الرئيسية / الاسلام والحياة / رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة

رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة

ثالثا: خطابات الإمام الخامنئي في الحرب الناعمة جزء من كل وهي امتداد لمنهجه ورؤيته الشاملة

إن مراجعة خطابات الإمام القائد خاصة بعد توليه لمقاليد الولاية والقيادة على أثر وفاة الإمام الخميني لإ وبعد سقوط الإتحاد السوفياتي سنة 1991ولغاية سنة 2009 تاريخ حصول الإنتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في الثاني عشر من شهر حزيران تكشف لنا عن مجموعة من الملاحظات وتحدد لنا دوافع إطلاق سماحته لمصطلح الحرب الناعمة على الصراع الدائر، كما أن الغشاوة وسوء البصيرة التي غطت وطمست أعين بعض المسؤولين في نظام الجمهورية الاسلامية هو ما حمل سماحته على التركيز على أهمية معرفة أبعاد هذه الحرب، ربما لأنها لم تكن واضحة ومرئية بالصورة التي قد يرصدها البعض، وقد عبر سماحته عن هذا الأمر بقوله ” حتى لو ان البعض لم يراها فالحرب الناعمة حرب حقيقية قائمة في عالمنا المعاصر ” وقد ظهر لنا من خلال تحليل هذه الخطابات وما تلاها المعطيات الآتية:

1ـ لدى التدقيق في خطابات سماحته على مدى 18 عاما (1991 – 2009) لم نعثر على أي كلمة أو عبارة فيها حديث او إستعمال لمصطلح الحرب الناعمة، وقد لاحظنا أن هذا المصطلح ظهر لاول مرة في خطاب لسماحته

بتاريخ 14/5/2009 اي قبل الانتخابات بشهر تقريبا خلال إستقباله لعوائل شهداء كردستان، وهذا ما دل على حصول تطور أدى الى هذا الإنتقال في توصيف عمليات الحرب النفسية والدعاية التي يشنها الإستكبار ضد النظام الإسلامي وتسميتها بالحرب الناعمة.

2ـ إن رواج كتاب القوة الناعمة SOFT POWER سنة 2005 وانتشاره بعد ترجمته الى عدة لغات عالمية ومنها اللغتان الفارسية والعربية، هذا الكتاب الذي ذاع صيته ألفه جوزيف ناي JOSEPH NYE وهو أحد اركان الادارة الاميركية حيث كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع الاميركي ومنصب مدير الامن الوطني الاميركي وعميد كلية جون كندي للدراسات الحكومية ساهم في هذا الأمر، ومن المؤكد ان سماحته المعروف بسعة اطلاعه على أهم وآخر الأفكار الصادرة في العالم وخاصة ما يصدر عن رأس الإستكبار قد اطلع على هذا الكتاب ولفت نظره كونه وثيقة تكشف وتعكس أنماط تفكير وتخطيط الإدارة الاميركية اتجاه العالم واتجاه إيران خاصة.

3ـ بعد هذا الكتاب صدرت العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات الصحفية والتصريحات السياسية لمسؤولين أميركيين تتحدث عن الحرب الناعمة .

4ـ اقتناع سماحة السيد القائد بأن مؤشرات الحرب العسكرية على إيران وصلت الى طريق مسدود، ما يعني حتمية لجوء العدو الى الحرب النفسية – الناعمة.

5ـ بروز أدلة ومستندات كافية جمعتها الأجهزة الأمنية في ايران ووضعت بين يدي سماحة القائد على استخدام العدو لعمليات وطرق وأساليب مبتكرة وجديدة لم تكن معهودة سابقا بقصد إحداث الفتنة وشق صف أركان النظام الاسلامي في إيران، وهذا ما كشفته أحداث الإنتخابات الرئاسية في حزيران من العام 2009.

6ـ يؤكد العارفون القريبون من سماحة الإمام القائد أنه أمضى خلال عقد التسعينات فترة طويلة في دراسة تجربة الحرب الباردة وأسباب سقوط الإتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشرقية، وتوصل الى خلاصات حول فرص الغرب في تجربتها مع إيران1، ولعل حديث السيد القائد الخامنئي في أكثر من مناسبة ومنذ أكثر من عشر سنوات اي منذ العام 2000 عن تجربة سقوط الاتحاد السوفياتي واعتباره ان الغرب حاول وسيستمر بمحاولة تقليد سيناريو إسقاط الإتحاد السوفياتي في إيران عام 1999 أي بعد انتخاب الرئيس السابق محمد خاتمي، وحديثه في خطبة مفصلة عن الفوارق الهائلة بين إيران بلد النظام الديني الإسلامي وبين الإتحاد السوفياتي بلد النظام الشيوعي الإلحادي والفرق بين الشعب الإيراني والشعب السوفياتي والفرق بين القيادة الإيرانية والقيادة السوفياتية2 ما يؤكد هذا المنحى، وهذا ما يدل على الإستشراف المبكر للأحداث لدى
________________________________________
1- دراسة تحت عنوان في فهم الإمام الخامنئي – رؤية قائد الثورة الاسلامية الايرانية للباحث الأميركي من أصل إيراني كريم سجاد بور. نشر عام 2008 ص21 موقع معهد كارنيغي www.carnegieendowment.org
2- خطاب التحديات والاصلاحات بتاريخ 10 تموز 2000

سماحته، ويدل على أنه لم يتفاجأ بشن الحرب الناعمة على ايران، وهذا ما أكده سماحته بصراحة ” لم تفاجئنا الفتنة ولكن فاجئنا تحرك بعض الأشخاص” ويؤكد ذلك أيضا خطاب ألقاه سنة 2008 اي قبل سنة على موعد الإنتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من حزيران 2009 حذر فيه من فتنة يحضر لها اثناء هذه الانتخابات.

7- من يقرأ خطاب سماحة القائد في جمع من الدبلوماسيين الإيرانيين العاملين في السلك الخارجي سنة 2001 منذ أكثر من عشر سنوات وحديثه عن تجربة سقوط الإتحاد السوفياتي وذكره بالتفصيل كيفية حصول هذا الانقلاب يكتشف حجم المعرفة والمتابعة العميقة لسماحته بالإستراتيجيات الأميركية والغربية فقد صفقوا لغورباتشوف لسنوات على أساس انه رجل الإصلاح والشفافية وكالوا له المدائح وشجعوه واعتبروه رجل العام، ونحن لم يثبت لدينا انه كان عميلا للغرب كما يزعم البعض، بل نعتقد انه شخص إنطلت عليه الخديعة وهذا ما اعترف به لاحقا في كتابه “البيريسترويكا الثورة الثانية ” ومن ثم اخترعوا الى جانبه شخصية موالية لهم هي بوريس يالتسين الذي كان يتناغم في حركته ومواقفه السياسية مع مواقف أميركا والغرب مستغلا ضعف شخصية وحنكة غورباتشوف، وأصبح يتصرف كأنه الزعيم الفعلي وصاحب المشروع الاصلاحي، هذا طبعا الى جانب ضخ الأموال ودعايات وسائل وأجهزة الإعلام التي شاركت في هذا الانقلاب، حيث كان هذا هو مشروع أميركا الناجح في الإتحاد السوفياتي، أي انهم

استطاعوا عن طريق خطة ذكية تماما، وبإنفاق بعض الأموال، وتجنيد بعض العناصر، وبإستخدام وسائل الإعلام أن يسقطوا قوة كبرى ويقضوا عليها نهائيا في خلال ثلاث او اربع سنوات تكللت بالثمار المرجوة خلال ستة او سبعة أشهر3.

8ـ إن حديث سماحة الإمام القائد منذ سنة 2000 عن الحرب النفسية والدعاية قد تكرر في عشرات الخطب، وقد أحصينا ورود هذا المصطلح بما لا يقل عن 100 مرة في خطاباته، وأحيانا كان سماحة القائد يستعمل مصطلحات مشابهة مثل “الحرب الإعلامية” و”الحرب الثقافية” و”الحرب المخملية” و”حرب الأفكار” حيث ان هذه المصطلحات والمسميات بقيت رائجة في الأوساط العالمية.

9ـ ان حديث سماحة الإمام القائد عن الحرب الناعمة يقع في إطار رؤيته الشاملة للصراع الحضاري والإستراتيجي الشامل مع الغرب الإستكباري وهو ليس وليد اللحظة الراهنة، فالنظرة والرؤية الإستراتيجية لسماحته للمشروع الغربي الاميركي واضحة وثابتة جدا، يكفي ان نتأمل وندقق في خطاب لسماحته ألقاه سنة 2000 يقول فيه حرفيا “إن المشروع الامريكي والغربي أيا كان الإسم لم يكن مشروعا عسكريا، بل كان إعلاميا بالدرجة
________________________________________
3- خطاب لسماحة السيد القائد في حضور اعضاء السلك الدبلوماسي منقول من كتاب دور وسائل الاعلام في الصراع السياسي والثقافي. للشيخ علي ضاهر. دار الهادي للطباعة والنشر.

الاولى، وتم تنفيذه اساسا عن طريق اللافتات واليافطات والصحف والأفلام وسواها، ومن يدقق في هذا الموضوع سيلاحظ ان خمسين او ستين في المائة من المشروع قد نفذ عبر وسائل الإعلام والأساليب الثقافية”4 وبالتالي فالمسميات والمصطلحات وتسويق المنتجات الجديدة في عالم الاستراتيجية (حرب ناعمة / غزو ثقافي / حرب باردة / حرب نفسية…الخ) أمر غير جوهري، المهم جوهر المشروع لا إسمه بنظر السيد القائد.

10ـ في الشكل وجدنا من خلال دراسة خطابات السيد القائد حول الحرب الناعمة أنها تتميز من حيث الاسلوب والنمط الخطابي والمنهج الأدبي بتركيبة فكرية ومفاهيمية وبلاغية عميقة ومتينة ومتماسكة وموحدة، بحيث اتسمت بمستوى رفيع من التسلسل والترابط المنهجي والفكري والعلمي، مع قدرة فائقة على تفكيك ونقد هذه الاطروحة وهذا المشروع بصورة مضادة في ظل الالتزام بعناصر الأصالة والدقة العلمية والشمولية في عمل منظومي واحد، بحيث أن كل خطبة تدعم ما يليها، وتكمل ما سبقها، مع أن الخطابات تنتمي زمنيا لفترات متباعدة، وهذا ما ساهم في تحقيق نجاح فكري واسلوبي باهر لأنماط الخطابات القيادية لسماحته جعلت منها خطابات ذات طابع رؤيوي تاريخي يكون لها ما بعدها، مع تميزها بقدرة خطابية واضحة سهلة الفهم والاستيعاب من قبل النخب والجماهير على السواء.
________________________________________
4- نفس المصدر السابق.

11ـ يلاحظ من خلال قراءة خطابات سماحة القائد وتحليل بنيتها ومضمونها وجود عملية تواصل وترابط تاريخي ومنهجي وفق خط زمني مستقيم ومتطابق مع خط الرؤية، بحيث أننا لو درسنا خطابا لسماحته مؤرخا بعد انتصار الثورة سنة 1979 وخطابا مؤرخا بعد سنة 1991 بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وخطابا مؤرخا بعد العام 2001 أي بعد أحداث 11 أيلول، وخطابا مؤرخا بعد سنة 2003 أي بعد غزو العراق وافغانستان، وخطابا مؤرخا بعد حرب تموز 2006، وخطابا مؤرخا بعد العدوان على غزة عام 2009، وخطابا مؤرخا في العام الحالي 2011 أي بعد انطلاق ما يسمى بالثورات العربية، سنجد على طول هذا الشريط الوثائقي ثباتا وتماسكا نوعيا لافتا في الرؤية والموقف والتحليل والنظرة وإستشراف المستقبل لدى سماحته، لم تهزه ولم تثني من عزيمته وعنفوانه غبار الحروب والأحداث والمفاصل التاريخية، وهذا يدل على وجود خط رؤية واحد يتميز بالثبات والتماسك الكامل، وهو ما يكشف عن منهج ورؤية ويكشف بالضرورة عن قائد ثوري وتاريخي إستثنائي وليس عن قائد أو زعيم مرحلي يتحدث وفق أنماط الخطابة السياسية المألوفة في عالم القادة والزعماء، وقد دفع هذا الواقع أحد الباحثين في معهد كارنيغي للأبحاث والدراسات للإعتراف بأن السيد الخامنئي أعزه المولى “قائد حازم له نظرة الى العالم تتسم بالثبات والتماسك، ونصح الادارة الاميركية باليأس من تغيير وتبديل سياسات

وشعارات النظام الإسلامي في ايران في ظل وجود هذا القائد لانه ليس من النوع الذي يقبل بأي تنازل او مساومة على الأصول والثوابت “5..

هذا الثبات وهذه الاستقامة هي القضية التي شرحها وفصلها بدقة سماحة السيد القائد في خطبة أمام حشد من الأساتذة والطلاب الجامعيين تحت عنوان “الثورات بين الثبات والتحول”6 ولكن بالنظر الى تواضع ورفعة وسمو أخلاقه نسبها الى الثورة وليس الى نفسه، مع ان القاصي والداني يعلم أن لسماحته الدور الاساسي والمركزي في هذا الثبات وفي هذه الاستقامة، حيث تحدث عن تاريخية انحراف الثورات العالمية عن شعاراتها ومواقفها كالثورات الفرنسية والاميركية والروسية تحت ضغط الصراعات بين الاجيال والاطراف والمجموعات المتنازعة على السلطة وبين قادة هذه الثورات أنفسهم، ومباشرة بعد سنوات قليلة على إنهائها وإنجازها لمهمة اسقاط النظم السابقة، في حين أن الثورة الاسلامية في إيران لم تنحرف قيد انملة عن شعاراتها ومواقفها بالرغم من توالي الأحداث وصعوبة ومشقة الطريق، ولم تنهار هذه الثورة تحت ضغط المصالح الحزبية والشخصية.

وهذا ما يجب أن يدركه ويدرسه ويعرفه جيدا أتباع هذا القائد العظيم أعزه الله وأطال بعمره ومد في ولايته الشريفة..
________________________________________
5- دراسة للباحث الاميركي الإيراني الأصل كريم سجاد بور تحت عنوان في فهم الامام الخامنئي- رؤية قائد الثورة الإسلامية الإيرانية ص.5 وص 31 منشورة في موقع معهد كارنيغي www.carnegieendowment.org
6- خطاب لسماحة القائد أمام حشد من الطلبة الجامعيين في جامعة طهران بتاريخ 10/8/2011

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...