الرئيسية / بحوث اسلامية / بحوث في ولاية الفقيه – هل يمكن أن يكون الولي غير معصوم؟

بحوث في ولاية الفقيه – هل يمكن أن يكون الولي غير معصوم؟

الدرس الثامن عشر: هل يمكن أن يكون الولي غير معصوم؟

 

يقال: إننا نسلم لكم بأنه لا مشكلة عقلية أو شرعية من حيث المبدأ في أن يكون الولي بالنيابة عن الإمام عليه السلام غير معصوم، لكن هناك أخبار نهت عن أن يقوم الشيعة بهذا الدور في عصر الغيبة، ونهت عن الثورة وأمرت بالسكوت والصبر حتى يظهر الحجة عجل الله فرجه الشريف.

 

وهذه الأخبار قد ذكرها الحر العاملي رحمه الله في وسائل الشيعة1 وإليك نموذجاً منها:

 

1- خبر سدير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: “يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك”.

 

ولا بأس بهذه الرواية من حيث السند.

 

وقد دلت أن على المسلمين أن يبقوا في بيوتهم لا يثورون حتى يخرج السفياني وهو زمان خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف أيضاً.

 

2- رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: “كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل”.

 

وهذه الرواية صحيحة.

1- راجع كتاب وسائل أبواب جهاد العدو الباب الثالث عشر.

 

3- رواية عيص بن القاسم: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

 

“عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجي‏ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها.

 

والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم.

 

إن أتاكم آتٍ منَّا فانظروا على أي شي‏ء تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد لله ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أي شي‏ء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد لله؟ فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه… “.

 

وهذه الرواية معتبرة.

 

ولمعالجة هذا النوع من الاخبار والنصوص نقول:

 

أولاَ: أن هذه الروايات المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام قد صدرت في زمن كثرتْ فيها الثورات والإنتفاضات باسم الأئمة، حتى أن بني العباس قد قاموا بثورتهم بهذا الإسم وهم لا يريدون إلا التسلط على العباد، فقد أراد الإمام عليه السلام أن ينبه الناس على ضرورة عدم الإنجراف وراء هذه العناوين البراقة، وإن سديراً نفسه راوي الرواية الأولى كان ممن يتأثر بهذه الرايات المنحرفة عن الإسلام حماساً للإسلام فيلهيه ذلك عن التدقيق.

 

فقد جاء في الأخبار عن المعلى بن خنيس أنه قال: ذهبتُ بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله عليه السلام حين ظهر المسودة قبل أن يظهر ولد العباس: بأنا قد قدّرنا أن يؤول هذا الأمر إليك

 

فما ترى؟ فضرب بالكتب الأرض وقال: “أفٍ أفٍ ما أنا لهؤلاء بإمام أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني”2.

 

وهذا الحديث يدل بوضوح على تأثر أصحاب تلك الكتب ومنهم سدير بالذين سماهم المعلى بالمسودة، وأنهم توهموا أن هذه راية الإمام، فنفى عليه السلام ودلهم على أن الإمام الذي سيوفق للثورة النهائية هو الذي يقتل السفياني أي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.

 

وهذا الذي قاله الإمام عليه السلام لا يتنافى مع إمكانية أن تقوم ثورة لا يدعي قائدها أنه الإمام الموعود، ولا يسعى لنفسه بل كل همه الحكم بما أنزل الله تعالى بالمقدار الممكن حتى يظهر الحجة عليه السلام.

 

ثانياً: تدل الرواية الرابعة على أن هناك نوعين من الخروج على الأنظمة والثورة على الحكام الظالمين:

 

أحدهما: ما يشبه خروج زيد الذي دلت الرواية على أنه كان خروجاً عن حق، وعنوان هذا الخروج أنه لم يكن يدعو لنفسه.

 

ثانيهما: الخروج بغرض تحقيق مطامع شخصية وإن كان الخروج باسم أهل البيت عليه السلام.

 

وقد دلت هذه الرواية على أن الخروج الباطل هو هذا النوع الثاني، وأن كل راية من هذا النوع يجب التحرز عنها واجتنابها وعدم الإنقياد إلى قادتها، لأنهم طغاة، وطاعة الناس لهم انقياد للمنحرفين وتسليم أنفسهم لغير الله تعالى، وهذا معنى قوله عليه السلام: “ويعبدون من دون الله”.

 

وهذا ما نشهده في المسلمين المنقادين لأناس هم في واقع حالهم يدعون لأنفسهم، فاغتر الناس بهم وظنوهم يريدون الحق فانحرفوا معهم وضلوا وخرجوا عن ولاية الله تعالى، إلا أن تتداركهم رحمته تعالى ولو بسبب جهلهم وقصورهم.

 

ويؤكد ما ذكرنا أن الرواية المذكورة قالت: “إن أتاكم آتٍ منا فانظروا” ولم تقل فارفضوا، وهذا يدل على أن الإستجابة في حد ذاتها ليست محرمة بل مرتبط حكمها بطبيعة الدعوة التي يدعو إليها ذلك الشخص.

2- الوسائل الباب الثالث عشر من أبواب جهاد العدو الحديث الثامن.

 

فالرواية المذكورة دلت على أن هناك معايير يجب رعايتها في التمييز بين راية الحق وراية الضلال، وتجلت هذه المعايير بقوله عليه السلام: “فإن زيداً، كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد لله ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه”. والدعوة المرفوضة حينئذ هي دعوة من يخرج ويدعي أنه يريد الرضا من آل محمد ولكن عندما يظهر لا يفي بذلك.

 

وهذا الذي ذكرته هذه الرواية يشكل قرينة على أن المراد من قوله عليه السلام في آخر الرواية: “فالخارج منا اليوم” هو تشخيص واقع فعلي لا المنع المؤبد، كما أنه يشكل قرينة على أن المراد من الرايات في الروايات الأخرى الرايات التي تدعو لنفسها وتنصب أنفسها أئمة للناس بدون أخذ المعايير الشرعية بعين الإعتبار، فلو كان قادتها بروحية زيد وشخصية زيد لم يكن هناك مشكلة بل تكون طاعتهم حينئذ طاعة للحق وطاعة لله تعالى.

 

بل هناك روايات دلتْ على أن المقصود بهذه الرايات الموصوفة بأن صاحبها طاغوت، هي رايات الضلال، فقد روى في الكافي عن أبي جعفر الباقر: “ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت”3.

 

ثالثاً: إن بعض هذه الأخبار صدرت تقية حتى يشعر الحكام بأن شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا في وارد الثورة عليهم فيأمنون إلى أن تتحين لهم الفرصة لذلك.

 

رابعاً: أن لدينا من الأدلة ما يكفي من العقل والكتاب والسنة تثبت بشكل قاطع وجوب الجهاد ضد الظلم ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعلاء كلمة الله والحكم بما أنزل الله تعالى، وهذه الأدلة تشكل قرينة على أن الروايات المشار إليها سابقاً لا يصح حملها على ما أراده المعترض.

 

أما دليلنا العقلي:

 

فهو ما تقدم في المقدمة من عدم معقولية أن يتركنا الله تعالى ويكلنا إلى الظالمين ليحكموا فينا إن أمكن أن نحكّم شرع الله تعالى فينا.

 

أما من الكتاب:

3- الكافي الجزء الثامن (الروضة) الحديث 456.

 

فآيات كثيرة دل بعضها على عدم جواز الركون إلى الظالم، ووجوب الحكم بما أنزل الله تعالى، وإقامة العدل بين الناس، وتنفيذ أحكامه ونشر المعروف والنهي عن المنكر، وهي آيات لم تسقط عن الإعتبار في عصر الغيبة.

أما من السنة:

 

فروايات كثيرة: منها: ما رواه ابن أبي عمير عن جماعة من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: “ما قدستْ أمة لم يؤخذ لضعيفها من قويها غير متعتع”4.

 

وهذه الرواية صحيحة.

 

ومنها: ما ورد في علامات ظهور الحجة رحمه الله التي تتحدث عن رايات هدى تظهر قبل ظهور الحجة عجل الله فرجه الشريف كرايتي اليماني والخراساني وهما رايتان تخرجان قبل أن يخرج القائم، وهذا المعنى متسالم عليه بين العلماء ولا أقل من التسالم على إمكانه.

 

والخلاصة: أنه يجب أن نفهم هذه الأخبار بالطريقة المتلائمة مع الكتاب والسنّة، فالمقصود بها الردع عن التسرع في الإنقياد خلف كل راية، وعن الإلتحاق بالرايات التي تريد أن تسخرنا لأنفسها وأغراضها بعيداً عن الدين وعن رضا أهل البيت عليهم السلام، وأن لا تغشنا عناوين الناس وعناوين الرايات كأن يكون رائدها مسلماً بالهوية أو ممن يدعي حب أهل البيت عليهم السلام وهو في مسلكه ليس من المحبين.

 

ومن مجموع ما تقدم تعرف لماذا لم يذهب أحد من علمائنا المحققين إلى عدم جواز الثورة ضد الظلم، ولماذا اختاروا القول بجواز بل وجوب السعي لإقامة العدل بين الناس والمنع من المنكر وإحقاق الحق، ولم يقبل أحد منهم أن يستفاد أي استفادة سيئة من هذه الروايات التي هي في مقام آخر يختلف كلياً عن مقام الثورة من أجل الحق بقيادة رموز الحق، وإن سمعت أن بعضهم ذهب إلى عدم مشروعية الجهاد ضد الظلم فاعلم أن المنقول عنه من غير المعتبرين في عالم العلم والعلماء.

 

 

4- الوسائل الباب الأول من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث التاسع.

 

 

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...