الرئيسية / الاسلام والحياة / التقوى وتلطيف العواطف‏

التقوى وتلطيف العواطف‏

في ختام الكلام عن أثر التقوى في تقوية العقل والبصيرة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ للتقوى وطهارة النفس تأثيراً في مجالات أخرى، منها العواطف والأحاسيس، إذ التقوى تزيد من رقّتها ولطافتها، فإنّ عواطف امرئ تقيّ قد أزال عن نفسه كلّ شرّ وابتعد عن كلّ عمل قبيح لا يمكن أن تتشابه مع عواطف شخص غارق في الفواحش والمنكرات، ولا ريب أنّ مشاعر التقيّ أرقّ وألطف، وتأثّره بالجمال المعنويّ أشدّ وأقوى.

 

أثر التقوى في إزالة الشدائد

 

يقول الله سبحانه:

 

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾18 .

 

17- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغةـ ج 11، ص 127.

18- سورة الطلاق، الآية: 2.

 

ويقول أيضاً:

 

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾19 .

 

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام:

 

“فَمَنْ أخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا، وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الأمور بَعْدَ مَرَارَتِهَا، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الأمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا، وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا”20 .

 

وهنا يرد إلى الذهن السؤال التالي: ما هو الرابط بين التقوى وهي خصيصة روحيّة أخلاقيّة وبين قهر المشاكل والشدائد الفعليّة؟

 

أنواع الصعاب‏

 

وللجواب عن هذا التساؤل لا بدّ من بيان أنّ الشدائد والصعاب في هذه الحياة على نوعين:

 

19- سورة الطلاق، الآية: 4.

20- نهج البلاغة، الخطبة رقم 198.

 

الأوّل: هو ما لا دخل لإرادة الإنسان في حدوثه، كالزلازل والبراكين وما شابه ذلك.

 

الثاني: هو الّذي تتدخّل فيه إرادة الإنسان، وأمثلته كثيرة، وهي المشاكل الأخلاقيّة والاجتماعيّة الّتي يواجهها الإنسان في حياته.

 

وهنا نقول: إنّه ليس ما يمنع من وجود قانون طبيعيّ يكون ضماناً إلهيّاً للخلاص من المشاكل من النوع الأوّل، كاستجابة الدعاء مثلاً، ولكن لا ندري هل أنّ بيان القرآن يشمل النجاة من هذه الشدائد أو لا يشملها؟ وعلى كلّ حال فإنّ مثل هذه الشدائد نادر الحدوث في حياة الإنسان.

 

وأمّا النوع الثاني من المشاكل فهو المقصود في القرآن ونهج البلاغة، أي إنّ التقوى لها أثر كبير في تخليص الإنسان من المشاكل الاجتماعيّة والأخلاقيّة الّتي هي من صنعه وخاضعة لإرادته.

 

 

وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك بقوله:

 

“وَاعْلَمُوا أَنَّهُ من يتّق الله يجعل له مخرجاً مِنَ الْفِتَنِ، وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ”21 .

 

فالتقوى تقف حائلاً بين الإنسان والانحراف عن الخطّ الّذي رسمه الله عزَّ وجلَّ له، ليحقّق من خلاله السعادة والهناء في هذه الحياة الدنيا، وبهذا يتخلّص الإنسان التقيّ من خطر الوقوع في المشاكل والشدائد الناشئة، على نحو الدوام، من الابتعاد عن النهج الّذي وضعه الله، ليسير عليه الناس في حياتهم. ولو سقط التقيّ في مشكلة ما نتيجة الغفلة عن أوامر الله ونواهيه، الّتي قد تصيبه في أيّ وقت، فإنّه يستطيع الرجوع من خلال التقوى إلى الصراط المستقيم، فيتخلّص من مشكلته، وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾22 .

 

21- نهج البلاغة، الخطبة رقم 183.

22- سورة الأعراف، الآية: 201.

 

وبهذا يكون الأثر الأوّل للتقوى هو التبصّر والرؤية الواضحة، والأثر الثاني لها هو النجاة من المهالك والشدائد.

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...