الرئيسية / الاسلام والحياة / في طريق تحصيل حضور القلب

في طريق تحصيل حضور القلب

فأنت أيها العزيز ان كنت تؤمن بما ذكر بما أنه قول الأنبياء عليهم السلام وهيّأت نفسك لتحصيل السعادة وسفر الآخرة وعلمت بلزوم حضور القلب الذي هو مفتاح كنز السعادة فطريق تحصيله أن ترفع أولا موانع حضور القلب وتنحّي الاشواك عن طريق السلوك بجذورها وبعد رفع الموانع تقدم على تحصيل حضور القلب .

أما موانع حضور القلب في العبادات فهي تشتّت الخواطر وكثرة الواردات القلبية وهذه ربما تحصل من الامور الخارجية ومن طرق الحواس الظاهرية مثل أن يسمع في حال العبادة شيئا يتعلق الضمير به ويكون مبدأ للتخيلات والتفكرات الباطنية وتتصرف فيه الواهمة والمتصرفة فيطير الخيال من غصن إلى غصن .

{ 90 }

أو أن عين الانسان ترى شيئا ويكون منشأ تشتّت الخاطر وتصرُّف المتصرفة أو أن سائر حواس الانسان تدرك شيئا فتحصل منه انتقالات خيالية . وطريق علاج هذه الامور ، وان كان العلماء ذكروا أن العلاج هو رفع هذه الاسباب مثل أن يصلي الانسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغضّ عينه ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر كما نقله الشهيد السعيد                ( هو الشيخ الأجل زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن جمال الدين بن تقي بن صالح بن مشرف العاملي الجبعي أمره في الثقة والجلالة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحّر وجميع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر .

 

 

ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصر وُلِد الشيخ زين الدين ثالث عشر شوال سنة 911 ( ظيا ) وختم القرآن وعمره تسع سنين وقرأ على والده العربية وتوفي والده سنة 925 ( ظكه ) وعمره اذ ذاك اربع عشرة سنة وارتحل إلى ميس وهو أول رحلته فقرأ على الشيخ الجليل علي بن عبد العالي الميسي الشرايع والارشاد وأكثر القواعد . وله قدّس سرّه رحلات إلى كرك و إلى جبع و إلى دمشق ثم الرجوع إلى جبع والرحلة منها إلى دمشق يريد مصر فسافر إلى مصر يوم الأحد منتصف ربيع الأول سنة 942 واتفق له في الطريق ألطاف خفية وكرامات جليّة ذكرها تلميذه ابن العودي .

 

 

 

ودخل مصر بعد شهر من خروجه واشتغل على جماعة منهم الشيخ ابو الحسن البكري صاحب كتاب الأنوار في مولد النبي صلى الله عليه وآله ، ثم ارتحل إلى الحجاز في شوال 923 ، ولما قضي مناسكه زار النبي صلى الله عليه وآله وقد وعده بالخير في المنام بمصر ثم ارتحل إلى بلده جبع في صفر سنة 944 واقام بها إلى سنة 946 وتوشح ببرد الاجتهاد الا أنه بالغ في كتمان أمره إلى أن أقام ببعلبك بعد رحلات سنة 953 يدرس في المذاهب الخمسة واشتهر أمره وصار مرجع الانام ومفتي كل فرقة بما يوافق مذهبها وصار أهل البلد كلّهم في انقياده ورجعت إليه الفضلاء من أقاصي البلاد ثم انتقل بعد خمس سنين إلى بلده ، بنيّة المفارقة وأقام في بلده مشتغلا بالتدريس والتصنيف . ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها الروض وآخرها الروضة .

 

 

 

 

ألّفها في ستة أشهر وستة أيام وكان غالب الايام يكتب كراسا ومن عجيب أمره انه كان يكتب بغمسة واحدة في الدواة عشرين أو ثلاثين سطرا وخلّف ألفَي كتاب منها مئتا كتاب كانت بخطه الشريف من مؤلفاته وغيرها مع أنه قال تلميذه الشيخ محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني في رسالة ( بغية المريد في أحوال شيخه الشهيد ) : ولقد شاهدت منه سنة وردي إلى خدمته انه كان ينقل الحطب في الليل لعياله ويصلّي الصبح في المسجد ويجلس للتدريس والبحث كالبحر الزاخر ويأتي بمباحث غفل عنها الأوائل والأواخر . وذكر أنه ( ره ) كان يتعلطى جميع مهمّاته بقلبه وبدنه مضافا إلى مهمّات الواردين ومصالح الضيوف المتردّدين اليه مع أنه كان غالب الزمان في الخوف الموجب لاتلاف النفس والتستّر والاخفاء الذي لا يسع الانسان أن يفكّر معه في مسألة من الضروريات البديهية .

 

 

 

 

ولمّا كان في سنة 965 وهو في سن اربع وخمسين ترافع اليه رجلان فحكم لاحدهما على الاخر فذهب المحكوم عليه إلى قاضي صيدا واسمه معروف وكان الشيخ مشغولا بتأليف شرح اللمعة فأرسل القاضي إلى جبع من يطلبه وكان مقيما في كرم له مدة منفردا عن البلدة متفرّغا للتأليف، فقال بعض اهل البلد قد سافر عنا منذ مدّة فخطر ببال الشيخ ان يسافر إلى الحج . وكان قد حج مرارا لكنه قصد الاختفاء فسافر في محمل مغطّى وكتب القاضي إلى السلطان انه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الاربعة فأرسل السلطان في طلب الشيخ فقبض عليه ، وروي أنه كان في المسجد الحرام بعد فراغه من صلاة العصر وأخرجوه إلى بعض دور مكة وبقي هناك محبوسا شهرا وعشرة أيام ثم ساروا به على طريق البحر إلى قسطنطنّية وقتلوه بها وبقي مطروحا ثلاثة أيام ثم ألقوا جسده الشريف في البحر   .

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...