الرئيسية / كلامكم نور / وصايا الرسول لزوج البتول – السيد على الحُسيني الصدر

وصايا الرسول لزوج البتول – السيد على الحُسيني الصدر

بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعماءَه العادّون ، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون ، وصلوات الله على الرسول الأمين وخاتم النبيّين الذي بعثه لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته وتبليغ رسالته.
    وسلام الله على أهل بيته المعصومين الذين هم أساس الدين ومنار اليقين ، والذين لهم حقّ الولاية وفيهم الوراثة والوصاية ..
    ولعنة الله على أعدائهم وظالميهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدين.
    وبعد .. فقد إمتاز الدين الإسلامي الحنيف في خطاب الكتاب وبيان الرسول وهدى أهل البيت بخصوصية جامعيّته لجميع شؤون الإنسان في جميع العصور والأزمان ، بحيث رَسَمَ له المنهج الكامل والنهج المتكامل في عامّة المجالات وكافّة المناسبات الإعتقادية والعمليّة ، والإجتماعيّة والشخصيّة ، والأخلاقيّة والسلوكية بعباداته ومعاملاته ، وعقوده وإيقاعاته ، ومواعظه وإرشاداته .. في جميع ما يحتاج إليه الفرد والاُسرة ، للدنيا والآخرة.
    وذلك ببركة كتاب الله الكريم الذي هو مصباح الهدى ومنار الحكمة ودليل المعرفة الذي من جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار.
    ثمّ بفضل رسوله العظيم الذي أرسله الله تعالى شاهداً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، مع أهل بيته الأكرمين الذين أنزل فيهم آية التطهير ، ثمّ

جعلهم الحفظة لهذا الدين والأوصياء الخلفاء لسيّد المرسلين ، والمظهرين لأحكام الشرع المبين فكانوا نجوم الهداية وسفن النجاة التي من تمسّك بها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
    وجعل سيّدهم وسندهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين باباً لمدينة علم نبيّه وهادياً لاُمّته ، محوراً للحقّ وكشّافاً للحقيقة ، وعلّمه النبي ألف باب من العلم ينفتح من كلّ باب منها ألف باب .. كما ثبت بالطرق المتواترة من الخاصّة والعامّة .. (1).
    وكان ممّا أفاض عليه من العلم والحكمة وصاياه الجامعة ، ومواعظه النافعة ، ومعالمه البارعة التي جمعت الخير الكامل وحثّت على أسنى الفضائل.
    وقد كانت وصاياه له ( عليه السلام ) بالمقدار الكثير الكثير الذي لم يتحقّق وِزانُه لأيّ واحد من الأصحاب ولا لفرد آخر من الأطياب .. بل خصّه النبي بها وجعله الباب إليها ، ليرتوي منه المؤمنون ، وينتهل من نميره المسلمون ، بل يهتدي به الخَلَف أجمعون ، فتكون خير دليل لخير سبيل ، وكفاها سموّاً أنّها صدرت من أفصح من نطق بالضّاد لأفصح الناس بعده من العباد.
    وحسبها علوّاً أنّها وصايا أرشد إليها عقل الكلّ لكلّ العقل.
    ويكفيها رفعةً أنّها أوصى بها سيّد الأنبياء الذي عصمه الله تعالى بقوله ، ( وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) لسيّد العترة الذي طهّره الله عزّوجلّ 1 ـ لمزيد المعرفة لاحظ أحاديث الفريقين في أنّ علياً ( عليه السلام ) وصيّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من طرق الخاصّة مائة حديث ومن طرق العامّة سبعون حديثاً ، في غاية المرام ، ص 150 ـ 190 ، وفي انّ علياً ( عليه السلام ) باب علم الرسول صلوات الله عليه وآله ومدينة علمه وحكمته من طرق الخاصّة أربعون حديثاً ، ومن طرق العامّة ثلاثة وعشرون حديثاً ، في غاية المرام ، ص 517 ـ 524 ، ويمكنك ملاحظة الأدلّة الوافية على وصاية الأئمّة ( عليهم السلام ) في كتابنا العقائد الحقّة ، ص 290.
2 ـ سورة النجم ، الآية 3 و 4.
بقوله ، ( … إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1).
    هذا هو موضوع الكتاب الذي بين يديك ، وكان المرجوّ فيه أن يجمع وصايا الرسول لزوج البتول.
    واعلم أنّ الوصيّة لغةً هو التقدّم إلى الغير بما يعمل به مقترناً بوعظ .. مأخوذة من قولهم ، أرض واصية أي متّصلة النبات (2).
    إذ الوصيّة في الأصل فعيلة بمعنى الإتّصال من وصى يصي إذا وصل الشيء بغيره (3).
    وقد قالوا وصي البيت إذا اتّصل بعضه ببعض .. فكأنّ الموصي بالوصيّة وصل جلّ اُموره بالموصى إليه ، والوصية والأمر والعهد بمعنى واحد ، كما في مجمع البيان (4) عند قوله تعالى : ( وَوَصّى بِها إبراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلاّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ ) (5).
    وعليه فالوصية في مؤدّاها هي ، ( العهد الذي يؤخذ على الإنسان في مجال النصح ، والحثّ على الفضائل والأخلاق الحسنة ، وفعل الخيرات وإجتناب المنكرات ) (6).
    ولذا قال في اللسان ، « أوصى الرجل ووصّاه ، عهد إليه » (7). 1 ـ سورة الأحزاب ، الآية 33.
2 ـ مفردات الراغب ، ص 525.
3 ـ مجمع البحرين ، ص 93.
4 ـ مجمع البيان ، ج 1 ، ص 213.
5 ـ سورة البقرة ، الآية 132.
6 ـ وصايا الرسول ، ص 9.
7 ـ لسان العرب ، ج 15 ، ص 394.
    وقال في القاموس ، « أوصاه ووصّاه توصية ، عهد إليه ، والإسم الوَصاة ، والوصاية ، والوصيّة » (1).
    وفي التاج ، « أوصاه إيصاءً ، ووصّاه توصيةً ، إذا عهد إليه » (2).
    وجاء في المصباح ، « أوصيته بولده ، إستعطفته عليه ، وأوصيته بالصلاة ، أمرته بها ، ولفظ الوصيّة مشترك بين التذكير والإستعطاف وبين الأمر ، ويتعيّن حمله على الأمر » (3).
    وقال في المجمع ، « العهد ، الوصيّة والأمر ، يقال ، عهد إليه بعهد من باب تعب إذا أوصاه ، ومنه قوله تعالى : ( وعَهِدنا إلى إبراهيم ) أي وصّيناه وأمرناه » (4) فالمستفاد عرفاً ولغةً أنّ الوصايا هي العهود المأخوذة ، والأوامر الواردة والنواهي الواصلة ، والمواعظ الصادرة من الموصي للوصي.
    والوصايا النبوية المقصودة هنا هي العهود والأوامر والنواهي والمواعظ والآداب الموجّهة من سيّدنا النبي لوصيّه الإمام أمير المؤمنين علي عليهما وآلهما السلام الذي هو المشكاة النبراس لهداية الناس ( … مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ فِي زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأنّها كَوكَبٌ دُرّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبارَكَة زَيْتُونَة لاَّ شَرْقيَّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكادُ زَيّتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ ) (5).
    هذا .. والذي نأمله في هذا الكتاب الجامعية في وصايا الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) 1 ـ القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400.
2 ـ تاج العروس ، ج 10 ، ص 392.
3 ـ المصباح المنير ، مادّة وَصَى.
4 ـ مجمع البحرين / ص 220.
5 ـ سورة النور ، الآية 35.
للإمام أمير المؤمنين عليه صلوات المصلّين ..
    وقد كانت متفرّقة في مختلف الكتب على إختلاف الأبواب مطبوعها ومخطوطها فأحببت جمعها وتوضيح ما لزم بيانه وتبيانه من كلماتها ومضامينها وشرح غريبها لتكون هدىً لنفسي وهديّةً لأحبّتي.
    وأسأل الله تعالى التوفيق المأمول والتفضّل بالقبول.
قم المشرّفة ـ عيد الفطر المبارك ـ سنة 1417 هجرية
علي بن السيّد محمّد الحسيني الصدر

1
    في كتاب الفقيه ، روى (1) حمّاد بن عمرو ، وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال له :
    يا علي ، اُوصيك بوصيّة فاحفظها فلا تزالُ بخير ما حفظتَ وصيّتي :
    يا علي ، مَن كظَم غيظاً (2) وهو يَقدر على إمضائِه أعقبَه اللّهُ يومَ القيامةِ أمْناً وإيماناً يجدُ طعمَه (3).

بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين وصلواته على سادة خلقه محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين ، آمين ربّ العالمين.
    (1) هذه الوصيّة الشريفة من الوصايا الجامعة والمواعظ البالغة التي أوصى بها رسول الله إلى أمير المؤمنين ، فكانت منار النور ومصباح الديجور للاُمّة المهتدية بهدى نبيّها والسالكة طريق عَليِّها … رزقنا الله تعالى الإستضاءة بنورهم والتمسّك بولايتهم التي هي سعادة الحياة وصراط النجاة .. وهي الأمان من الضلالة ، والضمان للهداية حتّى الورود على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    (2) كظم الغيظ هو حبسه وتجرّعه ممّن هو قادر على إمضائه وإنفاذه.
    (3) فمرارة كظم الغيظ تثاب بحلاوة طعم الأمن والإيمان ، وتعوّض

    يا علي ، مَن لم يُحسن وصيَّته عندَ موته (4) كان نقصاً في مروءَته (5) ،

بالطمأنينة في القلب ولذّة اليقين والإرتباط بالله تعالى.
    (4) حُسن الوصيّة إتيانها بحدودها وشروطها ومستحبّاتها كاملة مع حسن التدبير فيما خلّف ، وعدم الإضرار بالورثة والعهد إلى الله (1).
    فإن لم يأت الإنسان بالوصيّة أو أوصى بخلاف المشروع أو وصّى بما لا ينفعه أو لم يوصّ بخير في ثلثه أو لم يوصّ بإنفاذ وأداء ما إشتغلت به ذمّته ، أو لم يوصّ بشيء لذوي قرابته ممّن لا يرثه لم يحسن الوصيّة ..
    فاللازم أن يوصي ويحسن ويجعل أحد المؤمنين الثقات وصيّاً له بل الأولى أن يجعل وصيّه ثقتين أو يجعل أحدهما وصيّاً والآخر ناظراً على تنفيذ الوصيّة ، بل يجب إن أمكن أن يفرغ من ديونه قبل أن يموت لتحصل له البراءة اليقينيّة كما أفاده والد المجلسي ( قدس سره ) (2).
    (5) المروءة بالهمزة وقد تشدّد ويقال ، مروّة فُسّرت في كلام الإمام المجتبى ( عليه السلام ) بأنّها ، شُحّ الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق (3).
    هذا في الحديث ، وامّا في اللغة (4) فالمستفاد منها أنّ المروءة من الآداب النفسية التي تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات وقد تتحقّق بمجانبة ما يؤذن بخسِّة النفس (5). 1 ـ لاحظ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 353 ، ب 3 ، ح 1.
2 ـ روضة المتّقين ، ج 12 ، ص.
3 ـ سفينة البحار ، ج 8 ، ص 51.
4 ـ كثيراً ما نذكر في هذا الكتاب الحاصل المستفاد من اللغة في شرح الكلمة من دون ذكر نصوص كلمات اللغويين رعاية للإختصار فليُعلم.
5 ـ مجمع البحرين ، مادّة مرأ ، ص 82.
ولم يملِك الشفاعة (6).
    يا علي ، أفضلُ الجهادِ مَن أصبح لا يَهِمُّ بظلمِ أحد (7).
    يا علي ، مَن خاف الناسُ لسانَه فهو من أهلِ النار (8).

وفُسّرت أيضاً بأنّها تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كما قاله الشهيد الأوّل ( قدس سره ) (1).
    (6) أي لا يستحقّ أن يشفع لأحد أو أن يشفع له أحد لتفريطه في الإحسان إلى نفسه حيث لم يوص بعمل خير في ثلثه كما في حاشية المولى التفرشي على الفقيه المسمّاة بالتعليقة السجّادية.
    وهذا البيان منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يكذّب قول مَن ادّعى أنّه صلوات الله عليه وآله مات ولم يوصّ إلى أحد وترك الأمر للاُمّة حتّى تختار خليفتها وحاشاه أن يترك الأمر سُدى أو يفعل ما عنه نَهى.
    (7) أي صار بحيث لا يريد أن يظلم أحداً ، وسمّي ترك الظلم جهاداً لإشتماله على مجاهدة النفس التي هي الجهاد الأكبر كما في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، أنّ النبي بعث بسريّة فلمّا رجعوا قال ، مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقى الجهاد الأكبر ، قيل ، يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ قال ، جهاد النفس (2).
    (8) أي خاف الناس من لسانه بالغيبة والإفتراء والإيذاء ممّا حرّمه الله تعالى ، وفي حديث عبدالله بن سنان أيضاً عن أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) ، « من خاف الناس لسانه فهو في النار » (3). 1 ـ الدروس ، ص 190 ، كتاب الشهادات.
2 ـ فروع الكافي ، ج 5 ، ص 12 ، باب وجوه الجهاد ، ح 3.
3 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 327 ، ح 3.
   

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...