلَّه على وجه لا ينافي ما قلناه ، فان صحّ في الخصوص فهو المتبع ، فإنهما أعلم بكلام اللَّه ، ومراده سبحانه .
ثمّ اعلم أنّ المرويّ أنّ من الأنبياء من كان مبعوثا إلى قبيلة ، ومنهم من كان مبعوثا إلى أهل بيته وخدمه ، ومنهم من اختصّ ذلك بنفسه ، وإنّما كان عليه أن يعمل بما يوحى أو يلهم دون غيره ، والظاهر شمول العهد للكلّ كما هو ظاهر القاضي حيث استفاد الدلالة على عصمة الأنبياء جميعا قبل البعثة .
إما الإمامة فالظاهر أنّه لا يتحقق إلَّا أن يكون الغير مأمورا بالايتمام به ، ومن هنا جاء « أنّ مرتبة الإمامة أجلّ من مرتبة النبوّة إنّ اللَّه سبحانه ابتلى إبراهيم بعد نبوّته للإمامة ، ثمّ منّ عليه بها » .
إذا عرفت ذلك ففي البيضاوي أنّ قوله سبحانه : « لا يَنالُ » إلخ إجابة إلى ملتمسه وتنبيه على أنّه قد يكون من ذرّيته ظلمة ، وأنهم لا ينالون الإمامة ، لأنّها أمانة من اللَّه وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وإنّما ينالها البررة الأتقياء منهم ، وفيه دليل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة ، وأنّ الفاسق لا يصلح للإمامة انتهى .

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...