الرئيسية / الاسلام والحياة / اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

اليتيم في القرآن الكريم – عز الدين بحر العلوم

14 – وبذلك نعرف مدى الواجب على الابناء في تقدير الابوين ، وقد جاء مثل هذا الايصاء في آيات أخرى فقد قال تعالى :« واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً »(1).
« ان اشكر لي ولوالديك إلي المصير »(2).
لقد أتى رجل الى رسول الله (ص) فقال : ( يا رسول الله : أوصني فقال : لا تشرك بالله شيئاً ، وإن حرقت بالنار ، وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك ، فأطعمهما ، وبرهما حيين كانا ، أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ، ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان » (3).

 
إن هذه الوصية من النبي (ص) تعطينا مدى اهتمام المشرع بالوالدين ، فقد قرن الايصاء بالاحسان إليهما بعبادة الله وعدم الشرك به ، وجعل ذلك من الايمان ، لم يكتف بالايصاء بالبر بهما في حياتهما بل أمر بذلك بن أمر بذلك بعد موتهما . ولما يتسائل عن كيفية البر بالوالدين بعد الموت ذلك لأن الاحسان إنما يكون لمن هو حي يتقبل ما يجود به الانسان عليه. اما إذا مات الانسان فقد انقطعت عنه الحياة ومات فيه الشعور فكيف يكون الاحسان إليه ؟

 
لقد أوضح الاب ابي عبدالله الصادق (عليه السلام) هذه الجهة عندما قال :
« من يمنع الرجل منكم أن يبر بوالديه حيين ، وميتين يصلي عنهما ، ويتصد عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع
____________
(1) ـ سورة : آية (36).
(2) ـ سورة لقمان آية (14).
(3) اصول الكافي حديث

لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيراً كثيراً »(1).
وصحيح أن الانسان إذا مات انقطع شعوره ، وتوقفت الحركة الحياتية عنده إلا أن الله سبحانه لا يصفي حسابه معه رحمة منه ، ومنّة عليه ، فلعل من يقدم إليه خيراً من ولدٍ بارٍ به ، أو صديق يشفق عليه ، فيكتب ذلك له ليخفف به عن سيئاته ، أو ليزيد في حسناته.

 
الثانية : وبعدما تعرضت الآية لمنزلة الابوين إنتقلت بنا لتعطينا درساً في كيفية المعاشرة معهما.
« فلا تقل لهما أف » .

 
أنه غاية في الحشمة ، والادب أن يقف الابن حيال ابويه فلا يفتح شفتيه بأدنى ما يعبر عن الضجر ، والسأم ، ولو بحرفين من الكلام فلا يجوز للابن أن ينهر أبويه ، ففي ذلك سخط الرب لانه تجاوز ، وتعد على حقوقهما.

 
يقول الامام الكاظم (عليه السلام)
« لو علم الله شيئاً هو أدنى من أفٍ لنهى عنه وهو من أدنى العقوق»(2).
وإذا فلا بد من تجنب كل ما يزعجهما ، ولو بأدنى كلام وإبدال ذلك بمخاطبتهما بلطف ، وإحترام ، وبرفق وخضوع.
« وقل لهما قولاً كريماً » .

 
ليبادل الولد أباه العطف ، فيجد الاب ثمرة عطفه وحنانه فيقطف من هذه الثمرة ، وهو على قيد الحياة وليجني ما زرعته ابوته فيحصد حباً كان
____________
(1) ـ اصول الكافي باب بالوالدين ( حديث 7).
(2) ـ جامع السعادات : 2 | 263 مطبعة النجف الاشرف.

قد غرس بذوره قبلاً حيث كان يطبع على جبين الصبي القبل في الليالي الحالكة.
الثالثة : وفي مقام الاطاعة والانتقال من حيز القول والعمل الخارجي لا بد أن يكون كما تريده الآية .
« واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ».

 
وليتصور الانسان ما بين هذين المعنيين ، وكيفية الجمع بين جناحي الذل ، والرحمة من عطاء شامخ ، ومرمى بعيد يتجسد في مثول البنوة المؤدبة أمام الابوة الرحيمة إنه تعبير على إيجازه مفصل الأسلوب دقيق المضمون.
الرابعة : وفي غيابهما لا بد أن يحفظ لهما غيبتهما فيتضرع إلى الله بقلب ملؤه العطف ، والانكسار فيدعو لهما .
« وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ».
فيبادلهما حبهما وعطفهنما بالدعاء لهما ، وطلب الرحمة من الله فقد ربياه صغيراً يوم كان طفلاً لا يقدر على شيء ، وحيث شب ونمى لا بد أن يقوم بعمل يجازيهما به، وهو الدعاء بطلب الخير لهما .

 
وفي مقام الانفاق ، والاحسان لا بد أن يقدمهما على كل أحد جزاء رعايتهما له لذلك كانت الآية في بيان مراحل الانفاق وجعل الوالدين في مقدمة من ينفق عليهم من أسرته الخاصة.
ومن جهة أخرى نرى الشارع المقدس يحذر الفرد من مغبة عقوق الوالدين ، والاعراض عنهما حتى جاء في بعض الاخبار عن الله سبحانه في الحديث القدسي أنه قال :
« بعزتي وجلالي ، وارتفاع مكاني لو أن العاق لولديه يعمل بأعمال

الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه »(1).
بعزتي ، وجلالي ، وإرتفاع مكاني . إنه قسم مغلظ يخبر الحديث عنه ـ جلٌت قدرته ـ عن أنه سيرفض أعمال من يعق والديه حتى لو كانت تلك الاعمال موازية لاعمال جميع الأنبياء ، أو الاعمال التي يعملها الانبياء .

 
على أن للبر بالوالدين ، أو عقوقهما الاثار الوضعية في هذه الدنيا قبل الاخرى ، وقد وردت بذلك الاخبار العديدة حيث أوضحت لنا أن من يبر بوالديه يتفضل الله عليه ليمنحه من لطفه ، وعطفه كاحسان معجل ، وله أضعاف ذلك في الحياة الأخرى ، كما أن لمن بعق والديه من المشاق ، والعذاب ما هو معجل له أيضاً في حياته قبل مماته.
وإذا ما تعدينا هذه الحلقة وهي التي تحيط بالانسان وتلتصق به في تكوينه الأولى ، فإن أقرب حلقة تأتي بعد الأبوين يرتبط بها الفرد هي ما ذكرته الآية في قوله تعالى : ( والاقربين ) فمن هم:
الاقربون ؟ :
إنهم رحم المنفق ، ولحمته ، وقد جاءت الآيات الكريمة مكررة في الكتاب الكريم لتنوه بالاقرباء ، وانهم عصب الانسان وبهم يشد أزره فلا بد من أن ينالوا من عطفه ، وإحسانه.

 
فعن الرسول الاعظم (ص) بعدما سئل :
« أي الناس أفضل ؟ فقال : أتقاهم لله ، وأوصلهم للرحم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر »(2)
____________
(1) ـ جامع السعادات : 2 | 263 ـ مطبعة النجف | سنة 1383.
(2) ـ أخرجه أحمد في مسنده : 6 ـ 432 من حديث درة بنت أبي لهب بأسناد حسن.

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...