الرئيسية / الاسلام والحياة / رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة

رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة

أولا: أصل مقولة الحرب الناعمة طبقا للوثائق والمستندات التاريخية

 الحرب الناعمة مشتقة من مقولة “القوة الناعمة” كما روج لها المنظر الأول لهذه القوة البروفيسور جوزيف ناي نائب وزير الدفاع الأميركي السابق ومدير مجلس المخابرات الوطني الأميركي، وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفرد، وهو أحد أهم المخططين الاستراتيجيين الأميركيين، وقد تمكن بمهارة من توظيف ثنائية الصلب والناعم المستعملة في تقسيم أجهزة وقطع الكومبيوتر الذي يتألف من أدوات ناعمة software وأدوات صلبة hardware في سبيل ترويج مشروعه الاستراتيجي والسياسي والعسكري الذي يقوم على نقل المعركة من الميدان العسكري الصلب حيث التفوق لعقيدة القتال والموت والصبر الطويل والصمود التي يتقنها أعداء أميركا من وجهة نظر جوزيف ناي إلى الميدان الناعم وأدواته التكنولوجية والإتصالية والإعلامية، حيث التفوق لأميركا وحلفائها. هذه النقطة توصل اليها أيضا خبراء الدراسات الصهيونية، فقال الباحث في مركز دراسات

 

 

الأمن القومي الصهيوني ميخائيل ميلشتاين “إن تفوق إسرائيل يحتاج الى معركة صبورة استنزافية مديدة السنين لا ترتكز فقط على كسر القوة العسكرية لقوى المقاومة وإنما تسعى أيضا لتقويض المراكز التي تتبلور فيها الافكار ومنها تنغرس في وعي الجمهور. وفي هذا الاطار يبرز على وجه الخصوص دور أجهزة الإعلام والتعليم والمراكز الدينية في بيئة المقاومة ويبدو أنه فقط بعد أن نحدث التغيير الجوهري والطويل الأجل في أنمـاط عمــل هذه المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمساجد والمؤسسات الدينية يمكن أن نلغي فكرة المقاومة من الوعي أو نهزمها”1.

 

وقد تطور هذا الاصطلاح ومر بثلاث محطات، المحطة الأولى سنة 1991 أي بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وشعور الأميركيين بنشوة النصر في الحرب الباردة وتسلمهم زعامة العالم، حينها أصدر جوزيف ناي كتابه الأول ” مفارقة القوة ” ومن ثم أتبعه على أثر هجمات 11 أيلول العام 2001 باصدار كتابه الثاني “ملزمون بالقيادة” وتوج مشروعه في كتابه الشهير “القوة الناعمة SOFT POWER” في العام 2004 بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.

 

ومنذ العام 2008 وبعد فشل الاندفاعة العسكرية الصلبة لأميركا في أفغانستان والعراق وصدور توصيات لجنة بيكر هاملتون لتعديل الخطة

 

1- مقالة للباحث الاسرائيلي في مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي ميخائيل ميلشتاين تحت عنوان “صعود تحدي المقاومة وأثرها على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي” جريدة السفير اللبنانية العدد 11495 الصادرة بتاريخ 18/1/2010

 

الأميركية للمنطقة للحد من الأكلاف العسكرية والبشرية والمالية للحروب تمكن مجموعة من الخبراء والباحثين الإستراتيجيين من إدراج مقولة الحرب الناعمة في صلب هذه الخطة المرسومة على ضوء مجموعة نقاشات معمقة حصلت في أروقة مراكز ومعاهد الأبحاث المتخصصة بصناعة القرار الأميركي بين مفكرين عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتحت إشراف معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS وقد توصل الفرقاء على أثرها الى تسوية تقوم على دمج وتناغم سياسات القوة الصلبة والقوة الناعمة في إطار معادلة واحدة أطلق عليها “القوة الذكية 2Smart power”.

 

وقد عرفت وزيرة خارجية أميركا الحالية هيلاري كلينتون القوة الذكية بأنها “تسخير كل الأدوات التي تتوفر لدى الولايات المتحدة الأميركية سواء الإقتصادية والعسكرية والسياسية والقانونية والثقافية والإعلامية، والبحث عن الأداة الملائمة من بين هذه الأدوات بما يتناسب مع كل وضع دولي”3.

 

وقد بلورت لجنة تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية بالتنسيق مع الجهات الأخرى في الإدارة الأميركية سياسات جديدة تم وضعها قيد التطبيق منذ سنوات في إطار مشروعين اثنين:

 

2- منذر سليمان / مقالة بعنوان “أميركا.انعطاف استراتيجي مؤجل. لكنه قادم” 2009 / موقع دراسات قناة الجزيرة www.aljazeera.net

3- تصريح لهيلاري كلينتون أمام مجلس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ 13/10/2009 منشور على عدة مواقع انترنت منها موقع التجديد www.attajdid.info

 

1ـ مشروع Century statecraft st21  صناعة الدول في القرن الحادي والعشرين بهدف إحداث التغييرات في البنى السياسية لبعض الدول وخاصة المناوئة لأميركا من خلال توظيف التكنولوجيا الإتصالية والإعلامية عبر تشكيل قوى سياسية ومدنية وشبابية في ساحة الخصم تؤمن بالأفكار والقيم والسياسات الأميركية ويتم التواصل معها عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، ويمكن ترميز هذا المشروع بما أطلق عليه إعلاميا بثورة الديمقراطيات الرقمية.

 

2ـ مشروع Diverting The Radicalization Track ويقوم على “إعادة توجيه مضمار التطرف “ويعني الإتصال بالبيئة السياسية للجماعات والنظم المتطرفة والمعادية وفتح حوارات معها عبر جهات ثالثة أو من خلال واجهات مدنية والسعي لتوجيه زخمها وإمتصاص عنفها وتحويل حراكها وإشراكها في إطار اللعبة الديموقراطية بما يخدم المشروع الأميركي4، وقد ساعد على إرساء وتصميم هذه المشاريع والسياسات شخص مغمور في الإدارة الأميركية، وهو الرجل الاصغر سنا في الإدارة الأميركية والأكثر إبتكارا للأفكار

 

4- يمكن فهم هذا المشروع بنموذج الحوار الذي تجريه جمعية الحوار الإنساني السويسرية مع جماعة الإخوان المسلمين وهو حوار بين الغرب وهذه الجماعة من خلال جهة ثالثة وبواجهة مدنية، وقد أفصح عن ذلك مرشد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 9/10/2011

 

 والسياسات5 عنينا به مدير قسم غوغل للأفكار google idea ورئيس قسم تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية جارد كوهين 6jard Cohen.

 

وعلى هذا الضوء ندرك أن مصطلح الحرب الناعمة ولد في سياق المحطات الكبرى والحروب والأحداث العسكرية المفصلية لنهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين وتحت تأثير قفزات التطور الهائلة التي حدثت في عالم وسائل الإتصال والإعلام، وهو منتج جديد مبتكر ومشتق من روح الحرب الباردة ولكن بغلاف جديد وبتقنيات وآليات وسياسات ومشاريع جديدة وموجه الى جمهور جديد وبمواجهة عقيدة جديدة هي الإسلام وضد بلدان وقوى جديدة خاصة إيران وسوريا وقوى المقاومة والممانعة ضد المشروع الأميركي الأطلسي الإسرائيلي في المنطقة.

 

5- جارد كوهين، أختير في العام 2010 كواحد من بين 100 شخصية غيروا قواعد اللعبة game changers بحث منشور على موقع www.wikipedia.org…

6- مقالة للكاتب محي الدين الحليبي تحت عنوان “جارد كوهين..مهندس الثورات المخملية” منشورة على موقع شبكة أنا المسلم www.muslim.net

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...