الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية -حبّ المال أداة مهلكة

مواعظ قرآنية -حبّ المال أداة مهلكة

وبعد التعريف بالنظرة الشرعية للمال، وبأنّها نظرة واقعية إيجابية “مع الالتزام بالحدود الشرعية للجمع والإنفاق كمّاً وكيفاً” وليست سلبية، فلا بُدّ أن نذكر الأمور الّتي تجعل حبّ المال أداة مهلكة بيد صاحبها إذا لم يُضبط بما يُريده الشرع المبين والعقل الرصين:

 

فأوّلا:ً من لوازم ذاك العشق للمال, الشُّحّ:

 

﴿ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ﴾13.

 

﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ﴾14.

 

ثانياً: حبّ الاستزادة والطمع والحرص الشديد على الكنز والادّخار:

 

– عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” لو أنّ لابن آدم واديين من ذهب لابتغى إليهما ثالثاً”15.

 

– وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: “منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا”16 .

 

ثالثاً: الطغيان: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾17.

 

من الخطأ أن يأمن الإنسان جانب نفسه، فإنّها كثيراً ما تخدعه، وتعده بأشياء ولا تفي عند التمكّن “وخدعتني الدنيا بغرورها، ونفسي بخيانتها”18 ، وخاصّة فيما يتعلّق بالمال، فإنّه قبل حصوله في يد الإنسان قد يتكلّم كلام الزاهد في تملّكه والحرص عليه، الّذي لا يعتني بشأنه، ولا يقيم له وزناً، إلا أن يقضي به حوائجه وحوائج الناس من أقاربه وإخوانه المؤمنين. إلّا أنّه بمجرّد أن يحصل على قدرٍ منه فقد يتغيّر نمط تفكيره، بل حتّى قد يتغيّر لحن كلامه، فهذا ثعلبة بن حاطب الّذي

 

 

12- سورة النساء، الآية: 128.

13- سورة الإسراء، الآية: 100.

14- ميزان الحكمة، ج 3، ص 2639. مسند أحمد، ج 5، ص 117.

15- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 1، ص 182.

16- سورة العلق، الآيتان: 6ـ 7.

17- مصباح المتهجِّد، الشيخ الطوسي، ص 845.

 

 عاهد الله لئن آتاه الله من فضله ليصّدقن وليكونن من الصالحين، فأيّ عهد هذا الّذي قطعه على نفسه وجهاً لوجه مع رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، والّذي أكّده بعدّة تأكيدات! إنّه لو وُزن مع جبال الدنيا لرجح عليها من ثقله! ومع ذلك لمّا آتاه الله من فضله بخل وتولّى وهو معرض، فأعقبه ذلك البخل والخلاف للعهد والكذب نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقى الله سبحاته، بل على ما في النقل لقد كان تعبيره “ما هذا إلّا اخت الجزية” فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة”19.

 

وهذه الآيات المباركات الّتي روي أنّها نزلت فيه ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ*فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ*فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾20.

 

فعجباً لهذا الإنسان الّذي يلهج بالكرم وحبّ البذل، وبأنّه إذا حاز مالاً سوف لا يردّ سائلاً، ولا يدعّ محتاجاً، ولا فقيراً إلا وينيله من كرمه وفضله وبذله، ولكنّه بمجرّد أن يحوز المال، ويتمكّن منه، يصبح شخصاً آخر، همّه تبرير حرصه وبخله، وليت الأمر يقتصر على هذا الحدّ، فإنّه يطغى ويتجاوز الحدود وينتهك الحرمات بالمال، الّذي هو مادّة الشهوات، ويظهر عليه البطر والترف والبذخ، وينسى أنّ هذا المال هو مال الله قد جعله وديعة عنده ليختبره به، ويتبجّح بحذاقته وذكائه في جمعه، وينسى من أنعم به عليه، ورزقه إيّاه، وأفضل مثال على هذا الصنف من البشر قارون.

 

وأخيراً فإنّ التخلُّص من هذه الآثار السلبيّة لحبّ المال بحاجة إلى تدريب وتهيئة لهذه النفس يؤدي إلى تزكيتها وذلك باستشعار رقابة الله تعالى، واستذكار نعمه وأنّه في أيّة لحظة قادر على سلبها واسترجاعها فهي فضلٌ من الله تعالى ومتى شاء استعاده، بل هي امتحان واختبار يسقط فيه كثيرون، وعليه نسأل الله أن لا يفتنّا بالدنيا وما حوت وأن لا يمتحننا بما لا نقدر على النجاة منه، إنّه سميع مجيب.

 

 

18- تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، ج 9، ص 352.

19- سورة التوبة الآيات: 75 – 77.

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...