الرئيسية / الاسلام والحياة / الأسرة في الإسلام – تأثير التفاهم في الحياةإ

الأسرة في الإسلام – تأثير التفاهم في الحياةإ

إن السعادة واللذة المعنوية في الأسرة الواحدة هي رهينة التفاهم، فمنه تنبعث الألفة والانسجام، وبه تحل الثقة والاطمئنان في الأسرة، ويستقر نظامها، ويشرق صفاؤها وسرورها.

وقد نقل “أحمد بن حنبل” في مسنده نقلاً عن عائشة قولها: “في أحد الأيام كان رسول الله (ص) في البيت وإذا بطبق من غذاء تحمله جارية “لصفية”(3) كانت قد أرسلته إلى رسول الله (ص)، وحين وقوع نظري على تلك الجارية أحسست برجفة تسري في بدني وكأني خرجت من عالم الآدمية، وأخذت بطبق الغذاء منها ورميت به بعيداً بعدها نظرت إلى رسول الله (ص) فرأيته مدهوشاً متحيراً تظهر على عينيه علامات الغضب والتنفر مما فعلت فلذت به من غضبه وقلت: يا رسول الله تجاوز عني ولا تدع عليّ. فقال: استغفري ربك يا عائشة.

قلت: وكيف ذاك يا رسول الله؟

حينها قال الرسول (ص): جهزي طبقاً مثل ذاك الذي أرسلته صفية، واطبخي غذاء مثل ذاك الذي أرسلته وأرسليه إليها، “أي إلى صفية”(4).

وبهذا الصدد تتعدد النماذج الكثيرة التي تحكي عن رحابة صدر النبي الأكرم (ص) وسعيه الحثيث في حل المشاكل بمعاملته الروحية والعقلية، مستنداً إلى القرآن الكريم في إسداء النصح إلى من كانوا يحيطون به.

ومن خلال وقوفنا على سيرة النبي الكريم (ص) ينبغي لنا أن نقتدي بهذه السيرة المباركة، ونغض أبصارنا عن التجاوزات والأخطاء الجزئية التي تتيح لنا فرص النصح والموعظة حلها وتجاوزها بكلام لين مهذب يشعر المخاطب بالمودة والرحمة.

إن الالتزام والتمسك بسيرة أهل بيت العصمة والطهارة والاستفادة من الروايات المتواترة عنهم يتيحان لنا معرفة الأسلوب الأمثل في التناصح والتفاهم سواء في حدود الأسرة أم في حدود الأمة التي لا تصلح إلاّ بصلاحنا، ولا ترقى برقينا في سلم الوعي الفاعل والشعور السليم.

 روايات أخرى

نذكر نماذج أخرى لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة في حياة المجتمع:

نقل عن أحد المعصومين (ع): أفضل النساء امرأة قالت لزوجها في حال الغضب: يدي بيدك وأمري لأمرك مطاع(5). وكذلك قال (ع): إذا نامت المرأة وبعلها غير راضٍ عنها لعنتها ملائكة الله حتى تفيق من نومها(6). 

وإذا ما تحدث الرجل مع أهله بهذه الروايات بطريقةٍ كان فيها منشرح الصدر متبسماً طبعت أثرها الحتمي على أهله.

 حسن الخلق

ليس من حق الرجل أن يعامل زوجته بشدة وحدة في حالة بروز الخلافات والمشاكل حتى ولو لم يكن له يد في بروز هذه المشكلات، إذ ليس من حق الزوج أو الزوجة على السواء الاخلال بقانون الأسرة وتفتيت نظام أول مدرسة لتعليم وتربية الأولاد.

ونقرأ في تاريخ الإسلام كيف أن الرسول محمداً (ص) شارك في دفن أحد أصحابه وكيفية مواراته بالتراب بيديه الطاهرتين في حين وقفت أم المتوفي على الجسد فتخاطبه قائلة: لن أبكي لأجلك، ولماذا البكاء عليك؟ وبيد رسول الله أنزلت إلى القبر؛ فأي سعادة هي التي حباك الله بها حين جعل رسوله (ص) ينزلك إلى مثواك.

وحين انصرفت أمه، قال رسول الله (ص) ووجهه صوب أصحابه؛ لقد اعتصر القبر فلاناً حتى هشم أضلاعه.

فقال أصحاب الرسول (ص) وكيف ذاك يا رسول الله؟ أو لم يكن من الصالحين؟

فأجابهم (ص): نعم، هو كذلك، ولكنه كان يسيء الخلق مع أهله.

وإذا ما كان الإنسان مسلطاً على عقله، غير سريع الغضب ممتازاً برحابة الصدر، فلن يكون هناك خلافات أسرية غير قابلة للحل، علاوة على الراحة التي سيحظى بها في أول ليلةٍ في القبر، إضافة إلى تجاوز الله تبارك وتعالى عن خطيئته يوم يقوم الاشهاد.

 حسن الظن

تحظى مسألة حسن الظن بأولوية التفكير الجاد في المجتمع والأسرة إذ يجب التفكير والحكم على المسائل والقضايا بعقل يخالطه حسن الظن، لأن العيش في الخيال وإساءة الظن بالآخرين يسبب عقداً كثيرة تجر إلى الانطواء والأمراض العصبية والاغتياب، وإشاعة قضايا ما أنزل الله بها من سلطان.

وفي يوم القيامة يحشر الذين يسيئون الظن بالآخرين على هيئة الذباب، لأنهم كانوا في الدنيا يلوثون المجتمع ويعيبون على الناس وينتقصون منهم حالهم حال الذباب الذي يلوث الغذاء والهواء.

فالإنسان جدير أن يرى كمالات وألطاف الآخرين ويتجاوز عن نقاط الضعف والأخطاء التي يمكن أن يمارسوها.

وفي قصة عن نبي الله عيسى (ع) أنه كان ماراً على قريةٍ برفقة أصحابه، وفي الطريق شاهدوا معزاةً ميتة تثير على الانتقاد، وقتها بدأ أصحاب النبي (ع) بالتعرض للمعايب التي كانت فيها أما عيسى (ع) فقد قال: “اعجب لأسنان هذه الميتة كم هي بيضاء ناصعة”.

وفعلى نبي الله عيسى (ع) هذا يعلمنا كيف نسدل الستار على عيوب الآخرين ويدلنا على أنه حتى الميتة فيها نقاط مدح إيجابية.

 صفات الزوجة المثالية

لقد أشارت أغلب الأحاديث إلى صفتين من صفات الزوجة المثالية؛ وهنا نعرض صفات أخرى.

 الزوجة ظهير لزوجها

من الصفات الحسنة للزوجة المثالية أنها لا تستبدل بزوجها كل عالم المخلوقات؛ ولهذا الأمر عدة حالات:

أولاً: في الحالات التي يمكن أن يتقول أقاربها ومعارفها على ما لا صحة له ولا يليق بزوجها، ترد ما يفترون رداً مؤدباً جريئاً مهذباً يحفظ الحق على أهله.

ثانياً: سلوكها وعملها يتساويان في الغنى والضنك، بل تتقرب إلى زوجها وتتواضع له أكثر حينما يمر بحالات الفقر والفاقة وضنك العيش، مستعينةً بالصبر، محافظةً على توازنها قبالة المشاكل المادية.

ثالثاً: عدم طرح الخلافات والأخطاء الخاصة بالأسرة خارج نطاقها.

الهوامش:

(1) طبيعي، إن التعامل في المؤسسات الإسلامية ومنها القوات العسكرية والجيش يجب أن يقوم على المحبة والألفة والتفاهم، وإذا قدر أن يكون التعامل جافاً وقانونياً بحتاً، فلن يوفق أحد في إنجاز عمل بالشكل المطلوب، ولن يمكن تحقيق القانون في مؤسسات القوات العسكرية بغياب المحبة والذوق وبذلك سوف ينعكس على مجمل المجتمع ومنها أسر القوات العسكرية نفسها.

(2) سفينة البحار، مجلد 2 صفحة 208.

(3) اسم إحدى زوجات النبي “ص”.

(4) مسند أحمد، ج6، ص272.

(5) بحار الأنوار ج103 باب أصناف النساء.

(6) المصدر السابق نفسه.

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...