الرئيسية / شخصيات اسلامية / العلماء ورثة الانبياء

العلماء ورثة الانبياء

الشيخ زين الدين الشهيد الثاني ابن نور الدين علي بن أحمد بن محمد
ابن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن مشرف الجبعي العاملي
ذكره في الأصل 2 ) . تولد 3 ) رحمه الله ثالث عشر شوال سنة إحدى عشرة
وتسعمائة ، وختم القرآن وعمره تسع سنين ، وقرأ على والده العلوم العربية
وبعض الفقه ، وكان قد جعل له راتبا من الدراهم بإزاء ما كان يحفظه من العلم
للتشويق والرغبة ، حتى توفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة وعمره إذ ذاك
أربعة عشر سنة .

 

 
فارتحل إلى ميس ولازم الفاضل الميسي علي بن عبد العالي ، وقرأ عليه
كتاب الشرائع والارشاد وأكثر القواعد .
ثم ارتحل إلى كرك ( نوح ) ولازم السيد الاجل الحسن بن جعفر الكركي ،
وقرأ عليه قواعد الشيخ ميثم والتهذيب والعمدة وهما في أصول الفقه لأستاذه
السيد المذكور ، وقرأ عليه الكافية في النحو وغير ذلك .
ثم ارتحل إلى جبع سنة أربع وثلاثين وتسعمائة ، وأخذ في مطالعة العلوم
والتدريس إلى سنة سبع وثلاثين ( وتسعمائة ) ، فرحل إلى دمشق وقرأ بعض
كتب الطب والهيئة على محمد بن مكي وبعض حكمة الاشراق ، وقرأ الشاطبية
على أحمد بن جابر .

 

 
حتى إذا كانت ( سنة ) ثمان وثلاثين رجع إلى جبع ، ومنها رحل إلى مصر
وجاء إلى الصالحية ، وقرأ جملة من الصحيحين على ابن طولون .
وتوجه إلى مصر منتصف ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة ، ولما
وصل منزله الرملة مضى إلى مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء
الذين في الغار وحده ، فوجد الباب مقفولا ، فوضع يده على القفل فجذبه
فانفتح ، فنزل إلى الغار فاشتغل بالصلاة والدعاء وحصل له اقبال بحيث ذهل
عن انتقال القافلة وسيرها ، وطال دعاؤه ، ولما فرغ وخرج وجد القافلة قد
ارتحلت ولم يبق أحد ، فأخذ يمشي على الأثر حتى تعب ، وإذا براكب لاحق
به ، فلما وصل إليه قال له : اركب خلفي ، فأردفه ومضى كالبرق ، فما كان الا قليلا
حتى لحق بالقافلة فأنزله ، فقال له : اذهب إلى رفقائك . وله أمثالها في تلك
السفرة .

 

 

 
ودخل مصر بعد شهرين من خروجه ، وقرأ على ستة عشر شيخا من شيوخ
مصر فنون كثيرة وأجازوه .
ثم ارتحل إلى الحجاز في شوال سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة ، ولما تم
الحج جاء إلى المدينة لزيارة قبر النبي والأئمة عليهم السلام ، وكان النبي
صلى الله عليه وآله قد أوعده في المنام بمصر بالخير ، ونظم قصيدة خاطب بها
النبي ” ص ” .

 

 
ورجع إلى جبع سنة أربع وأربعين وتسعمائة ، ثم سافر إلى العراق في
ربيع الاخر من السنة المذكورة وزار الأئمة عليهم السلام ورجع في خامس
شعبان من السنة المذكورة .

 

 
وأقام في جبع إلى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة ، ثم سافر إلى بيت المقدس
في ذي الحجة واجتمع ببعض علمائها وقرأ عليهم بعض صحيح البخاري وبعض
صحيح مسلم وأجازوه روايتهما بل ورواية عامة .
ثم رجع إلى وطنه وأخذ بمطالعة العلوم ومذاكرتها ، واستفرغ وسعه في
الفقه إلى أواخر سنة إحدى وخمسين وتسعمائة .
وفي ذي الحجة من هذه السنة عزم على التوجه إلى اسلامبول ، فرحل إلى
دمشق ومنها لي حلب ، دخلها سادس عشر محرم وخرج منها في صفر سنة
952 ، ودخل القسطنطينية في 12 ربيع الأول ، فكتب رسالة في عشرة مباحث
من عشرة علوم وأوصلها إلى قاضي عسكر محمد بن محمد بن قاضي زاده
والسلطان حينئذ سليمان خان ، فوقعت الرسالة منه موقعا حسنا وكان رجلا فاضلا ،
فأرسل القاضي الدفتر المشتمل على الوظائف والمدارس وبذل له ما اختاره من
تدريس المدرسة النورية ببعلبك التي وقفها السلطان نور الدين وعرضها على
السلطان وكتب بما يراه وجعل له في كل شهر ما شرطه وأنفقها ، واجتمع
بصاحب معاهد التنصيص هناك .

 

 

 
ورجع في رجب لاحد عشر يوم خلت منه ، وتوجه إلى العراق وزار الأئمة
عليهم السلام ، ورجع في صفر سنة 953 وأقام ببعلبك يدرس بالمذاهب الخمسة ،
واشتهر أمره وصار المرجع العام للأنام .
وبعد خمس سنين رجع إلى جبع بنية المفارقة ، وصار يدرس ويصنف ،
فصنف أولا الروض وآخر ما صنف الروضة صنفها في ستة أشهر وستة أيام ،
وكان غالب الأيام يكتب كراسة ، وكان يكتب بغمرة واحدة في الدواة عشرين
أو ثلاثين سطرا ، وخلف ألفي كتاب فيها مائتان كتاب كانت بخطه الشريف من
مؤلفاته وغيرها .

 

 
قال ابن العودي : وكان في غالب الزمان في الخوف الموجب لاتلاف
النفس والتستر والاخفاء الذي لا يسع الانسان أن يفكر معه في مسألة ، ومع ذلك
برز له من المصنفات والأبحاث والكتابات والتحقيقات والتعليقات ما هو ناش
عن فكر صاف وغارف من بحار علم واف – الخ .

 

 

 
ثم لما كانت سنة خمس وستين وتسعمائة – وهو في سن أربعة وخمسين –
ترافع إليه رجلان فحكم لأحدهما على الاخر ، فذهب المحكوم عليه إلى
القاضي بصيدا واسمه معروف وكان الشيخ مشغولا بتأليف شرح اللمعة ، فأرسل
القاضي إلى جبع من يطلبه – وكان مقيما في كرم له منفردا عن البلد متفرغا
للتأليف – فقال بعض أهل البلد : قد سافر عنا منذ مدة . قال : فخطر في بال
الشيخ أن يسافر إلى الحج وكان قد حج مرارا لكنه قصد الاختفاء ، فسافر في
محمل مغطى وكتب القاضي إلى السلطان أنه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع
خارج عن المذاهب الأربعة . فأرسل السلطان سليمان رستم باشا في طلب الشيخ
وقال له : أئتني به حيا حتى أجمع بينه وبين علماء بلادي فيبحثون معه ويطلعون
على مذهبه ويخبروني فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي .

 

 

 
فجاء الرجل فأخبر أن الشيخ توجه إلى مكة المشرفة ، فذهب في طلبه ،
فاجتمع به في طريق مكة ، فقال له : تكون معي حتى نحج بيت الله . فرضي
بذلك ، فلما فرغ من الحج سافر معه ، فلما وصل رآه رجل فسأله عن الشيخ
فقال : هذا رجل من علماء الشيعة أريد أن أوصله إلى السلطان . فقال له : أوما
تخاف أن يخبر السلطان بأنك قد قصرت في خدمته وآذيته وله هناك أصحاب
يساعدونه فيكون سببا لهلاكك ، بل الرأي أن تقتله وتأخذ برأسه إلى السلطان .
فقتله في مكان من ساحل البحر ، وكان هناك جماعة من التركمان فرأوا في تلك
الليلة أنوارا تنزل من السماء وتصعد ، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة .
وأخذ الرجل رأسه إلى السلطان ، فأنكر عليه وقال : أمرتك أن تأتيني به
حيا فقتلته . وسعى السيد عبد الرحيم العباسي صاحب معاهد التنصيص في قتل
ذلك الرجل فقتله السلطان .

 

 

 
وفي رواية : ان القبض عليه كان في المسجد الحرام بعد فراغه من صلاة
العصر ، فأخرجوه إلى بعض دور مكة وبقي هناك محبوسا شهرا وعشرة أيام ،
ثم سافروا به على طريق البحر إلى قسطنطنية وقتلوه بها في تلك السنة ، وبقي
مطروحا ثلاثة أيام ثم طرحوا جسده الشريف في البحر .
وحدث الشيخ البهائي عن والده أنه دخل في صبيحة بعض الأيام على
الشهيد فوجده متفكرا ، فسأله عن سبب تفكره فقال : يا أخي أظن أن أكون
ثاني الشهيدين وفي رواية ثاني شيخنا الشهيد في الشهادة لأني رأيت البارحة
في المنام أن السيد المرتضى علم الهدى عمل ضيافة جمع فيها جميع العلماء
الامامية بأجمعهم في بيت ، فلما دخلت عليهم قام السيد المرتضى ورحب بي
فقال لي : يا فلان اجلس بجنب الشيخ الشهيد ، فجلست بجنبه ، فلما استوى بنا
المجلس انتبهت ، ومنامي هذا دليل ظاهر أني أكون تاليا له في الشهادة .
وفي الدر المنثور : انه لما سافر السفر الأول إلى إسطنبول ووصل إلى
المكان الذي قتل فيه تغير لونه ، فسأله أصحابه عن ذلك فقال : يقتل في هذا
المكان . رجل كبير أو قال عظيم الشأن ، فقتل في ذلك المكان .

 

 

 
قال : ووجدت بخط الشيخ المرحوم المبرور الشيخ حسين بن عبد الصمد
رحمه الله بعد سؤاله ، وصورة السؤال والجواب : سئل الشيخ حسين بن عبد الصمد :
” ما يقول شيخ الاسلام فيما يروى عن الشيخ المرحوم المبرور الشهيد
الثاني أنه مر بموضع في اسلامبول ومولانا الشيخ سلمه الله معه فقال : يوشك
أن يقتل في هذا الموضع رجل له شأن ، أو قال شيئا قريبا من ذلك ، ثم انه رحمه
الله استشهد في ذلك الموضع ، ولا ريب أن ذلك من كراماته رحمه الله وأسكنه
جنان الخلد . نعم هكذا وقع منه قدس سره وكان الخطاب للفقير وبلغنا أنه
استشهد في ذلك الموضع ، وذلك ما كشف لنفسه الزكية ، حشره الله مع
الأئمة الطاهرين عليهم السلام . كتبه حسين بن عبد الصمد الحارثي ثامن عشر
ذي الحجة سنة 993 بمكة المشرفة زادها الله شرفا وتعظيما ” .
وكذا نقله أيضا السيد نعمة الله الجزائري في كتاب المقامات ، قال : وجدت
بخط المرحوم الشيخ حسين – إلى آخر ما تقدم .
وقد طبع كثير من مصنفاته مثل ” الروض ” و ” الروضة ” و ” المسالك “
و ” المقاصد العلية ” و ” الفوائد الملية ” و ” كشف الريبة ” و ” مسكن الفؤاد “
ورسالة ” الجمعة ” ومجموعة فيها عشرة رسائل من رسائله و ” بداية الدراية “
و ” شرحه ” و ” تمهيد القواعد ” ورسالة ” الحث على صلاة الجمعة ” ورسالة
في ” اجماعات الشيخ الذي خالفه بنفسه ” .

 

 

 
وله غير ما في الأصل رسالة ” ما لا يسع المكلف جهله ” و ” الاقتصاد ” و
” الارشاد إلى طريق الاجتهاد في معرفة المبدأ والمعاد ” و ” أحكام الافعال “
و ” تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد ” ورسالة في ” قبلة الشامات ” إلى
مكة مختصرة .

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...