الرئيسية / الاسلام والحياة / دروس في تزكية النفس

دروس في تزكية النفس

12الدرس الحادي عشر : طرق وموانع الوصول إلى مقام القرب الإلهي

 أهداف الدرس

 

1- أن يعدد الطالب طرق الوصول إلى الله.

2- أن يستذكر الأمور المساعدة على الوصول.

3- أن ينعرف الموانع من الوصول.

تمهيد

 

بعد أن عرفنا أهمية القرب من الله سبحانه وتعالى، وضرورة السعي للوصول إلى هذه الدرجة، فإن الوصول إليها لا يمكن إلَّا عبر طرقٍ يأمن باتِّباعها من الإنحراف ويضمن النجاة يوم القيامة.

 

 

1- طرق الوصول

 

إنَّ من أراد أن يرتقي في درجات القرب من الله تعالى، وأن يزكي نفسه وينال المقامات العالية، يمكن له أن يستفيد من الطرق التالية:

 

1- التفكر والبرهان:

 

إنَّ التفكر في البراهين التي أقيمت على وجود الله تعالى، يمكن أن تكون عاملاً مساعداً للقرب من الله تعالى، فإنَّ البراهين التي حفلت بها كتب الحكمة والعرفان والكلام، تثبت أنَّ كل ظواهر الكون ممكنة وفقيرة في وجودها لواجب الوجود، الذي هو منتهى الكمال والغني بالذات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾1.

1- فاطر :15


2- التفكر في الآيات الإلهية:

 

يرى القرآن الكريم أنَّ كل ظاهرة من ظواهر الكون، تنطوي على آيات تدل على الله تعالى وتعرفنا به، ولذلك دعانا القرآن الكريم للتفكر في الآيات الكونية، من باب أنَّ التفكر فيها يساعدنا على الاندفاع والسير في طريق التكامل.قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾2.

 

3- العبادة والعمل الصالح:

 

إنَّ العبادة توأم الإيمان والمعرفة، والعبادة والأعمال الصالحة تجعل الإيمان أكثر كمالاً، وكلما أصبح أكثر كمالاً كلما دنا من مقام القرب أكثر، فالعمل الصالح يرتقي بالإيمان عالياً حتى ينال مقام القرب الإلهي.

 

يقول تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾3.

 

4- الأذكار والأدعية:

 

إنَّ الذكر والأدعية من العبادة، وقد ورد التأكيد عليها كثيراً في الآيات والروايات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لما أُسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيت ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما لكم ربما بنيتم وربما أمسكتم؟

 

فقالوا: متى تجيئنا النفقة؟

 

فقلت لهم: وما نفقتكم؟

 

فقالوا: قول المؤمن في الدنيا : سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر، فإذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا”4.

2- آل عمران:191

3- فاطر: 10

4- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -ج93 ص169


وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: “من قال سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة. فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إنَّ شجرنا في الجنة لكثير، قال: نعم، ولكن إيَّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك أنَّ الله عزَّ وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾5.

 

إنَّ كل كلام يكون مفهومه تمجيداً وتحميداً وتسبيحاً لله تعالى يكون ذكراً، وإن كانت الأحاديث قد صرَّحت بأذكار خاصة، كما أنَّه يوجد تأكيد على أذكار بعينها، فعن رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم: “سيد القول لا إله إلاَّ الله”6، لكن يمكن القول بما أنَّ الهدف من الذكر توجه الإنسان نحو الله تعالى، ولا شك في أن من يرث الجنة يكون قد فاز بمرتبة القرب من الله سبحانه.وكل ذكر يوصل إلى الهدف أكثر يكون أفضل بالنسبة لذاكره.

 

2-من الأمور المساعدة على الوصول

 

ويوصي بعض أهل المعرفة بأمورٍ تساعد أيضاً على اجتياز الطريق وهي قسمين أفعال وتروك:

 

أولاً: غسل التوبة: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾7.

 

ثانياً: أن يسعى ليرى نفسه في محضر الله تعالى، وأن يذكر الله في كل حال فلا يغفل عنه أبداً. ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾8.

 

ثالثاً: أن يبقى دائم الوضوء ويصلي صلاة الليل، ويكرر ذكر: “يا حي يا قيوم يا من لا إله إلَّا أنت”.

5- محمد: 33

6- المجلسي-بحار الانوار – مؤسسة الوفاء- الطبعة الثانية المصححة- ج90-ص204

7- البقرة:222

8- البقرة : 77


رابعاً: أن يقرأ يومياً مقداراً من القرآن مع حضور القلب ويتفكر ويتدبر في معاني الآيات.

 

خامساً: أن يسجد كل يوم سجدة طويلة يكرر فيها: “لا إله إلَّا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

 

سادساً:ترك الكلام الذي لا فائدة منه.

 

سابعاً: ترك ما زاد عن حده الطبيعي المعتدل من المأكل والمشرب ونحوه.

 

ثامناً: ترك معاشرة أهل السوء وكل من لا يقرب من الله سبحانه.

 

تاسعاً:ترك كثرة النوم، ومحاولة الإستفادة من الوقت بما يرضي الله سبحانه.

 

ويمكنه أن يكرر هذه الأمور لمدة أربعين يوماً، لعلَّه تساعده على اجتياز الطريق بشكل أسرع وأفضل ليصل إلى درجة القرب من الله.

 

3- موانع الوصول إلى الله

 

ثمَّة موانع في الطريق، وعلى السالك أن يجاهد نفسه لإزالتها، وإلَّا فلن يصل إلى هدفه نذكر منها:

 

أ- المانع الأول:

 

عدم قابلية القلب: فالقلب الملوَّث بالمعاصي والذنوب لا يمكن أن تدخله ملائكة الرحمة، وبالمعصية تسير النفس وتتحرك بعكس السير المطلوب، فلا بد من تطهير النفس من الذنوب والآثام بالتوبة منها، حتى تصبح هذه النفس قابلة للسير إلى الله تعالى بتلقي الفيوضات والإشراقات الإلهية.

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: “إذا أذنب الرجل خرج من قلبه نكتة سوداء فإن


تاب انمحت، وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً”9.

 

ب – المانع الثاني:

 

التعلقات الدنيوية المادية: كالمال والثروة والبيت والجاه وسائر وسائل الحياة.

 

وهذه التعلقات بالمعنى المتقدم في حب الدنيا تكون رأس كل خطيئة، إن أنستنا، أنستنا ذكر الله ويوم الوقفة بين يدي الله تعالى للحساب.

 

قال صلى الله عليه وآله وسلم:”أول ما عُصي الله تبارك وتعالى بست خصال: حبُّ الدنيا، وحبُّ الرياسة، وحبُّ النساء، وحبُّ الطعام، وحبُّ النوم، وحبُّ الراحة”10.

 

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يجد المؤمن حلاوة الإيمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا”.

 

ج – المانع الثالث:

 

إتباع هوى النفس وميولها وشهواتها: إنَّ من يسعى ليلاً نهاراً لإرضاء غرائزه وشهواته لا يستطيع أن يحلق نحو مقام القدس الإلهي.

 

قال تعالى: ﴿ولَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾11.

 

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “أشجع الناس من غلب هواه”12.

 

د – المانع الرابع:

 

الامتلاء بالأكل: لأنَّ هذا يمنع من العبادة والدعاء والتوسل والتضرُّع.

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: “إذا أراد الله صلاح عبده، ألهمَه قلة الكلام وقلة الطعام وقلة المنام”13.

9- الكليني- الكافي- دار الكتب الاسلامية-الطبعة الثانية- ج2- ص 272

10- المجلسي-بحار الانوار-مؤسسة الوفاء- الطبعة الثانية المصححة- ج7-ص94

11- ص: 26

12- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 7 ص 76

13- الميرزا النوري- مستدرك الوسائل- مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث-الطبعة المحققة الاولى – ج16-ص213


وعن ابي عبد الله عليه السلام: “إنَّ الله يبغض كثرة الأكل”14.

 

هـ – المانع الخامس:

 

الكلام غير الضروري: وغير المفيد.

 

قال صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنَّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب، إنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي”15

 

قال الإمام الرضا عليه السلام: “من علامات الفقه: الحلم والعلم والصمت، إنَّ الصمت باب من أبواب الحكمة. إنَّ الصمت يكسب المحبة، إنَّه دليل على كل خير”16.

 

و- المانع السادس:

 

حبُّ الذات: على السالك إلى الله أن يبدِّل حبَّ ذاته بحب الله، وأن يؤدي كل أعماله بداعي الرضا الإلهي، فيأكل لأنَّ الله سمح له بدوام الحياة كما يصلي لأنَّ الله أمر بذلك… وهكذا.

 

ز- المانع السابع:

 

ضعف الإرادة: وعدم القدرة على التصميم، وهذا يمنع من البدء بالعمل، والشيطان يعمل جادَّاً لإضعاف إرادتنا فيصور عبر الوهم أنَّ العبادة صعبة، أو أنَّ السلوك إلى الله غير مطلوب، أو أنَّ المهم هو العبادة الصوريَّة الخالية من المضمون.

 

والحل هو بتقوية الارادة التي تحتاج إلى جهاد وتضحية كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾17.

14- الحر العاملي- وسائل الشيعة- مؤسسة آل البيت لإحياء التراث-الطبعة الثانية- ج24- ص24

15- م.ن -ج 8 – ص 536

16- الكليني الكافي- دار الكتب الاسلامية- الطبعة الثانية- ج2 – ص113

17- العنكبوت: 69


خلاصة الدرس

 

 

1- توجد عدة طرق أساسية يمكن للسالك أن يستفيد منها لنيل مقام القرب الإلهي.

 

2- التفكر في البراهين يؤكد حقيقة أنَّ كل الوجود مفتقر لله تعالى.

 

3- التفكر في الآيات الكونية يقود الإنسان إلى الله جلَّ شأنه.

 

4- إنَّ الذكر من أهم العوامل التي تدفع بالإنسان في طريق التكامل.

 

5- العبادة تؤثر في زيادة الإيمان وأثمار المعرفة.

 

من موانع الوصول إلى مقام القرب:

 

1- عدم قابلية القلب الملوَّث بالمعاصي.

 

2- التعلق بالماديات من مال وغيره.

 

3- إتباع الهوى والشهوات.

 

4- الأكل حتى التخمة.

 

5- الثرثرة من غير فائدة.

 

6- حبُّ الذات والاقتصار على الملذَّات الحيوانيّة.

 

7- ضعف الإرادة.

 

 

للمطالعة

 

وصية الملا محمد تقي المجلسي

يمكن الاستفادة من وصايا بعض العلماء في هذا الموضوع، ومنها وصية الملا محمد تقي المجلسي(رضوان الله تعالى عليه)، التي هي من أروع تلك الوصايا في هذا المجال، حيث يقول: ينقل أحد السالكين هذه الطريقة عن العارف الرباني الملا محمد تقي المجلسي (رضوان الله عليه) يقول: ما أخذته من مرحلة الرياضة وبناء النفس يعود إلى الوقت الذي كنت مشغولاً فيه بمطالعة التفسير. ذات ليلة رأيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكنت بين النوم واليقظة. فقلت لنفسي: من المفيد أن أدقق في كمالات وأخلاق النبي بشكل جيد. كنت كلما أدقق أكثر أرى نورانيته وعظمته تزداد، بحيث سطع نوره في كل مكان، عندها استيقظت (عدت إلى نفسي ووعيي) وجاءني إلهام يقول: خُلُق رسول الله القرآن ويجب أن أُكثِرَ الغوص فيه. كنت كلما دققت في الآية أكثر انكشفت لي حقائق أكثر، حتى دخلت على قلبي حقائق ومعارف جمة، وكان ذلك دفعة واحدة. كلما دققت في آية أنال تلك الموهبة. طبعاً يصعب تصديق هذا الأمر لمن لم يوفق إليه، بل عادة يكون غير ممكن، لكن هدفي من هذا الكلام إرشاد الأخوة في الله.

قصص العلماء

 

 

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...