الرئيسية / الاسلام والحياة / ليالي بيشاور – 59 حوارات وبحوث اسلامية ناجحة حرة هادفة في العقيدة الاسلامية

ليالي بيشاور – 59 حوارات وبحوث اسلامية ناجحة حرة هادفة في العقيدة الاسلامية

نحن نتبع الحق !

قلت : إني أعجب من الشيخ إذ يتهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة ! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته ؟!

حتى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أننا نتبع طريق اللجاج والعناد !!

وإني أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنة عموما .

وإني أشهد الله ربي وربكم أني ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع الماديين والوجوديين ، وسائر المذاهب و الفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عز وجل وأبحث عن الحق والحقيقة على أساس المنطق والعقل وأصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد وقبلة واحدة ؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحق عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيم علينا الاتحاد والائتلاف ، ويتحقق أمر عز وجل إذ يقول : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )(29).

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثرتم بكلمات وأكاذيب الأمويين المعادين للنبي (ص) وأهل بيته الطيبين فقلدتم الناكثين والمارقين المتعصبين ضد الإمام علي أمير المؤمنين وشيعته أهل الحق واليقين .

فإن تخليتم عن أقاويل أولئك ، وتحررتم عن التعصب والتقليد الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنا نصل إنشاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحق المعهود .

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلات ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إياهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحق ، وكنا نحب زيارتكم ونتشوق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم على الحق .

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المروية على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا من منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتم نقاط تعرضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق .

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنكم ستوافقون عليه ولا تردونه ، لأنه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى .

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أرد الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية . ولكن اعلموا أني حينما كنت أحاور الفرق الملحدة مثل الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجون عليّ في إثبات ادعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية !

لأن بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعددة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبي الكريم (ص) لأحد أن يفسر القرآن برأيه ، فقال :

” من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ” .

وقد وكل هذا الأمر الهام إلى أهل بيته الكرام (ع) ، فقال :

” إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ” .

وقد أجمعت هذه الأمة على صحة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الذين جعلهم النبي (ص) مع القرآن ككفتي ميزان .

والله سبحانه أيضا أمر الأمة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )(30).

والمقصود من أهل الذكر : علي بن أبي طالب والأئمة من بنيه (ع) كما روى الشيخ سليمان الحنفي في ” ينابيع المودة ” الباب 39 نقلا عن تفسير ” كشف البيان ” للعلامة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن علي (ع) ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(31).

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول الله (ص) لقوله تعالى : ( … قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات … )(32) .

فأهل الذكر هم آل النبي (ص) ، وأهل القرآن الذين نزل الوحي في بيتهم ، فهم أهل بيت النبوة وأهل بيت الوحي .

ولذلك كان علي (ع) يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من أنزلت ، وإن ربي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا … إلى آخره .

ملخص القول في نظرنا … إن الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلا إذا كان كل إنسان يفسر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع اختلاف في الكلمة والتشتت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه .

والآن وبعد هذه المقدمة فإنا نستمع لبيانكم .

الشيخ عبد السلام : لقد أول بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :

( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود … )(33).

قالوا : ( والذين معه ) إشارة إلى أبي بكر الصديق ، فهو كان مع رسول الله (ص) في كل مكان حتى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنورة .

والمقصود من ( أشداء على الكفار ) : هو عمر بن الخطاب (رض) الذي كان شديدا على الكفار .

والمراد من ( رحماء بينهم ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنه كان كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة .

والمعني من ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) هو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فإنه ما سجد لصنم قط .

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين !

قلت : يا شيخ ! إني أعجب من كلامك وفي حيرة منه ! ولا أدري من أين جئت به ؟! فإني لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان هذا الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدمون على الإمام علي (ع) احتجوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (ع) من البيعة لهم .

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري و الثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم .

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلا رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإن القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبي (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )

وإذا قلت : إن ما قلته هو تأويل لا تفسير .

فأقول : إن مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إن في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أولا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة .

وثانيا : صياغة الجمل فـ ( محمد ) (ص) : مبتدأ ، و( رسول الله ) : عطف بيان أو صفة ، ( والذين معه ) : عطف على ( محمد ) (ص) و ( أشداء ) وما بعدها : خبر ، ولو قلنا غير هذا فهذا غير معقول وخارج عن قواعد العربية والأصول .

ولذا فإن جميع المفسرين من الفريقين قالوا : إن الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبي (ص) جميعا .

ولكني أقول : إن هذه الصفات ما اجتمعت في كل فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي إن بعضهم كانوا ( أشداء على الكفار ) وبعضهم كانوا ( رحماء بينهم ) وبعضهم ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) ولم يكن من المؤمنين إلا رجل واحد جمع كل هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، فهو الذي كان مع النبي (ص) من أول رسالته وبعثته حتى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبي (ص) في حجر وصيه وابن عمه علي بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا .

الشيخ عبد السلام : إنك قلت : بأني لا أجادل ولست متعصبا ! بينما الآن تظهر التعصب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أي فرد من أهل العلم !

أما قرأت قوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )(34).

هذه الآية الكريمة إضافة على أنها تؤيد رأينا في تأويل الآية السابقة : ( والذين معه ) فهي تسجل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيدنا أبي بكر الصديق (رض) ، لأن مصاحبته للنبي (ص) تدل على منزلته عنده ، ودليل على أن رسول الله (ص) كان يعلم بعلم الله أن أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبي أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته .

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لو وجدتم أنها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إني أتعجب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلا معاند متعصب !

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأني أخشى أن يمس ويخدش البحث عواطفكم ، فإن الكلام يجر الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمله العوام ، لسوء ما تركز عندهم في الأفهام .

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بين لنا كل ما عندك من الجواب والرد على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنه الحق الذي أمر به محمد سيد الأنام (ص) .

قلت : إن إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسؤولية في كشف الحق وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض علي الرد والجواب ، حتى يعرف الحاضرون كلمة الحق والسداد ، فأقول :

أولا : قولك : إن النبي (ص) حمل معه أبا بكر ، لأنه (ص) كان يعلم انه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شر المشركين ، كلام غريب ..

لأن النبي (ص) إذا حمله لهذا السبب ، فلماذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حد زعمكم ؟! عمر وعثمان وعلي ، لأنهم كانوا في مكة مهددين أيضا !

فلماذا هذا التبعيض ؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبي (ص) بنفسه !

هل هذا من العدل والإنصاف ؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج3 : إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبي (ص) فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول الله (ص) ، فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبي (ص) ، فرآه في الطريق فأخذه النبي (ص) معه .

فالنبي (ص) إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول .

وقال بعض المحققين : إن أبا بكر بعدما التقى بالنبي (ص) في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ، لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه به الشيخ أبو القاسم بن الصباغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه

” النور والبرهان ” :

إن رسول الله (ص) أمر عليا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار !

ثالثا : أسألك أن تبين لنا محل الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجلتها الآية الكريمة لأبي بكر ؟!

الشيخ عبد السلام : محل الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أولا : صحبة النبي (ص) ، فإن الله تعالى يعبر عن الصديق (رض) بصاحب رسول الله (ص) .

ثانيا : جملة : ( إن الله معنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيدنا أبي بكر .

ومجموعها تثبت أفضلية سيدنا الصديق وأحقيته بالخلافة .

قلت : لا ينكر أحد أن أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنه زوج ابنته من النبي (ص) .

ولكن هذه الأمور لا تدل على أحقيته بالخلافة .

وكذلك كل ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البر والخير ، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار .

شاهد أيضاً

مقاطع مهمه من كلام الامام الخامنئي دامت بركاته تم أختيارها بمناسبة شهر رمضان المبارك .

أذكّر أعزائي المضحين من جرحى الحرب المفروضة الحاضرين في هذا المحفل بهذه النقطة وهي: أن ...