الرئيسية / الاسلام والحياة / الآداب المعنوية للصلاة – في نبذة من آداب الوضوء الباطنية والقلبية

الآداب المعنوية للصلاة – في نبذة من آداب الوضوء الباطنية والقلبية

وقال فقيه الفرقة الناجية الشهيد الثاني ( قدّس سره ) :

فأمّا الطهارة ، فليستحضر في قلبه ان   تكليفه فيه بغسل الأطراف الظاهرة و تنظيفها لاطلاع الناس عليها و لكون تلك الأعضاء مباشرة للأمور الدنيوية منهمكة في الكدورات الدنية فلأن يطهر مع ذلك قلبه الذي هو موضع نظر الحق تعالى فإنه لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ..

 

 

 

و لأنه الرئيس الاعظم لهذه الجوارح و المستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه تعالى و تقدس أولى و أحرى ، بل هذا تنبيه واضح على ذلك و بيان شاف على ما هنالك ، و ليعلم من تطهير تلك الأعضاء عند الاشتغال بعبادة الله تعالى و الاقبال عليه و الالتفات عن الدنيا بالقلب والحواس لتلقي السعادة في الأخرى إن الدنيا والآخرة ضرتان كلما قربت من إحداهما بعدت عن الأخرى ، فلذلك أمر بالتطهير من الدنيا عند الاشتغال و الاقبال على الأخرى .

 

 

فأمر في الوضوء بغسل الوجه لأن التوجه و الاقبال بوجه القلب على الله تعالى به و فيه أكثر الحواس الظاهرة التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا فأمر بغسله ليتوجه به و هو خال من تلك الادناس و يترقى بذلك إلى تطهيرها ما هو الركن الأعظم في القياس ثم أمر بغسل اليدين لمباشرتهما أكثر أحوال الدنيا الدنية و المشتهيات الطبيعية ثم بمسح الرأس لان فيه القوة المفكرة التي يحصل بواسطتها القصد إلى تناول المرادات الطبيعية و تنبعث الحواس للإقبال على الأمور الدنيوية المانع من الاقبال على الآخرة السنية ، ثم يمسح الرجلين لأن بهما يتوصل إلى مطالبة و يتوصل إلى تحصيل مآربه على نحو ما ذكر في باقي الأعضاء ، فيسوغ له الدخول في العبادة و الاقبال عليها فائزا بالسعادة ، و أمر في الغسل بغسل جميع البشرة لأن أدنى حالات الانسان و أشدها تعلقا بالملكات الشهوية حالة الجماع و موجبات الغسل و لجميع بدنه مدخل في تلك الحالة و لهذا قال صلى الله عليه و آله : ” ان تحت كل شعرة جنابة ” ..

 

 

 

فحيث كان جميع بدنه بعيدا عن المرتبة العلية منغمسا في اللذات الدنية كان غسله أجمع من أهم المطالب الشرعية ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة و الدخول في العبادة المنيفة و يبعد عن القوى الحيوانية و اللذات الدنيوية . و لما كان للقلب من ذلك الحظ الأوفر و النصيب الاكمل كان الاشتغال بتطهيره من الرذائل و التوجهات المانعة من درك الفضائل أولى من تطهير تلك الأعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل . و أمر في التيمم بمسح تلك الأعضاء بالتراب عند تعذر غسلها بالماء الطهور وضعا لتلك الأعضاء الرئيسية و هضما لها بتلقيها بأثر التربة الخسيسة ،

 

 

 

و هكذا يخطر أن القلب إذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق و الرذيلة و تحليته بالأوصاف الجميلة فليقمه في مقام الهضم و يسقه بسياط الذل و الأعضاء عسى أن يطلع عليه مولاه الرحيم و سيده الكريم و هو منكسر متواضع فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع فإنه عند القلوب المنكسرة كما ورد في الأثر فترق من هذه الاشارات و نحوها إلى ما يوجب لك الاقبال أو تلافي سالف الاهمال .)

ثم بيّن الرضا سلام الله عليه وجه اختصاص الاعضاء المخصوصة للوضوء فقال :

” وانّما وجب على الوجه واليدين والرأس والرجلين لان العبد اذا قام بين يدي الجبار فانما يكشف من جوارحه ويظهر ما وجب به الوضوء وذلك أنه بوجهه يسجد ويخضع وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل وبرأسه يستقبله في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد ” .

وحاصل ما قاله عليه السلام انه حيث أن لهذه الاعضاء دخلا في عبودية الحق تعالى والعبودية تظهر من هذه الاعضاء فلهذا وجب تطهيرها .. وبعد هذا بيّن عليه السلام الامور التي تظهر من هذه الاعضاء ، وبهذا فتح باب الاعتبار والاستفادة لاهلهما ، وأرشد أهل المعارف إلى اسرارها بأن ما هو محل للعبودية في محضر الحق تبارك لا بد أن

{ 135 }

يكون طاهرا ومطهرا والاعضاء والجوارح الظاهرية التي يكون لها حظ ناقص من تلك المعاني لا تليق لذلك المقام من دون طهارتها ومع أن الخضوع ليس من صفات الوجه على الحقيقة والسؤال والرغبة والرهبة والتبتل والاستقبال ليس شيء منها من شؤون الاعضاء الحسيّة ولكن حيث أن هذه الاعضاء مظاهر تلك الامور لزم تطهيرها ، فعلى هذا فإنّ تطهير القلب الذي هو محل حقيقي للعبودية ومركز واقعي لتلك المعاني يكون ألزم ، وبدون تطهير القلب لو غسلت الاعضاء الصورية بسبعة أبحر ما تطهّرت ولا توجد فيها لياقة لذلك المقام بل يكون للشيطان فيها تصرّف ويكون المرء مطرودا من حضرة العزّة .

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...