الرئيسية / القرآن الكريم / الاستقامة في أساليب القرآن

الاستقامة في أساليب القرآن

أحسّت العرب بهذه الاستقامة في أساليب القرآن، واستيقنت بذلك بلغاؤهم. وإنّ كلمة الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسّر لنا ذلك، حيث قال، حين سأله أبو جهل أن يقول في القرآن قولاً: “فما أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم في الأشعار منّي ولا أعلم برجزه منّي، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ. والله ما يشبه الّذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إنّ لقوله لحلاوة، وإنّه ليحطّم ما تحته، وإنّه ليعلو ولا يُعلى.

قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتّى تقول فيه.

قال الوليد: فدعني حتّى أفكّر فيه، فلما فكّر. قال:

هذا سحر يأثره عن غيره”17..

 

وفي بعض الروايات قال الوليد:

“والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ومن كلام الجنّ، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما يقول هذا بشر”18.

 

وإذا أردت أن تحسّ ذلك من نفسك فانظر إلى الكتب المنسوبة إلى الوحي، فإنّك تجدها متناقضة المعاني، مضطربة الأسلوب، لا تنهض ولا تتماسك. وإذا نظرت إلى كتب العهدين، وما فيها من تضارب وتناقض، تجلّت لك حقيقة الأمر، وبان لك الحقّ من الباطل. وهنا نذكر أمثلة ممّا وقع في الأناجيل من هذا الاختلاف:

1- في الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متّى، والحادي عشر من لوقا: أنّ المسيح قال: “من ليس معي فهو عَليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرّق”. وقال في التاسع

 

17- تفسير الطبري، ج 29، ص 98.

18- تفسير القرطبي، ج 19، ص 72.

 

من مرقس، والتاسع من لوقا: “من ليس علينا فهو معنا”.

 

2 – وفي التاسع عشر من متّى، والعاشر من مرقس، والثامن عشر من لوقا: أنّ بعض الناس قال للمسيح: “أيّها المعلّم الصالح. فقال: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلّا واحد وهو الله”. وفي العاشر من يوحنّا أنّه قال: “أنا هو الراعي الصالح… أمّا أنا فإنّي الراعي الصالح”.

 

3 – وفي السابع والعشرين من متّى قال: “كان اللّصّان الّلذان صُلبا معه – المسيح – يعيّرانه”، وفي الثالث والعشرين من لوقا: “وكان واحد من المذنبين المعلّقين يجدّف عليه قائلاً: إن كنت أنت المسيح فخلّص نفسك وإيّانا، فأجاب الآخر وانتهره قائلاً: أوَ لا تخاف الله؟ إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه”.

 

4 – وفي الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنّا: “إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقّاً”. وفي الثامن من هذا الانجيل نفسه أنّه قال: “وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ”.
هذه نبذة ممّا في الأناجيل – على ما هي عليه من صغر الحجم – من التضارب والتناقض. وفيها كفاية لمن طلب الحقّ، وجانَبَ التعصّبَ والعناد19.

19- البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، ص 56 – 58.

 

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...