الرئيسية / شخصيات اسلامية / العلماء ورثة الانبياء

العلماء ورثة الانبياء

آية الله في العالمين السيد صدر الدين بن صالح بن محمد بن إبراهيم شرف
الدين بن زين العابدين بن السيد نور الدين الموسوي العاملي
تولد في قرية شد غيث 1 ) من بلاد بشارة في أحد وعشرين من ذي القعدة
سنة ثلاث وتسعين ومائة بعد الألف – أو اثنتين وتسعين ، وأمه بنت الشيخ على
ابن الشيخ محيي الدين بن علي بن محمد بن حسن بن زين الدين الشهيد
الثاني ” ره ” .

 

 
وكانت رحلته مع أهله إلى العراق سنة 1197 وعمره حينئذ أربع سنين ،
رباه والده العلامة بحيث كتب حاشية على شرح القطر في النحو وهو ابن سبع
سنين ، وحتى قال في أول رسالته في حجية الظن ما لفظه : وردت كربلا سنة
خمس ومائتين بعد الألف وأنا ابن اثني عشرة سنة فوجدت الأستاذ الأكبر محمد
باقر بن محمد أكمل مصرا على حجية الظن المطلق – إلى آخر كلامه . فيعلم أنه
كان من أهل العلم بمشكلات مسائل الأصول في سن الاثني عشر .
وحضر مجلس درس أستاذه السيد بحر العلوم في تلك السنة ، وكان السيد
مشغولا بنظم الدرة في الفقه ، فاختاره في عرض الدرة عليه لمهارته في الآداب
وفنونه .

 
وحدثني والدي قدس سره أنه استجاز السيد صاحب الرياض في السنة
العاشرة بعد المائتين والألف ، فأجازه وصرح فيما كتبه من الإجازة أنه مجتهد
في الاحكام من قبل أربع سنوات . فيكون حصول ملكة الاجتهاد له في سن
ثلاث عشرة من عمره .
وهذا نظير ما يحكى عن العلامة الحلي والفضال الهندي ، ويفوقهما في
صنعة الشعر والأدب ، فاني سمعت من شيخ الأدب الشيخ جابر الشاعر الكاظمي
مخمس الهائية الأزرية أن السيد صدر الدين كان أشعر من السيد الشريف الرضي
الذي هو أشعر قريش .

 

 
وحدثني السيد أحمد بن السيد حيدر الحسيني الكاظمي العالم الثقة أن السيد
صدر الدين كان في أيام إقامة والده ببغداد يحضر مجلس درس السيد صبغة
الله امام أهل السنة في عصره ، وكن يناظره أيضا في المسائل الكلامية وفي
الإمامة ويفحمه .
وحكى لي من ذلك حكايات ومناظرات تدل على كمال فضله في سن الشباب ،
قال : وتلك المناظرات هي التي سببت مهاجرته إلى بلاد إيران خوفا من
الاغتيال . قال : أرادوا اغتياله مرات فحفظه الله .
زوجه الشيخ صاحب كشف الغطاء بابنته وصار له منها أولاد ، وتزوج أيضا
بالعلوية بنت السيد أبى الحسن خوش مزه .

 

 
وعزم على زيارة الإمام الرضا عليه السلام وحده ، فزمت ركائبه إلى خراسان
وترك عيالاته وأولاده بكربلاء ، ونظم في سفره هذا قصيدته الرائية المعروفة
ب‍ ” الرحلة ” يخاطب فيها الإمام الرضا عليه السلام :
أتتك استباقا تقد القفارا * سوايح تقدح في السير نارا
تثير مثار الحصى بالحصى * وتتبع باقي الغبار الغبارا
وهي طويلة ، ورجع من طريق يزد فاجتمع عليه أهلها وسألوه الإقامة
عندهم ، فأقام مدة قليلة وتزوج فيها ، ثم رحل إلى أصفهان وكانت يومئذ دار
العلم ومحط رحال أهل الفضل ، فأقام بها وأرسل على عياله وأولاده فرحلوا إليه ،
واستقام بها سنين مرجعا في التدريس والقضاء لا يتقدم عليه أحد على الاطلاق ،
وتخرج عليه جماعة من العلماء ورووا عنه ، كشيخ الطائفة الشيخ مرتضى
الأنصاري ” ره ” والسيدين الميرزا محمد هاشم 1 ) صاحب أصول آل الرسول
وأخيه صاحب الروضات والسيد محمد شفيع صاحب الروضة البهية وغيرهم
من الأفاضل .

 

 
وحدثني العلامة الميرزا محمد هاشم المذكور : أن شريف العلماء كان من
تلامذة السيد صدر الدين وكان السيد يمنعه من كثرة التعمق في أصول الفقه ويأمره
بالتعمق في الفقه .
وحدثني الشيخ الجليل الشيخ صادق بن الشيخ محسن الأعسم النجفي :
ان الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ حسين ابن شيخ الطائفة الشيخ
جعفر كانا لما جاء السيد صدر الدين من أصفهان إلى النجف يعاملونه معاملة
الأستاذ ويجلسون بين يديه جلسة التلامذة ، وهما يومئذ شيخا الاسلام في النجف
ولعلهما ممن تلمذ عليه .

 

 
قال : وكنت يوما عند الشيخ صاحب الجواهر فجاء السيد صدر الدين ،
فلما أشرف علينا ركض الشيخ واستقبله وأخذ بإبط السيد حتى جاء به وأجلسه
في مكانه وجلس بين يديه ، وفي الأثناء جرى ذكر اختلاف الفقهاء ، فأخذ
السيد يبين اختلاف مسالك الفقهاء في الفقه وشرع في بيان طبقاتهم من الصدر
الأول إلى عصره وبين اختلاف مسالكهم واختلاف مبانيهم بما يبهر العقول ،
حتى قال الشيخ صاحب الجواهر بعد ما خرج السيد : يا سبحان الله السيد جالس
جميع طبقاتهم وبحث معهم ووقف على خصوصيات أمذقتهم ومسالكهم ، هذا
والله العجب العجاب ، ونحن نعد أنفسنا من الفقهاء ، هذا الفقيه المتبحر .
قال : ودخلت يوما في الصحن الشريف ، فرأيت السيد صدر الدين مقبلا
والشيخ صاحب الجواهر أخذ بإبط السيد والشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة
أخذ بإبطه الاخر الان السيد كان فيه أثر الفالج ولابد أن يأخذ أحد بإبطه إذا مشى .
وهذا يدل على جلالة السيد في نظر الشيخين في مرتبة الأساتيذ الأعاظم ،
فان الشيخين لم يكن في النجف بل في الدنيا يومئذ أجل منهما .
وحدثني الشيخ العالم الجليل الشيخ عبد العالي الأصفهاني النجفي قال :
كنت ليلة من ليالي شهر رمضان في حرم أمير المؤمنين عليه السلام فجاء السيد
صدر الدين إلى الحرم ، ولما فرغ من الزيارة جلس خلف الضريح المقدس ،
فكنت قريبا منه ، فشرع في دعاء السحر الذي رواه أبو حمزة ، فوالله ما زاد على
قوله ” الهي لا تؤدبني بعقوبتك ” وكررها وهو يبكي حتى أغمي عليه وحملوه
من الحرم وهو مغمى عليه .

 

 
كان قدس سره غزير الدمعة كثير المناجاة ، ورأيت له أبيات في المناجاة
يقول فيها :
رضاك رضاك لا جنات عدن * وهل عدن تطيب بلا رضاكا
وهي طويلة .
وكان كثير الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شديد الامر فيهما ، وكان
يقيم الحدود بأصفهان .
واتفق أنه حضر مجلسا فيه جماعة من الأخيار والأشراف وقد عقد المجلس
لإقامة عزاء الحسين عليه السلام ، فدخل أحد أولاد الملوك وجلس وكان قد
حلق لحيته ، فقال السيد : ان حلق اللحية من شعار المجوس وصار من عمل أهل
الخلاف والرجل قد حلق لحيته وجاء في هذا المجلس الذي عقد لعزاء سيد
الشهداء وأنا أخاف أن إذا صعد الذاكر الراثي على المنبر وهذا الرجل جالس
أن يسقط علينا السقف فنهلك . فوقعت ولولة بين أهل المجلس والرجل شاه
زاده لا يجسر أحد على التكلم معه في القيام من المجلس ، والسيد غضب حتى
وقف شعر حاجبيه كما هي عادته ، فأراد صاحب الدار قطع الكلام ، فأشار إلى
الراثي أن قم واصعد المنبر وخذ بالقراءة حتى ينقطع الكلام ، فصعد الذاكر
المنبر وبمجرد أن قال ” السلام عليك يا أبا عبد الله ” قام السيد صدر الدين ،
قال : أخاف من سقوط السقف علي . فلما قام ووضع رجله خارج السقف نزل
السقف وصار العجاج وأكب الناس على أقدام السيد وكسرت أكتاف بعض
الناس ، وكان أعظم كرامة للسيد . حتى كان السيد محمد العلاقة بند أحد خدام
السيد إذا أخبر بانعقاد مجلس فيه الملاهي يروح للنهي عن المنكر ، فإذا قالوا
لهم : ان خادم السيد صدر الدين فلان قد جاء ، يقولون : تفرقوا وأجمعوا
الأسباب فان السقف ينزل علينا لا محالة .

 

 
وبالجملة كان عالما ربانيا لا تأخذه في الله لومة لائم ، يأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر ويقيم الحدود والاحكام . وكان من أزهد أهل زمانه ، لم يحظ من
الدنيا بنائل ولم يخلف لأولادهغير الدار التي كان السيد حجة الاسلام السيد
محمد باقر قد اشتراها له وغير بعض الكتب لم يكن له عقار ولا قرى ولا أملاك .
وكان كثير العيال ، ولم يغير وضعه الذي كان عليه في النجف من حيث اللباس
والمأكل .
وفي آخر عمره عرض له بعض الضعف في أعضائه شبه الفالج ، فرأى في
المنام أمير المؤمنين عليه السلام يقول له : أنت في ضيافتي في النجف . ففهم
أنه يموت قريبا ، فرحل منفردا بنفسه إلى النجف سنة 1262 وورد النجف وبقي
مدة ، ثم أخبر أخاه بوفاته في أول صفر ، فتوفي أول ليلة منه وهي ليلة الجمعة
سنة 1263 .

 

 
حدثني السيد محمد علي بن السيد أبو الحسن قال : لما كانت أول ليلة من
شهر صفر رأينا عمنا السيد صدر الدين يحدثنا بأحاديث الفراق ، حتى ذاكره
والدي في ذلك فقال :
ستفقدني فومي إذا جد جدها * وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ثم قال : قوموا إلى فراشكم وناموا ، فقال السيد الوالد وبقيت أنا ، فقال
لي : ما تقرأ ؟ فقلت : شرح ابن الناظم على الألفية . فقال : إلى أي موضع
وصلت منها ؟ فقلت : ببحث ال . فقال : ان ابن مالك يقول :
ال حرف تعريف أو اللام فقط * كالطرس ذي الخط المليح والنقط 1 )
وأنا أقول في ألفيتي :
ال هي للتعريف لا اللام فقط * كالطرس ذي الخط المليح والنقط
بين الفرق بين البيتين . فأخذت في بيان الفرق ، فقال لي : لاقم واكتب
الفروق . فعرفت أنه يريد أن أقوم من عنده . فقمت وخرجت وأخذت في كتابة
الفرق ، فسمعته يقول ” الله الله ” ، ثم قال ” لا إله إلا الله ” فأسرعت فأيقضت
والدي وأخبرته بذلك ، فلما جئنا وجدنا السيد قد توجه إلى القبلة وقد قضى نحبه .
ولما كان آخر الليل طرق الباب طارق ، فجئنا وفتحنا الباب ، فإذا برجل
سيد من الاجلاء نعرفه ، فقال : السيد صدر الدين توفي . فقلنا : نعم . فقال :
ان قبره مهيأ في حجرة الصحن الشريف عند باب الفرج ، فتعجبنا من ذلك .
أقول : وقبره هناك مزارا معروف .

 

 
وله مصنفات كثيرة منها ” أسرة العترة ” في أبواب الفقه بطريق الاستدلال
كبير ، ” القسطاس المستقيم ” في أصول الفقه ، ” المستطرفات ” في الفروع التي
لم يتعرض لها الفقهاء ، ” شرح منظومة الرضاع ” نظم الرضاع بمنظومة لا نظير
لها أولها :
ان أحرز الرضاع شرطه نشر * تحليل تزويج وتحليل نظر
ثم شرحها شرحا ممزوجا متوسطا في غاية المتانة ( وشرحه أيضا آية الله
الكبرى الميرزا محمد تقي الشيرازي وذكر شرحه هذا . . في مكتبتي ) 1 ) ،
وله ” التعليقة على رجال الشيخ أبى علي ” كانت على هامش نسخته فدونتها أنا
وسميتها ب‍ ” نكت الرجال على منتهى المقال ” وهي مشحونة بالتحقيقات
والنكات ، وله ” قرة العين ” في النحو كتبها لبعض ولده وهي كتاب جليل في
بابه تفوق على المغني كما نص على ذلك تلميذه الميرزا محمد هاشم في أول
معدن الفوائد قال : فإنها مع صغر حجمها تفوق على المغني لابن هاشم مع طوله
وبسطه . قال : فهذه الرسالة لا توافق الا فهم المنتهي . انتهى .
وله ” شرح مقبولة عمر بن حنظلة ” في غاية البسط ، ورسالة ” حجية المظنة “
رد فيها دليل الانسداد وهي رسالة في عزيزة تشتمل على فوائد فريدة ، رسالة في
” مسألة ذي الرأسين ” ، وله الرسالة العملية بالفارسية سماها ” قوت لا يموت “
عملها للمقلدين في الطهارة والصلاة والمسائل العامة البلوى ، وله ” المجال
في الرجال ” أحال إليه في رسالة حجية المظنة ، وله ” التعليقة على نقد الرجال “
لم تدون بعد ولكنها من أجل كتب الرجال ويحيل إليها في سائل مصنفاته .
وحدثني ولده السيد أبو جعفر أنها لم تدون وأنها على هامش نسخته وأنها
موجودة عنده .

 

 
وذكر تلميذه في روضات الجنات بعد عد مصنفاته أن له قصائد كثيرة طويلة
شرح بعضها ، وأن له الحواشي وأجوبة المسائل وغير ذلك 2 ) .
والذي عثرت عليه من شعره بخطه الشريف على ظهر بعض كتبه هذه
الأبيات 3 ) :
إلى علي وزعيم اللوى * يوم الوغى والعلم الشامخ
أبى السراة الأنجبين الأولى * خصوا فنون الشرف الباذخ
أولي المزايا الغر أعباؤها * وينوء فيها قلم الناسخ
جاءت تجوب البيد سيارة * تهوى هوي المرقد الصارخ
قد أيقنوا منه بجزل الحصا * ان عليا ليس بالواضخ
الحصا جمع حصية . والواضخ الذي يعطي القليل . وله تشطير :
قوم إذا هموا بغسل ثيابهم * جعلوا الدروع ملابسا وثيابا
وإذا أتاهم سائل لدروعهم * لبسوا البيوت وزوروا الا بوابا
وله مشايخ وأساتيد عدة ، يروي عن أكثر من أربعين عالم ، والذي أعرف
منهم سبعة :
أولهم : والده العلامة السيد صالح الراوي عن أبيه العلامة السيد محمد عن
أستاده الشيخ محمد بن الحسن الحر صاحب الوسائل ، يروي عنه كل مؤلفاته
ومنها الوسائل بالطرق المذكورة في خاتمة الوسائل . ويروي السيد صالح
أيضا عن الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق عن المولى محمد رفيع
نزيل المشهد الرضوي عن العلامة المجلسي .
وثانيهم : السيد العلامة الطباطبائي محمد بن المرتضى الشهير بالسيد مهدي
بحر العلوم المتوفى سنة 1212 ، ويعبر عنه بالاستاد الشريف .
وثالثهم : السيد العلامة المير سيد علي صاحب الرياض المتوفى سنة 1231 ،
وكان مغرما بفضله ويرجحه على الميرزا المحقق القمي صاحب القوانين في الفقه
وقوة النظر كما حكاه في الروضات في ترجمة القمي .

 

 

 
ورابعهم : السيد المحقق المؤسس السيد محسن المقدس الأعرجي صاحب
المحصول ، كان السيد صدر الدين مغرما بزهده وتحقيقه ، المتوفى سنة 1227 .
وخامسهم : شيخ الطائفة الشيخ جعفر بن خضر كاشف الغطاء المتوفى سنة
1228 ، وهو جد جماعة من أولاده وكانت بنت الشيخ أول زوجاته .
وسادسهم : السيد الجليل المتبحر الميرزا مهدي الشهرستاني الموسوي
الحائري المتوفى سنة 1218 .
وسابعهم : الشيخ الجليل الفقيه الشيخ سليمان المعتوق العاملي المتوفى
سنة 1227 .

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...