الرئيسية / الشهداء صناع الحياة / – 39 أبو حسن العلي

– 39 أبو حسن العلي

الشهيد فالحٛ حسين وادي العليۣ  منطقة بني منصور إحدى المناطق الواقعة بين قضائي القُرنة والمدَيْنة من توابع محافظة البصرة، وتقع على الجهة اليمنى لنهر الفرات وتمتد بساتين النخيل بامتداد عشائر بني منصور، وعشيرة العلي إحدى هذه العشائر وتقع في منطقة أبوغَرِيب، ففي تلك الأرض الطيبة ولد فالح عام1955م، وسط أجواء مفعمة بالطيبة والفطرة السليمة.
درس في مدرسة الفرات الابتدائية ثم في متوسطة الإمام علي‌عليه‌السلام في قضاء المدَيْنة ولم يكمل دراسته بسبب الظروف التي كانت تمر بها أسرته فاتجه إلى العمل.
ينحدر فالح من أسرة عُرفت بطابعها الديني وموالاتها لأهل البيت‌عليهم‌السلام، عانت من أجل دينها الكثير وقدّمت في سبيل ذلك القرابين،

 

فكان أولهم الشهيد محمد موسى العلي الذي اعتقل في الشهر التاسع من عام1980م، حيث حكم عليه بالإعدام ونفّذ الحكم فيه ولم يسلمّ جثمانه الطاهر إلى ذويه بل لم يُعثر حتى على رفاته، وشهداء آخرين منهم الشهيدين ملافاخر سفيّح وملاعبدالعالي حمد، وهما من خطباء المنبر الحسيني،

 

كان لهما الدور المشهود والمعروف ولهما الأثر الكبير في هداية الناس وإرشادهم، وكانا يتمتعان بالمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند أهالي المنطقة. فقد قام النظام البعثي بدس السم إليهما، ليخنق بقتلهما صوت الثورة الحسينية الهادر حتى لايغترف الناس من فيض نميرها الصافي. كل ذلك حدث في عقد الثمانينات وضمن الحملة التي شنها النظام ودوائره الأمنية ضد الثلّة المؤمنة من أبناء العراق الغيارى.
وسط تلك الأجواء الإيمانية، تربى فالح وترعرع واشتد عوده، فنشأ شابا مؤمنا حسينيا.
انخرط في السلك العسكري فأصبح نائب ضابط في الجيش العراقي صنف الدروع، وامتاز بعلاقات واسعة في منطقته، وبين زملائه في الوحدة العسكرية.
القرار الصائب في الوقت المناسب
الحياة مواقف وعبر، فرب لحظة تفكير واتخاذ قرار تغير مسيرة إنسان من الظلال إلى الهدى، من الظلم إلى العدل، من محاربة الدين إلى نصرته وبالنتيجة من النار إلى الجنة. هكذا فعلت ثلة من أبناء العراق عندما محصوا بالبلاء، ومن بين من نجح واجتاز تلك المرحلة بسلام واتخذ القرار في الوقت المناسب هو فالح وإخوته.
لقد دقت طبول الحرب وزُج بأبناء الرافدين فيها، إدامة للحرب على المؤمنين، من مختلف شرائح المجتمع العراقي، فسجن من سجن وأعدم من أعدم وفرّ من فرّ بدينه، وبقي آخرون قابضين على دينهم كالقابض على جمر. أما فالح وإخوته فكانوا خمينيون تارة، وحزب الدعوة تارة، ورجعيون تارة أخرى،

 

تسميات كان يطلقها البعثيون فكانت تسرهم ولاتحزنهم، لأنهم ملتزمون بدينهم وعقيدتهم. وهذه قصتهم ننقلها بكل أمانة نقلا عن الشهداء أنفسهم وكذلك عن المجاهد عبدالله الكعبي( ) الذي روى :
(طلب منا أحد الضباط الحضور إلى مقر الفرقة الخامسة، والدفاع عن أنفسنا لوجود كتاب بإلقاء القبض علينا، وكنا ثلاثة نواب ضباط في إحدى السرايا المدرعة — أنا وفالح وعبدالرحمن( ) — تربطنا علاقة إيمانية…
في تلك اللحظات الحرجة قال لنا أبوياسين (يجب علينا أن نتخذ قرارا حاسما هذه الليلة، ونترك الجبهة ونسلم إلى قوات الجمهورية الإسلامية قبل فوات الأوان).
كانت الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل…

 

قلت لفالح وعبدالرحمن سأفاتح جمال خماس( ) وعامر ياسين( ) بالأمر عسى أن يذهبا معنا وقد كانا جنديين مكلفين معي في ناقلة الأشخاص، وبالفعل فاتحتهما فوافقا، ووضعنا الخطة التالية:
لعب أبوياسين دور مسؤول يريد معاقبة مقصريين في واجبهم، فقام بإرسالهم لجلب إحدى ناقلات الأشخاص المعطوبة، وهنا أخد السيد جمال بالتوسل بأبي ياسين… سيدي سامحني اشتبهت لكن أبو ياسين أصر عليه وأمره بالتقدم لاجتياز آخر الحجابات…
تقدمنا — في وقت كانت منطقة شرق البصرة تشهد هجوما لقوات الجمهورية الإسلامية في شهر رمضان من عام1403ه‍ والموافق لليلة18/7/1982م — نعم تقدمنا إلى الأمام بسرعة لكن أحد الضباط شك في الأمر، بل عرف أننا نروم تسليم أنفسنا إلى قوات الجمهورية الإسلامية، فأمر بأطلاق النار علينا من مختلف الأسلحة بما فيها المدفعية التي أخذت تقصف المنطقة قصفا مركزا، ومن حسن الحظ عثرنا على موضع دبابة فاستترنا فيه إلا أبا ياسين فلم نعرف عن مصيره شيئا…
وصلنا بسلام واستقبلنا بحرارة من قبل حرس الثورة، الذين كانوا على أهبة الاستعداد لما رأوا من إطلاق نار كثيف. كنا قلقين على صاحبنا لكنه وصل بعدنا بنصف ساعة.
بعد التحقيق معنا من قبل حرس الثورة، نقلنا إلى مدينة الأهواز، لكنا فوجئنا بتغير الأمور فقد اعتبرنا أسرى قرابة سنتين، فاعترضنا على مسؤول المعسكر —

 

علي أفشاري — لكن دون جدوى فأصابنا الحزن لأن هدفنا الالتحاق بالمجاهدين والمشاركة معهم.
بقينا مع الأسرى ولم يصدق علي أفشاري إدعاءنا… ذات يوم أعد وليمة لكل الأسرى وقال (ان هدفي من هذه الوليمة هو أني رأيت في المنام الإمام الحسين‌عليه‌السلام ولأربع ليال متتالية، يقول لي أطلق سراح تلك المجموعة وفي كل مرّة أبرر ذلك، لكنه عليه‌السلام في الليلة الرابعة وضع حربة حادة على بطني وقال لماذا لاتطلق سراحهم!)
أعلن ذلك أمام الأسرى وأطلق سراحنا نحن الخمسة، فالتحقنا بمجاهدي بدر وكانت الأشهر الأولى لتشكيله…)( ).
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾
التحق أبوحسن العلي( ) ورفاق دربه بمعسكر المجاهدين ضمن الدورة الرابعة بتاريخ30/10/1983م، وبعد انتهائها ولكونه وإخوته من ضباط الصف في الجيش العراقي وممن له الخبرة العسكرية الكافية، لهذا كانوا من خيرة الكادر في قوات بدر.
شارك مع مجاهدي بدر في عدة واجبات جهادية، وجرح في يده ورجله وأماڪن أخرى من جسمه وهو يؤدي واجبه في هور الحويزة النقطة الرابعة( )، إثر استهدافهم من قبل إحدى طائرات العدو البعثي، ولكن لم تثنه الجراح والآلام، ولم تفت في عضده بل عاد مرة أخرى إلى هور الحويزة ليشارك إخوانه جهادهم رغم الجراح.
اشترك في معركة حاج عمران وكانت محطته الأخيرة، فقد جرح أثناء الهجوم وكان آمرا لإحدى السرايا، واستمر رافضا الانسحاب حتى يطمأن على سير العمليات، فآثر البقاء رغم ما به من جراح، وكيف لاوهو المعروف بشجاعته وتفانيه من أجل عقيدته.
عُرف بسمو روحه، وبخلقه الرفيع، بعبادته وسلوكه، حسينيا لايقبل المساومة، ولاتأخذه في الله لومة لائم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوصي إخوانه بذلك.
واصل تواجده في المنطقة إلى اليوم الثاني من العمليات مع ما به من جراح لتعزيز مواقع المجاهدين، وشاء الله أن يرزقه الحُسنَيين معا، فبعد أن رأت عيناه حسنى النصر لم يحرمه الله من حسنى الشهادة يوم1/9/1986م. فرجعت روحه المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية ملتحقا بركب الخلود مع الحسين وصحبه الميامين.
سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا

2

الشهيد أبو حسن العلي مع السيد علي الميالي في أحد ميادين التدريب.

شاهد أيضاً

آداب الصلاة 13 سماحة الشيخ حسين كوراني

. أقرأ ايضا: أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي وإذا أراد الأميركي وقف ...