الرئيسية / اخبار العلماء / بيان زيارة الأربعين للامام الحسين عليه السلام

بيان زيارة الأربعين للامام الحسين عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلواته على اشرف رسله
محمد الأحمد وعلى آله
القائمين بالقسط والعدل بين البشر

وبعد فإن زيارة الأربعين قد تضمنت معالم بناء صرح حضاري عظيم :

١- فمنها المشي العبادة التربوية فعن الصادق (ع) قَالَ: مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَشَدَّ مِنَ الْمَشْيِ‏ وَ لَا أَفْضَلَ.) بعد اشتماله على التواضع وكسر تكبر النفس، وتطويعها على الانقياد.
وعَنْ مَوْلَانَا الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَال‏: سَمِعْتُهُ وَ هُوَ بِعَرَفَةَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ خُطُوَاتِي‏ هَذِهِ الَّتِي خَطَوْتُهَا فِي طَاعَتِكَ كَفَّارَةً لِمَا خَطَوْتُهَا فِي مَعْصِيَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا أَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنَا وَ قَدْ ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا فَاعْفُ عَنَّا.))

٢-وان الاستمرار على المشي الدؤوب الى مقصد الزيارة رغم تطاول المسير بحسب نقطة الانطلاق رمز وفضاء عظيم تربوي على الاستقامة على درب دوام الهجرة من الحال والمقام الذي وصل اليه الانسان في صفاته واحواله وافعاله الى احوال ومقامات اكثر تكاملا واقرب اقتداءا بالإنسان النموذجي الكامل في العصمة وان الطريق مهما تطاول فلا يثني ذلك من عزم المؤمن على دوام السير والحركة نحو المقاصد العالية من الاحتذاء بالانوار الباهرة من اهل بيت العصمة.

٣-كما ان هذا النفير في شتى مشاركات موسم المشي للزيارة تتدكدك فيه جبل أنانية النفس وتذوب فيه رذائلها من الشح والخلود الى وداعة ونعومة العيش مصداقا لقوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في‏ سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون‏) وقوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ في‏ سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقين‏)

٤-ومنها ازدياد المعرفة بالإمامة الإلهية وافتراقها وامتيازها عن القيادة البشرية وهي اعظم اهداف الزيارة الاربعينية وذلك لأن التعويل حصريا على التجربة البشرية لا يؤمن استمرار الطموح الإنساني والأمل المتطلع، كما ان الاعتماد حصريا على مسيرة مكتسبات الأمم لا يشحذ الهمم تجاه تحمل المسؤوليات، بعد عدم الأمن والثقة من قدرة القيادة البشرية على القيام بإلتزاماتها ولا ادارتها لتدبير مسيرة بناء العدالة و القسط ولا من جهة الإحاطة بالمعلومات ولا بتفاصيل الحقائق ولا من جهة العلم بكل الفرص المتاحة في التدبير ولا بالتنظير لهيكل منظومة ونظام العدل والقسط والكمال

٥-رغم ان النبی عیسى (ع) رمز المحبة والسلم والتعايش الا اننا لا نرى في ملتقى أممي تعايش سلمي نموذجي مثالي فاضل بين اتباعه كالذي نراه في مجتمع الحسين (ع) في ملتقى الأربعين العالمي بل لا نجد الشعارات التي ترفع عند اتباع النبي عيسى (ع) مجسدة بنحو كامل متكامل كالذي نجده في موسم الأربعين العظيم من الإخاء وصفاء التصافي ومحبة التحابب وبذل التكافل وعون التعاون وفداء الإيثار وكرم الإحسان وتصاعد المعنويات الروحية فكما ان فاطمة (ع) هي مريم الكبرى فالحسين (ع) هو بحق عيسى الأكبر .

٦-ان السلم والأمن الذي يجسده مجتمع زيارة الأربعين بسبب اجتماع القلوب على محبة الحسين (ع) واهل البيت (ع) هو نمط قياسي عصري راهن ما ثل امام المنظر البشري يتحدى كل النمطيات الأخرى التي يروج وينادى به في متجر المحافل الأممية وهو بمثابة بارقة أمل واعدة للإنسانية لتحقيق السلام والأمان المنشود.

٧- ان السر في كون موسم الأربعين منبع للسلم والأمن البشري أن منشأ الحروب هو العداوات، ومنشأ العداوات هو الحرص وشح النفس كما اشير الى ذلك في قوله تعالى
(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حين‏) بعد ما ذكر تعالى حرص البشر على ذاته وهذا الموسم للأربعين يزيل هذا الداء تدريجا كل عام بنسبة، ومع استمراره بمشاركة عالمية يؤمل للبشرية الدخول في ترويض لدار السلام على كوكب الأرض.

8-ان موسم المشي لزيارة الأربعين زلزال للنفس تدخل في بوتقة من الامتحانات واعتراك من التخلي عن النزعات الذاتية، وتبصرة بالامراض التي تعاني منها النفس الإنسانية مما يولد العداوات والتوترات بين افراد بني البشر.

9- ان موسم الاربعین یبین لزوم توظيف الصلاة والانفاق على الفقراء والتعاون والتکافل وکل العبادات وكل الخيرات في سبيل اهل البيت عليهم السلام لأنهم البوصلة التي لا تخطئ طريق الكمال وسبيل العدل وجادة السعادة واتجاه السلام وساحل الأمان وهو معنى كونهم السبيل الأعظم لله تعالى والصراط الأقوم الى جنانه، فليست الخيرات والعبادات تصب في خير البشر إن وظفت في اتجاه المحاور البشرية والأنظمة المادية فإن مآلها الى إشعال الحروب وغرز العداوات وانتشار الشرور.

من إفاضات سماحة اية الله الشيخ محمد السند.

شاهد أيضاً

زيارة الأربعين في كربلاء .. الأبعاد والمعطيات

د . نور الموسوي الحوادث التأريخية المميزة ، ذات البعد العقائدي في المسيرة البشرية ، ...