الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

تدوين السنة الشريفة
بدايته المبكرة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ومصيره في عهود الخلفاء إلى نهاية القرن الأول
– السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام .. أين اختفت ؟

هذا البحث جدير بالقراءة والتمعن .

ص 191

أن عليا عليه السلام كان يخطب، يقول: أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث يتبعوا أحاديث علمائهم، وتركوا كتاب ربهم. مع أن هذا النص – بعد الإعراض عن الجهات السابقة – لا ينافي القول بجواز التدوين، وذلك لأنه يحتوي على أمرين: 1 – أن يكون الكتاب المذكور مؤديا إلى ترك كتاب الرب. 2 – أن يكون الكتاب المذكور من كلام العلماء الذين يكتسبون من غير الوحي. وكلا الأمرين لا يوجدان في كتاب الحديث الشريف: 1 – فإن الحديث ليس من كلام العلماء، وإنما هو كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، بل يستلهم من الوحي، فهو خارج عما يراد من هذا الخبر تخصصا (1). 2 – إن الحديث النبوي الشريف لا يؤدي إلى ترك كتاب الله حتى يكون مصداقا لما ذكره الإمام عليه السلام وموردا للعلة التي ذكرت في الكلام. بل الحديث ليس إلا امتدادا للقرآن وتبيانا له وتأكيدا على مضامينه، كما سيأتي تفصيل ذلك في الفصل الثالث من القسم الثاني. 3 – إن سند الخبر – كما في مصدره المذكور – هو قول يوسف بن

(هامش)

(1) لاحظ الأنوار الكاشفة، للمعلمي (ص 39). (*)

ص 192

عبد البر القرطبي: أخبرنا أحمد بن عبد الله: حدثنا أبي: نا عبد الله: نا بقية: نا أبو بكر أبو أسامة، عن شعبة، عن جابر بن عبد الله بن يسار، قال: سمعت عليا يخطب، يقول (1). وهذا السند مخدوش من جهات: فأولا: ما ذكره المعلمي – في الأنوار الكاشفة – بقوله: ذكره ابن عبد البر من طريق شعبة عن جابر، ولم أجد لجابر بن عبد الله بن يسار ذكرا، وقد استوعب صاحب التهذيب مشايخ شعبة في ترجمته، ولم يذكر فيهم من اسمه جابر، إلا جابر بن يزيد الجعفي، فلعل الصواب، جابر، عن عبد الله بن يسار…. وعبد الله بن يسار لا يعرف (2). أقول: أما ما صوبه أخيرا، فهو عين الصواب، لما ذكره، وأما قوله: وعبد الله بن يسار لا يعرف، فهو خطأ، إذ الرجل من التابعين وقد ذكره ابن حجر، وذكر أنه روى عن علي عليه السلام وروى عنه جابر الجعفي ونقل عن النسائي وابن حبان توثيقه (3). وثانيا: ما ذكره المعلمي أيضا – على مبناه في الجرح – بقوله: جابر الجعفي ممقوت، كان يؤمن برجعة علي عليه السلام إلى الدنيا، وقد كذبه جماعة في الحديث، منهم أبو حنيفة، وصدقه بعضهم في الحديث

(هامش)

(1) جامع بيان العلم (1 / 63). (2) الأنوار الكاشفة (ص 39). (3) تهذيب التهذيب (6 / 4 – 85). (*)

ص 193

خاصة بشرط أن يصرح بالسماع، ولم يصرح هنا (1). وثالثا: إن رجال السند في الحديث المذكور قد عملوا على خلاف مؤداه ومضمونه، وهذا هو من عوامل وهنه وضعفه: فقد كان الإمام عليا عليه السلام ممن يكتب الحديث ويأمر بكتابة العلم، كما مر مفصلا (2). وجابر الجعفي كتب الكتب – كذلك – (3). وأبو أسامة – وهو حماد بن سلمة – كان صاحب كتب وكان يقول: كتبت بإصبعي – هاتين – مائة ألف حديث (4). ورابعا: إني أشك في ضبط هذا السند، فاسم (بقية) غلط، وإنما الصواب هو (بقي) لأن ابن عبد البر يروي في كتابه هذا (جامع بيان العلم) مكررا عن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله – وهو ابن يونس – عن بقي – وهو ابن مخلد – عن أبي بكر – وهو ابن أبي شيبة – عن أبي أسامة (5). بينما لم أعثر على شبيه للسند الأول، ولا في مورد واحد (6).

(هامش)

(1) الأنوار الكاشفة (ص 39). (2) قد مر مفصلا، وانظر الأنوار الكاشفة (ص 39). (3) الفهرست، للشيخ الطوسي (ص 70). (4) تهذيب التهذيب (3 / 3) (5) لقد تكرر مثل السند الثاني في (جامع بيان العلم) في الجزء الأول (ص 95 و100 و108 و115 و116 و124) وفي الجزء الثاني (ص 23 و38 و42). (6) أقول: وبعد أن كتبت هذا، على أساس من شكي المذكور، وقع في نفسي أن أتتبع = (*)

ص 194

وخامسا: إنه – على كل حال – حديث غريب، تفرد به رواته، كما تفرد بإثباته ابن أبي شيبة في المصنف، ومنه نقل الناقلون، وهذا التفرد يكشف – بلا ريب – عن إعراضهم عنه، وعدم الاحتجاج به. ويزيد في توهين هذا الحديث أن روايته انحصرت بعبد الله بن يسار عن علي عليه السلام، مع أنه يرويه عن خطبة له عليه السلام، وظاهرها أن تكون ملقاة على جمع من الناس، فكيف لا يرويها إلا هو؟! ويؤيد عدم حجيته أنه لم ينقل من طريق أهل البيت عليهم السلام، ولا شيء بمعناه مع أنهم هم أولى من يعرف مثل ذلك من أبيهم عليه السلام لو كان ثابتا أنه قاله، بل لم ينقل أهل البيت عليهم السلام إلا ما يخالفه ويبطله. والحاصل: أن مثل هذا الخبر لا يقوم دليلا على نهي الإمام عليه السلام، عن تدوين الحديث الشريف. فإجماع أهل البيت عليهم السلام على إباحة التدوين متحقق،

(هامش)

= ترجمة (بقي بن مخلد) فوجدت أن الذهبي قال في حقه: ومما انفرد به ولم يدخله أي إلى الأندلس] سواه: مصنف أبي بكر بن أبي شيبة. سير أعلام النبلاء (13 / 287 – 288). فراجعت (الكتاب المصنف) لابن أبي شيبة، فوجدت فيه، في كتاب الأدب، الباب (1073) من يكره كتاب العلم، الحديث [6490]: أبو أسامة، عن شعبة، عن جابر، عن عبد الله بن يسار، قال: سمعت عليا يخطب يقول… (الكتاب المصنف: 9 / 52). فظهر ما في سند جامع بيان العلم من أخطاء فظيعة، والحمد لله على توفيقه، ونسأله الهدى إلى سواء طريقه. (*)

ص 195

وهو حجة شرعية يجب اتباعها، بحكم حديث الثقلين، فإن في التمسك بهم واتباعهم الهدى، وفي الابتعاد عنهم وتركهم الضلال والردى. هدانا الله إلى الحق القويم.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...