الرئيسية / الاسلام والحياة / الآداب المعنوية للصلاة – في نبذة من آداب الوضوء الباطنية والقلبية

الآداب المعنوية للصلاة – في نبذة من آداب الوضوء الباطنية والقلبية

ومع أن ما يتوجّه به الانسان إلى الحق تعالى وما يليق من العوالم الخلقية أن ينظر إلى كبرياء ونصيب مع ذلك ما أهملت الطهارة الصورية والنظافة الظاهرية فقرروا صورة الطهارة لصورة الانسان وباطنها لباطنه ومن جعله عليه

{ 134 }  

السلام تزكية القلب في هذا الحديث الشريف من فوائد الوضوء يعلم ان للوضوء باطنا يكون به تزكية الباطن ويعلم ايضا الرابطة بين الظاهر والباطن والشهادة والغيب ويستفاد ايضا ان الطهور الظاهري والوضوء الصوري من العبادات واطاعة للرب ومن هذه الجهة الطهور الظاهر موجب للطهور الباطن ومن الطهارة الصورية تحصل تزكية الفؤاد .

وبالجملة السالك إلى الله لابد أن يتوجه في وقت الوضوء إلى انه يريد التوجّه إلى المحضر المقدّس لحضرة الكبرياء ومع هذه الحالات القلبية التي له لا يليق للمحضر بل أنه يطرد من جناب العزّ الربوبي فيشمّر ذيله بأن يسري الطهارة الظاهرية إلى الباطن ويجعل قلبه موردا لنظر الحق بل منزلا لحضرة القدس ويطهره من غير الحق ويخرج من رأسه التفرعن وحب النفس الذي هو أصل أصول القذارات كي يليق للمقام المقدّس . ( أقول : اعلم ان النجاسة التي يجب ازالتها للصلاة على أنواع منها ماهو على اللباس وظاهر البدن ، وهذه النجاسة تغسل بالماء المطلق   وتحصل الطهارة من الخبث التي هي من شروط الصلاة ، ونظير هذه النجاسة في عالم الباطن والمعنى التلوث بقذارة المعاصي الصغيرة التي تصدر من المؤمن ، وحيث أن مرتبة النجاسة فيها ضعيفة فتطهّر بالالام الدنيوية وتوجب رفعها الابتلاءات في عالم الطبيعة . قال تعالى : ” ان تجتنوا كبائر ما تُنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم ” ( النساء 31 ) ومنها ما يسري ويجري إلى باطن الجسد وهو ايضا على قسمين :

القسم الأول : ما يسري في جميع الجسد وهو مايسمى بالحدث الأكبر والتطهير من هذه النجاسة والخباثة يحتاج إلى غسل جميع البدن بنيّة القربي إلى الله تعالى والتعبد له حتى يكون بواسطة اقتران الغسل بقصد القربة وانتسابه إلى حضرة الباري جلّ شأنه ، تأثير الماء في رفع النجاسة أقوى وأنفذ وان كان على حساب المقدار والوزن قليلا فيكون مثله مثل الاكسير الذي يؤثر قيراط منه في قنطار من النحاس فيصير ذهبا خالصا ، ومن المعاصي ماهو بمنزلة الحدث الاكبر في الروح وهي المعاصي التي رسخت جذورها في القلب وصارت منشأ للملكات الخبيثة والرذائل النفسانية من الكبر والحسد والشرك ونحوها وتسمّى بالموبقات وقد أوعد الله سبحانه صاحبها النار وآثار تلك المعاصي لا تزول عن القلب بسهولة بل لابدّ من التوبة الحقيقة بشرائطها والا فآخر الدواء الكيّ ، أعاذنا الله منه .

والقسم الثاني : النجاسة التي تسري إلى الباطن ولكن بمرتبة ضعيفة من السراية بحيث لا تصل إلى جميع البدن ويكفي في تطهيرها غسل بعض الاجزاء توأما بقصد القربة والعبودية كما ذكرنا في الغسل وتسمى بالحدث الأصغر ، ونموذج هذه النجاسة في عالم الروح بعض المعاصي الكبيرة التي ليس لها جذر نفساني وكبعض المعاصي الذي قد يتفق للانسان وخصوصا في عهد الشباب ولكن حيث العصيان أمر عارضي وليس ناشئا عن ملكة التعصي لقرب العهد من الفطرة فهو أقرب إلى رحمة الله والتوبة من أسهل . وقد أشير إلى ذلك في الروايات . منها ما رواه الصدوق قدس سره في الامالي عن الصادق عليه السلام أنه قال : ” ان العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة فاذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزّ وجلّ إلى ملكية انّي قد عمّرت عبدي عمرا فغلّظا عليه وشددا وتحفضا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره . “

فاذا لم يتمكن المصلي من الماء لتطهيره فقد جعل الله سبحانه التراب احد الطهورين لان التراب أذلّ الاشياء على وجه الارض يطؤه الناس بأقدامهم فلا بدّ للعبد أن يتّصف بصفته في جناب الحق فيمسح جبينه ويسمه بسمة الذّلة والافتقار والعبودية ، ويرمز بهذا أيضا إلى أن ناصية الخلق بيد قدرته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، كما قال سبحانه : ” ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ” ( هود 56 ) .فلعله باظهار الخضوع والمسكنة يجلب رحمة الله يوم يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام ثم يمسح يديه بالتراب وهما مظهر قدرته فيذلّله في حضرة القادر المطلق ويقف بعد ذلك في صف الحاضرين في المحضر .

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...