الرئيسية / تقاريـــر / حلف الشيطان واختلاق الأزمات في إيران…

حلف الشيطان واختلاق الأزمات في إيران…

مصطفى قطبي

 

بعدَ الفوضى التي ضربت كلاً من سورية واليمن وليبيا اعتقدنا أن الشعوب أخذت درساً عملياً من حسابِ غيرها في كيفية تحولِهم إلى وقودٍ لإشعال أوطانهم، لكن هذا الفهم لا يزال بعيداً، لأن هذه الشعوب تبدو بمنطقِ تفكير مشترك، تحديداً عندما تترك للناطقين باسمها من الخارج أن يكونوا واجهاتهم السياسية، عندها فإنهم لا يضيعونَ الفرصة لتعاطفِ العقلاء معهم فحسب، بل ومن حيث لا يدرون يُعطون حكوماتهم وأجهزتها الأمنية وغير الأمنية فرصة التعامل معهم بالطرق التي تشرعها كل القوانين الدولية والأعراف الوطنية لحفظ الأمن.


في هذا السياق، خرجت تظاهرات شعبية في عدد من المدن الإيرانية، نددت بارتفاع سعر البنزين، والحقيقة أن أغلبية المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم الرئيس الإيراني حسن روحاني أكدوا حق الإيرانيين في التعبير السلمي، وفي التظاهر للتعبير عن الاحتجاج، ولكنهم رفضوا بشكل قطعي أعمال التخريب، والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، وهو أمر مرفوض في كل الدول المتحضرة، وخارج إطار القانون. فالتظاهر له حقوق وواجبات، إما أن يحترمها المتظاهر أو أن ينسحبَ منها عندما تأخذ مناح ثانية كالدعم الخارجي من أعداء إيران، أو تحولها إلى مادة إعلامية لمشاهد الفوضى والتخريب وزعزعة الأمن والاستقرار، فهل تساهم هذه الدعوة بالفرز بين أصحاب المطالب، وبين المرتبطين بأجنداتٍ خارجية؟

 

فالولايات المتحدة الأميركية لم تنتظر أكثر من ثلاثة أيام على انطلاق تظاهرات البنزين والاضطرابات في إيران ليندد البيت الأبيض الأحد الماضي باستخدام السلطات الإيرانية ”القوة الفتاكة” ضد المتظاهرين السلميين! واستنكر البيت الأبيض في بيانه القيود التي فرضتها السلطة الإيرانية على الاتصالات والإنترنت. وأكد البيان على وقوف الولايات المتحدة بجانب الشعب الإيراني في تظاهراته السلمية ضد النظام! كما أكدت الخارجية الأميركية في بيان منفصل وقوفها إلى جانب تظاهرات الشعب الإيراني! لتكشف بذلك عن ضلوعها في تأجيج الشارع الداخلي الإيراني.

 

لقد أصبح من الواضح أن ما يجري داخل إيران هو عبارة عن مخطط سابق لمحاولة زعزعة أمنها، إضافة لمحاولة صرف نظر العرب عن قضيتهم الأولى مرة أخرى، حتى يعبث الصهاينة بالقدس، وهاهم اليوم يصدرون القوانين تلو القوانين من أجل تهويد القدس، ناهيك عن رغبتهم الحثيثة في تعويض الخسارات التي منيت بها كل من أمريكا وإسرائيل في سورية وابتعادها عن الواجهة بعد الانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع إيران وروسيا والمقاومة اللبنانية.‏

 

ومن يتابع حجم الضخ الإعلامي التحريضي والتضليلي الذي يستهدف إيران من نفس الدوائر السياسية التابعة لواشنطن والمنابر الإعلامية الممولة خليجياً والتي تبنت سابقاً ما يسمى ”ثورات الربيع العربي” المزعومة سيكتشف سريعاً أنّ مثل هذه التغطية الإعلامية الكاذبة من قبل وسائط الإعلام المشار إليها، ليست مستغربة لأنها تعكس وجهات نظر القائمين عليها والممولين لها في السعودية ودول خليجية وعربية أخرى، وأعداء إيران الآخرين في الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وغيرها، كما أن التحريض الأمريكي والإسرائيلي ضد إيران لم ينقطع، بل ازداد حدة وشراسة بذرائع شتى.

لابد أن نعترف أنّ الخلفية الاقتصادية الاجتماعية شكلت مادة للعمل على اختراق المجتمع الإيراني، إذ لم يخف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن هدف توقيع الاتفاق النووي مع إيران هو الانتقال لاستخدام القوة الناعمة لتغيير النظام في إيران، ولكن إدارة ترامب، ومن خلفها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو رأوا أن نفوذ إيران تزايد في المنطقة، وأن محور المقاومة حقق نتائج كبيرة على صعيد هزيمة مشروع داعش في سورية والعراق، مع اعتراف بعدم إمكانية هزيمة إيران بالمواجهة من الخارج، فكان لابد من العمل على الداخل، واستغلال نقاط الضعف، والمناطق الرخوة لإثارة الاضطرابات، والقلاقل، أي ”كلمة حق يراد بها باطل”.

 

والقضية لم تبدأ مع إدارة ترامب إذ لابد من التذكير بالمؤتمر الكبير الذي عُقد في باريس يومي 9 ـ 10 تموز 2016 للمعارضة الإيرانية، وحضره آنذاك رئيس المخابرات السعودية السابق وعراب العلاقات مع الإسرائيليين تركي الفيصل، حيث ألقى كلمة في الجموع طالب فيها ”بإسقاط النظام في إيران”، وقال مخاطباً مريم رجوي زعيمة ”مجاهدي خلق” الذين يسمونهم في إيران بالمنافقين: ”إن كفاحكم المشروع ضد نظام الخميني سيبلغ مرماه عاجلاً، و ليس آجلاً”، وحين ردد الحاضرون، وكان هناك عدد كبير من السوريين ممن أحضروا بالمال لإظهار حشود شعبية، ”الشعب يريد إسقاط النظام” قال تركي الفيصل: وأنا أريد إسقاط النظام!


أما على صعيد المعلومات فليس هناك شيء سري الآن، إذ أعلن ترامب منذ قمة الرياض في أيار 2017 أن إيران عدو، ويجب مواجهته، ورسخ ذلك مؤخراً في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان فقد قال علناً إنه سينقل المعركة إلى الداخل الإيراني، والقناة العاشرة الإسرائيلية تحدثت في أحد تقاريرها عن تشكيل مجموعات عمل أميركية صهيونية متعددة ضد إيران إثر زيارة لوفد عسكري إسرائيلي للولايات المتحدة بداية كانون الأول الماضي، حيث جرى توقيع مذكرة تفاهم حول المسألة الإيرانية شملت تشكيل أربعة فرق عمل:

 

ـ  فريق عمل للمجال السري والدبلوماسي لإلغاء البرنامج النووي الإيراني.

ـ  فريق عمل للحد من وجود إيران في المنطقة وبخاصة في سورية ولبنان.

ـ فريق عمل لاحتواء برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، والحد من نقل الصواريخ الإيرانية لحزب الله.

ـ  فريق عمل لمواجهة تصعيد التوتر في المنطقة الذي يمكن أن تتورط فيه إيران.

 

إن القاصي والداني أصبح اليوم يعلم علم اليقين، أنّ ما يجري في إيران له تداعيات إقليمية هامة، نظراً للدور الكبير الذي تعلبه طهران في الشرق الأوسط. كما أنها فاعل أساسي في التوازنات الإستراتيجية للشرق الأوسط، وهي تمارس دوراً أولاً في لبنان، وتتنافس مع الولايات المتحدة على الموقع الأول في السياسات العراقية، وهي من بين القوى الثلاث الأكثر تأثيراً في الأزمة السورية إلى جانب روسيا والولايات المتحدة، وفي اليمن تتنافس مع السعودية وحلفائها على تحديد مصير البلاد، وأخيراً، لطهران نفوذ لا يستهان به في السياسات الأفغانية.

 

الأمر واضح تماماً، وكل من يزعم أن ما يحدث في إيران مؤخراً ”ليس بمؤامرة” يكون مجانباً للحقيقة وبعيداً عن الموضوعية والمنطق السليم. وهنا لابد من الرجوع إلى الوراء واستحضار التآمر الأمريكي على إيران، فقد أدلى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في وقت سابق، بتعليق حول ”إحياء” الديمقراطية في إيران، وذلك في مقابلة أجرتها معه لورا إنغراهام في برنامجها على قناة فوكس نيوز. ويبدو بأن هذا الحديث بات نقطة حوار داخل أروقة الوزارة الأمريكية، إذ يعكف مسؤولوها على تكرار لهجة بومبيو حتى عندما يتحدثون باسم مجهول. وقد بدا بشكل واضح بأن واشنطن تبذل شتى المساعي الحثيثة لتغيير النظام القائم في إيران على الرغم من كونها ترغب في التظاهر بأنها لا تسعى إلى فرض أي سياسية على الشعب الإيراني في الحين الذي نجد به إدارة ترامب تضيق الخناق على اقتصاده وتحاول إلحاق الأذى بمدخراته من خلال جملة من العقوبات التي ما انفكت تفرضها على بلاده بين الفينة والأخرى.

 

أما عبارة ”وقوف أمريكا إلى جانب الشعب الإيراني” التي تتردد على لسان مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية فقد أطلقت بالتوازي مع تصاعد ممارسة الضغوط على هذا الشعب لعل ذلك يجدي نفعاً.‏ إن الخطابات الرنانة حول ”استعادة” الديمقراطية التي تطلقها إدارة ترامب لا تختلف في مضمونها عما سبق وان تم الترويج له من مساع تُبذل لإحلال الديمقراطية إبان عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، لكننا في الحالة الإيرانية لا نجد من داع للاتكاء على عكاز نشر الديمقراطية وإرساء قواعدها في هذا البلد.

 

وفي هذا السياق، نتساءل ما الذي ترغب إدارة ترامب بإحيائه؟ ولا سيما بأنه في الوقت الراهن هناك برلمان وحكومة إيرانية منتخبة تمثل الشعب، لكن المعضلة في الأمر هو عدم تماشي تلك الحكومة مع الرغبات الأميركية الآخذة بالتآمر للإطاحة بها والتي بدا أنها تبذل شتى المساعي الحثيثة أيضاً لتبني سياسة ديكتاتورية بهدف استبدال الحكم القائم. ولم يعد خافياً على أحد بأن ما تأمله الإدارة الأميركية لا يتعلق بتسليم زمام الإدارة في إيران إلى حكومة تمثل مصالح الشعب الإيراني، لأن مثل هذه الحكومة لن تنصاع للمطالب غير الواقعية والمتطرفة التي تفرضها واشنطن… فليس هناك فرصة لنجاح مشروع واشنطن في إيران بخاصة أن الشعب الإيراني عانى من العقوبات التي فرضت عليه من الدول الغربية ما أعطاه العبر من ”حقوق الانسان”.

 

لم يعد خافياً على أحد أن أعداء الثورة الإسلامية الإيرانية لم يتوانوا عن دعم جماعات إرهابية لاستهداف العمق الإيراني، عبر جهد استخباراتي مكثف ومستمر لتخريب البيت الإيراني من الداخل، وتالياً فعندما تتحدث إيران عن مؤامرة خارجية فهذا الحديث يستند إلى دلائل ومعطيات ثابتة وموثقة.

 

تبدو الحرب على إيران مفتوحة، وعلنية، ومما لاشك فيه أن الأميركي والإسرائيلي سيحاولون تصعيد اللهجة، والضخ الإعلامي سيتجاوز الحدود، لكنهم يعونَ أن إمكانية قلب النظام تبدو شبهَ مستحيلة والعمل سيكون على تعويم الفوضى لا أكثر والهدف واضح، فلا المساومة على اليمن تفيد، لأن الموجود في اليمن بالنهاية يمنيون، ولا المساومة على الدور الإيراني في سورية سيأتي بنتائج، لأنهم يدركون أن الدور الإيراني في سورية محدود، وعليه سيكون الهدف السعي لابتزاز إيران في الملف النووي ومحاولة الضغط عليها لإجبارها على توقيعِ اتفاقٍ جديد يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الذي تراه ”إسرائيل” خطراً على وجودها، وهو المطلب الأكثر إلحاحاً في هذه الفترة التي تجري فيها تصفية القضيةِ الفلسطينية على قدمٍ وساق، بالتالي ليس علينا أن نستهين بما يجري أو تبسيطه، بل النظر إلى مسبباته ومعالجة الأخطاء التي يستفيد منها المتربصون بإيران بما تمثل في المحور المقاوم، مع التأكيد أننا في حالة لا يفيدنا التلاعب بالألفاظ والمواقف لإظهار رماديتنا كما كان يفعل مستثقفو الصحافة العربية ومدعو الفكر المقاوم في تعاطيهم مع الأحداث العربية.

 

خلاصة القول: نقول حرصاً ووفاءً لإيران التي حملت لواء القضية الفلسطينية ودافعت عن سورية ودعمت كل الفصائل المقاومة ضد إسرائيل وجب على كل مخلص لفلسطين وللمبادئ العربية دعم إيران والدفاع عنها كما دافعت عن سوريه العروبة.

 

 

شاهد أيضاً

أنظروا ماذا يقول هذا الشيخ في الحشد الشعبي – فيديو