الرئيسية / الاسلام والحياة / العفو – ولي أمرالمسلمين ارواحنا فداه

العفو – ولي أمرالمسلمين ارواحنا فداه

العفو من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في معاشرته مع الناس، فإن أساء إليكم شخص من الممكن أن تسيئوا إليه كما أساء إليكم. لكن اعفوا عنه واصفحوا، فالعفو من أحسن الصفات وأسماها في الأوقات التي يتعرض فيها المرء لإساءة أو سوء أدب من قبل أخيه المؤمن، وفي لحظات الغضب والانفعال التي تدعو صاحبها إلى رد السوء بالسوء.

في تلك الحالات يكون الإنسان حيواناً حقيقياً، أسير غضبه ونفسه التي تستهدف فقط منافعها الشخصية. وعند العجز عن رد الإساءة بالمثل يقبل البعض بالذلة والضعف، ومتى سنحت الفرصة للرد يكون الرد وحشياً شديداً. إن هذه مسـألة طبيعية لدى الإنسان، ولكن علينا ضبطها وتقييدها.هذه الحالة الحيوانية التي تظهر حين غضبنا وحين الرد على من أساء إلينا، يجب أن نسيطر عليها.

 

عفو رسول الله (ص)

إن النبي (ص) عفا عن وحشي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، لقد كان لقتل حمزة في “أحد” وقع كبير على قلب النبي (ص). وقد قيل ان الرسول (ص) أقسم إنه اذا وجد الوحشي سيفعل به كذا وكذا… وبعد حإثة “أحد” التي كانت في العام الثالث بعد الهجرة مرت السنين إلى أن تم فتح مكة في العام الثامن، وكان الوحشي حينها في مكة ففر منها إلى الطائف حيث إنها كانت أبعد، ولكن أهل الطائف عندما رأوا جيوش النبي (ص) تتحرك نحوهم أرسلوا جماعة لإبلاغ النبي (ص) باستسلامهم، فعلم الوحشي بذلك وخاف على نفسه، كما هو حال أمثاله اليوم زمن الحرب مع العراق. نعم فأعداء الثورة الذين فروا إلى العراق كانوا يخافون من الإيرانيين أن يدخلوا العراق ويقضوا عليهم، وهكذا كان الوحشي. ففكر أن يذهب إلى اليمن أو الروم أو الشام، لكن الوقت لم يسعفه ولم يقدر على الذهاب إلى أي مكان، فقال له أحد أصدقائه انه لا داعي لأن يحزن فالنبي (ص) رجل رحيم وسوف يعفو عنه إن آمن به وبدينه، ولأن وحشياً لم يجد مفراً غير هذا، فقد ذهب إلى النبي (ص) ليلاً ودخل عليه فجأة، حتى إذا ما رآه النبي (ص) نطق وحشي بالشهادتين. لقد نظر النبي (ص) إليه نظرة غاضبة وقال: “هل أنت وحشي”. فقال: نعم. وكان من حق النبي (ص) وباستطاعته قصاصه (وإن أسلم)، لكنه قال (ص): “ويحك تغيب عني” حيث تقال هذه الكلمة عند اظهار الرحمة والشفقة والتعامل بالحسنى، وقد يفسر قول النبي (ص) الكريم أنه لم يرد رؤية وحشي حتى لا يثير أحاسيسه ويذكره بالجرم الذي ارتكبه، وهكذا فقد عفا الرسول (ص) عنه.

 

نموذج آخر من عفو النبي (ص)

يروى أنه في بداية الدعوة الإسلامية أتى رجل إلى النبي في مكة وبصق في وجهه ـ لاحظوا أن الإنسان اذا بُصق في وجهه كيف سيكون حاله ـ فقال له النبي (ص) انه سيقتله إن وقع بين يديه يوماً. ولقد عرف المسلمون أن هذا الرجل أهان الرسول (ص) وأنه (ص) ينوي قتله. وبعد مرور عدة حروب وانتشار الدين الإسلامي بشر أحدهم النبي (ص) بأنه تم القبض على ذلك الرجل وسيؤتى به إلى النبي (ص). كان النبي (ص) ـ ومن حقه ذلك ـ يريد قتله، فلما أُحضر بين يديه نزع النبي (ص) رداءه وسحب سيفه ثم تحرك نحوه، فقال ذلك الرجل: “أشهد أن لا اله إلاّ الله”، فقال الرسول (ص): “ألست فلاناً؟” قال: “بلى”. قال (ص): “أرأيت كيف أذلّك الله وأعز الإسلام”، قال: “نعم، ولكن لا تقتلني” وأسلم… عندها أعاد الرسول سيفه إلى غمده وارتدى عباءته وقال: “دعوه”.

طبعاً يصح العفو في غير إقامة الحدود الشرعية، أما فيما يتعلق بالحد الشرعي فيجب تطبيقه دون تردد. لا يمكن أن يعفو الإنسان عن أعداء الله، لكن الإمام وقائد الأمة الإسلامية باستطاعته، ونيابة عن الأمة الإسلامية، العفو عن بعض الكفار والمؤمنين الخاطئين؛ لكن يده ليست مبسوطة إلى الحد الذي يفعل فيه ما يريد. المسلمون لا يعفون عن حق الله، ولكن باستطاعتهم العفو في ما يتعلق بهم.

 

أحاديث النور

قال الإمام الصادق (ع):

“العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين، وتفسير العفوان لا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهراً، وتنسى من الأصل ما أصبت منه باطناً، وتزيد على الاختيارات احساناً، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً إلاّ من قد عفى الله عنه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وزيّنه بكرامته وألبسه من نور بهائه، لأن العفو والغفران صفتان من صفات الله عز وجل أودعهما في أسرار أصفيائه ليتخلقوا مع الخلق بأخلاق خالقهم وجعلهم كذلك. قال الله عز وجل:

{وليعفوا وليصفحوا ألاّ تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}

ومن لا يعفو عن بشر مثله، كيف يرجو عفو ملك جبار.

قال النبي (ص) حاكياً عن ربه يأمره بهذه الخصال، قال (ص): صلْ من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء اليك، وقد أمرنا بمتابعته، يقول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

والعفو سر الله في القلوب، قلوب خواصه ممن يسرُّ له سر، وكان رسول الله (ص) يقول: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم. قالوا: يا رسول الله، وما أبو ضمضم؟ قال: رجل كان ممن قبلكم، كان إذا أصبح يقول اللهم إني أتصدق بعرضي على الناس عامة.

بحار الأنوار، ج71، ص423

 

شاهد أيضاً

نعمة الدعاء – ولي أمرالمسلمين ارواحنا فداه

إن من أعظم النعم الإلهية التي وهبها الله للإنسان نعمة الدعاء. يكفي أن الله سبحانه ...