الرئيسية / الاسلام والحياة / الامثال في القران الكريم مصدرا للهداية الالهية

الامثال في القران الكريم مصدرا للهداية الالهية

46) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
وهناك اسباب أخرى مختلفة تمنعنا من التوجه المباشر لاغلب الناس حفاظا على مشاعر الاخرين وخوفا من ردة فعلهم،فنلجأ الى الاسلوب غير المباشر مضطرين الى تطبيق المثل القائل اياك اعني واسمعي يا جارة.وقد ذكر الامام الرضا عليه السلام الكثير من الآيات الموجه للنبي صلى الله عليه واله والمقصود بها آخرون وهي أيضا على طريقة اياك اعني واسمعي يا جارة،فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه واله بقول(لئن اشركت ليحبطن عملك..)
فهل يعقل ان النبي صلى الله عليه واله الصادق الامين الذي اختاره الباري تعالى لخاتمة رسالاته ان يكون من المشركين،فلابد هنا من القول ان المقصود هو غير النبي صلى الله عليه واله على طريقة المثل إياك اعني واسمعي يا جارة.
20- (أخلف من عرقوب) :
(عرقوب) رجل من العماليق، وكان من حديثه أنّه وعد رجلاً ثمر نخلة، فجاء الرجل حين أطْلَعَت، فقال: دعها حتى تصير بلحًا، فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير رطبًا، فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرًا، فلما أتمرت عمد إليها من الليل [فجذ ّها] (1) ولم يعطه منها شيئًا، فصارت مثلاً في الخلف، فقيل: ” أخلف من عرقوب “.
لقد خلق الله تعالى نماذج من البشر يمكن توفرها في كل زمان ومكان،كالنماذج المؤمنة فبين صفاتها وأعمالها لكي نقتدي بها،ومن جهة أخرى بين لنا نماذج اخرى سماها منافقة،وشرح للناس اوصافها،فقال في سورة التوبة مثلا(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
وبعد ذلك يشرع القرآن الكريم في ذكر خمس صفات لهؤلاء:
الأُولى والثّانية: إنّهم يدعون الناس إلى فعل المنكرات ويرغبونهم فيها من جهة، ويُبعدونهم وينهونهم عن فعل الأعمال الصالحة من جهة أُخرى (يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) أي أنّهم يسلكون طريقاً ويتّبعون منهاجاً هو عكس طريق المؤمنين تماماً، فإنّ المؤمنين يسعون دائماً ـ عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ إِلى أن يصلحوا المجتمع وينقوه من الشوائب والفساد، بينما يسعى المنافقون إِلى إفساد كل زاوية في المجتمع واقتلاع جذور الخير والأعمال الصالحة من بين الناس من أجل الوصول إِلى أهدافهم المشؤومة، ولا شك أنّ وجود مثل هذا المحيط الفاسد والبيئة الملوّثة ستساعدهم كثيراً في تحقيق أهدافهم.
الثّالثة: إنّ هؤلاء بخلاء لا يتمتعون بروح الخير للناس فلا ينفقون في سبيل الله، ولا يعينون محروماً، ولا يستفيد أقوامهم ومعارفهم من أموالهم، فعبّر عنهم القرآن: (ويقبضون أيديهم) ولا شك أنّ هؤلاء إنّما يبخلون بأموالهم لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة والثواب والجزاء المضاعف لمن أنفق في سبيل الله، بالرغم من أنّهم كانوا يبذلون الأموال الطائلة من أجل الوصول إِلى أغراضهم وآمالهم الشريرة الدنيئة، وربّما بذلوها ريإً وسمعة، لكنّهم لا يقدمون على البذل على أساس الإِخلاص لله سبحانه وتعالى.
الرّابعة: إِنّ كل أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم يوضح أن هؤلاء قد نسوا الله، والوضع الذي يعيشونه يبيّن أن الله قد نسيهم في المقابل، وبالتالي فإنّهم قد حُرموا من توفيق الله وتسديده ومواهبه السنية، أي أنّه سبحانه قد عاملهم معاملة المنسيين، وآثار وعلامات هذا النسيان المتقابل واضحة في كل مراحل حياتهم، وإلى هذا تشير الآية: (نسوا الله فنسيهم).
وهنا نودّ الإِشارة إِلى أن نسبة النسيان إِلى الله جلّ وعلا ليست نسبة واقعية وحقيقية ـ كما هو المعلوم بديهة ـ بل هي كناية عن معاملة لهؤلاء معاملة الناسي، أي إنّه لا يشملهم برحمته وتوفيقه لأنّهم نسوه في البداية، ومثل هذا التعبير متداول حتى في الحياة اليومية بين الناس، فقد نقول لشخص مثلا: إِنّنا سوف ننساك عند إعطاء الأجرة أو الجائزة لأنّك قد نسيت واجبك، وهذا تعبير يعني أنّنا سوف لا نعطيه أجره ومكافأته. وهذا المعنى ورد كثيراً في روايات أهل البيت(عليهم السلام) .
وممّا ينبغي الإِلتفات إِليه أنّ موضوع نسيان الله تعالى قد عطف بفاء التفريع على نسيان هؤلاء القوم، وهذا يعني أنّ نتيجة نسيان هؤلاء لأوامر الله تعالى وطغيانهم وعصيانهم هي حرمانهم من مواهب الله ورحمته وعنايته.
الخامسة: إنّ المنافقين فاسقون وخارجون من دائرة طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى، وقالت الآية: (إِنّ المنافقين هم الفاسقون).
ونلاحظ أنّ هذه الصفات المشتركة متوفرة في المنافقين في كل الاعصار. فمنافقو عصرنا الحاضر وإِن تلبسوا بصور وأشكال جديدة، إلاّ أنّهم يتحدون في الصفات والأُصول المذكورة أعلاه مع منافقي العصور الغابرة، فإنّهم كسابقيهم يدعون الناس إِلى الفساد ويرغبونهم فيه، وينهون الناس عن فعل الخير ويمنعونهم إن استطاعوا، وكذلك في بخلهم وإِمساكهم وعدم إِنفاقهم، وبعد كل ذلك فإنّهم يشتركون في الأصل الأهم، وهو أنّهم قد نسوا الله سبحانه وتعالى في جميع مراحل حياتهم، وتعديهم على قوانينه وفسقهم. وممّا يثير العجب أنّ هؤلاء بالرغم من كل هذه الصفات القبيحة السيئة يدّعون الإِيمان بالله والإِعتقاد الرصين بأحكام الدين الإِسلامي وأُصوله ومناهجه!
في الآية التي تليها نلاحظ الوعيد الشديد والإِنذار بالعذاب الأليم والجزاء الذي ينتظر هؤلاء حيث تقول: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنّم) وأنّهم سيخلدون في هذه النّار المحرقة (خالدين فيها) وأن هذه المجازاة التي تشمل كل أنواع العذاب والعقوبات تكفي هؤلاء، إذ (هي حسبهم) وبعبارة أُخرى: إنّ هؤلاء لا يحتاجون إِلى عقوبة أُخرى غير النّار، حيث يوجد في نار جهنم كل أنواع العذاب: الجسمية منها والروحية.
وتضيف الآية في خاتمتها أن الله تعالى قد أبعد هؤلاء عن ساحة رحمته وجازاهم بالعذاب الأبدي (ولعنهم الله ولهم عذاب أليم)، بل إِن البعد عن الله تعالى يعتبر بحد ذاته أعظم وأشد عقوبة وآلمها .
21- (القول ما قالت حذام) :
حذام بنت الريان: جاهلية يمانية، يضرب بها المثل في صدق الخبر. قالوا: إن (عاطس بن خلاج) زحف على أبيها في قبائل حمير وخثعم وجعفي وهمدان، فلقيهم أبوها في أربعة عشر حيا من أحياء اليمن. فاقتتلوا، ثم تحاجزوا. وشعر الريان بضعف جماعاته، فرحل بهم ليلا. وأصبح عاطس فجد في طلبهم. فلما كان قريبا منهم، رأت (حذام) أسرابا من القطا، مقبلة عليهم، فخرجت تقول:
(ألا يا قومي ارتحلوا وسيروا … فلو ترك القطا ليلا لناما).
وقام زوجها (واسمه في إحدى الروايات: لجيم بن صعب)، فأنشد:
(إذا قالت حذام فصدقوها … فان القول ما قالت حذام).
فلجأ قومها إلى واد امتنعوا فيه من عاطس، ونجوا. وضربت العرب بصدقها المثل. وقد تكون قصتها من مخترعات القصاص، شرحا للمثل.
والفائدة من هذه القصة هو تصديق المعروف بالصدق والوثاقة والفطنة لما قد يفيد حقيقة لانقاذ النفس والاهل والاصدقاء وخصوصا في هذا الزمن المادي الذي كثرت فيه الفتن،فلابد للمؤمن ان يكون فطنا لما يدر حوله،حيث ان الفطنة هي تجاوز العقل بالعقل ولا يمكن الحصول عليها إلا من خلال التفكر والتدبر بالامور فالانسان الفطن هو الذي يستطيع ان يغير الواقع نحو الاحسن وان ينقذ نفسه والاخرين في كثير من المواقف المحرجة.
22- (أوفى من السموأل) :
قصة الشاعر السموأل بن عاديا ، الشاعر الجاهلي المعروف. لقد ضرب المثل بوفاء هذا الشاعر وقيل “أوفى من السموأل” ، ذلك أنه شاعر آثر أن يضحي بابنه على أن ينكث بالعهد الذي أخذه على نفسه ، وظل السموأل مضرب مثل بالوفاء،إستودعه امرؤ القيس لما أراد الخروج إلى قيصر دروعا ، فلما مات امرؤ القيس غزاه ملك من ملوك الشام ، فتحرز منه السموأل فأخذ الملك ابنا له و كان خارجا من الحصن فصاح به : هذا ابنك في يدي و امرؤ القيس ابن عمي و من عشيرتي ، فإن دفعت إليّ الدروع و إلاّ ذبحت ابنك . قال : أجّلني . فأجّله ، فجمع أهل بيته و نساءه فشاورهم فكل أشار إليه أن يدفع الدروع و يستنقذ ابنه ، فأشرف عليه و قال : ليس إلى دفع الدروع سبيل ، فاصنع ما أنت صانع ، فذبح الملك ابنه و هو مشرف ينظر إليه ، ثم انصرف الملك بالخيبة فوافى السموأل بالدروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرى ء القيس و قال :
وفيت بأدرع الكندي إنّي إذا ما خان أقوام وفيت
وقالوا إنه كنز رغيب و لا و اللّه أغدر ما مشيت
بنى لي عاديا حصنا حصينا و بئرا كلما شئت استقيت
إن النفوس الشريفة والعفيفة دائما ما تصاحبها الاخلاق الكريمة وإن كانت غير مؤمنة والقصة الآنفة الذكر خير دليل على ذلك فأتى الاسلام مؤيدا لها موافقا لاسسها،ويقول الاسلام العزيز ان المؤمن يكون احرى واجدر بهذه الصفات بمعنى لزوم اتصافه بها والعمل على تحصيلها والالتزام بها،وخصوصا الوفاء وهي من اهم الصفات التي لابد للمؤمن ان يتصف بها في مقابل الله جل وعلا والنبي وآله صلى الله عليه واله وبالتالي ومن باب اولى بالنسبة للمؤمن وتعامله مع سائر الناس من المؤمنين وغير المؤمنين،وقد قال الامام الصادق عليه السلام :
(لا تنظروا الى ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شئ اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته)
23- (كأن على رؤوسهم الطير) :
قولهم: ” كأن على رؤوسهم الطير ” إذا سكنوا من هيبة. وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير فيلتقط منه الحلمة والحمنانة، فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر منه الغراب.
واما في مسألة الصيد للطيور فهي رياضة معروفة عند العرب وتحتاج فيها الى الاختفاء والسكون والصمت التام،ولذلك فان الصيادين يختبئون تحت الاشجار ولو احسّت صوتا او شعرت بحركة ما فزعت وطارت فأطلقوا هذا المثل في مثل هذه الامور.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله كثير الصمت والوقار طويل الاطراق والاعتبار وتكسوه هيبة يكون فيها الجالس عنده كالذين على رؤوسهم الطير إعظاما واجلالا له وهيبة منه.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...