الرئيسية / الاسلام والحياة / اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

06 وحواشي المحسن بعد أصوله مقدمون على غيرهم .
4 ـ واليتامى :
وحيث تم الايصاء بالاحسان بوشائج النسب ، ولحمته من الأصل ، والحواشي كانت الآية الكريمة تنحو بفقراتها الميثاقية إلى الايصاء بما يتعدى الأصل ، والاسرة النسبية فتشمل موارد الاحسان افراداً آخرين من أسرته الكبرى في هذه الحياة ، وهم : أبناء نوعه من البشر دون أن تقتصر بالاحسان على سبب قريب من اب ، أو رحم .

 
بل هناك في الناس من يحتاج إلى الاحسان وتتوقف حياته على الرعاية به خصوصا إذا كان ( يتمياً).
واليتامى هؤلاء الناس الابرياء الذين شاءت الحكمة الإلهية أن يختطف الموت اليد الكفيلة فتعوضهم بأيدٍ أخرى محسنة تحوطهم بكل معنى الرعاية ، والمحبة فجعلت الرحمة ، والعناية من جملة القواعد التي يتركز عليها دين الله القويم ، فكانت رعاية اليتيم من جملة بنود الميثاق المأخوذ على بني اسرائيل والذي هو صورة مرسلة إلى جميع البشر لئلا
____________
(1) اصول الكافي : حديث (20) من باب صلة الرحم.

يفقد اليتيم من يرعاه ، فيبقى نتيجة الإهمال عضواً عاطلاً ، عالة على الآخرين .
ومن خلال بعض المشاهد نرى الرحمة الإلهية تشمل اليتيم بنحو من الرعاية حيث لم تكتف بالايصاء به ، وأخذ ذلك في الميثاق على بني إسرائيل ، بل ينتقل من الايصاء ، والترغيب إلى التطبيق ، والاظهار للاثار المترتبة على معاملة اليتيم بالحسنى ، ورعاية حقوقه لتظهر إلى الناس مدى التأثير الذي يخلفه هذا العمل الانساني.

 
فعن رسول الله (ص) أن عيسى بن مريم (عليه السلام) مر بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل ، فإذا هو ليس يعذب فقال : يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام ، فاذا هو ليس يعذب فأوحى الله عز وجل إليه : يا روح الله . . . أنه أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً ، وأوى يتيماً ، فغفرت له بما عمل إبنه(1).

 
من الايصاء ، والصعيد الكلامي تنتقل الشريعة ـ كما قلنا ـ الى الصعيد العملي لترغب الافراد في التسابق على أعمال الخير ، فقد غفر الله لعبده المعذب لانه أدرك له ولد صالح ، فأصلح طريقاً يمر به الناس ، وأوى يتمياً صغيراً لا كافل له ، فمنحه من عطفه ما أنساه مرارة اليتم، فكان جزأوه من الله النجاة من العذاب لينال بذلك ثمار تربيته لذلك الولد. أما جزاء ذلك الولد على تلك الرعاية فذاك موكول إلى لطف الله سبحانه ، وهو الكريم .

 
وفي مشهد آخر من المشاهد التي نرى فيها رعاية اليتيم واضحة عبر الشرائع السابقة نرى القرآن الكريم يتعرض لقصة النبي موسى (ع) مع العبد الصالح ( الخضر ) (ع) حيث وجدا في سفرهما « جداراً يريد أن
____________
(1) سفينة البحار : مادة (يتم).

ينقضي فأقامه » وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل . لذلك كان هذا المنظر غريباً على موسى .
« قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً » (1).
وتمر لحظات ينتظر فيها موسى الجواب الشافي من الخضر فاذا به يكشف الحقيقة قائلاً :
« وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري » (2).

 
لقد حفظ الله بعنايته لهذين اليتيمين كنزهما المذخور جزاء لصلاح ابيهما وقد ذكرت كتب التفسير أنه كان ذلك جزاء صلاح أب لهما بينهما ، وبينه سبعة آباء .
وهكذا كان صلاح الآباء مثمراً في حفظ حقوق الذرية ورعاية ما اودع لهما من كنز مالي ، أو علمي على اختلاف ما جاء في التفسير من هذه الجهة ، وبيان نوعية الكنز.
كما كان صلاح الولد مثمراً في رفع العذاب عن الاب المقبور فيما سبق من قصة عيسى ـ عليه السلام ـ ومروره على أحد القبور.

 
أن هذه الآثار الدنيوية هي النتائج المترتبة على حسن نية المرء في حياته اتجاه الآخرين فكما تدين تدان.
وجلت عظمته حيث يقول :
____________
(1) ـ سورة الكهف : آية (77).
(2) ـ سورة الكهف : آية (82).

« فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثال ذرة شراً يره »(1).
وفي موضع آخر من كتابه الكريم قال
« ان تك مثال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين»(2).
ولا بد للمرء أن يحب لغيره نفس ما يرغب به لنفسه ، ويدفع عن الباقين نفس ما لا يرغب به لنفسه لينتظم بذلك الاجتماع ، ويأمن الباقون من الشرور التي تصدر من الأفراد ، وبذلك تسير الحياة هادئة مطمئنة ، فيؤدي كل فردٍ الدور الذي يناط به ، ويتحمل أعباء مسؤوليته .

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...