الرئيسية / الاسلام والحياة / السنن الإلهية في بناء المجتمع

السنن الإلهية في بناء المجتمع

بين القديم والجديد
الرواية الشريفة التي تلوناها في أوّل هذه الموعظة، تؤكّد على لزوم المحافظة على الأخ القديم ما دام مستقيماً لك، لكنّها في الوقت نفسه لا تمنع من السعي نحو اكتساب أصدقاء وإخوة جدد، فقد ورد في ذيلها الحث على إقامة العلاقات الصحية الطيّبة داخل الجسم الإيماني، حيث قال: “وَلَا تَسْتَكْثِرَنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَلْفَ صَدِيقٍ”، كما ورد فيها الحثّ على تجنّب العداوات، فقال عليه السلام: “وَلَا تَسْتَقِلَّنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَدُوٌ وَاحِدٌ”، وفي هذا المعنى ينسب إِلَى أمير المؤمنين عليه السلام بيتٌ من الشعر:
وليس كثيراً ألفُ خلٍّ وصاحبٌ وإنَّ عدواً واحداً لكثيرُ

إِنَّ عدواً واحداً يكفي لينغّص عليك العيش، وربّما نحتاج إِلَى أكثر من ألف صديق حتّى نشكّل خلية عمل… تحوّل مرّ الحياة إِلَى عسل.
مؤاخاة الأتقياء
مفاهيم محورية
– مرغوبية البخل في موردين.
– لماذا الأتقياء دون غيرهم؟
– المشاق في سبيل الهدف الأسمى.
– طلبٌ أغلى من العمر.
– طلبٌ أغلى من العمر.
– تبصرةٌ وذكرى.

نصُّ الوصية:
رُوي عن صادق آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّه قال في وصيةٍ له: “وَاطْلُبْ مُؤَاخَاةَ الأَتْقِيَاءِ وَلَوْ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَإِنْ أَفْنَيْتَ عُمُرَكَ فِي طَلَبِهِمْ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُخْلِ عَلَى َوجْهِ الأَرْضِ أَفْضَلَ مِنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَمَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى العَبْدِ بِمِثْلِ مَا أَنْعَمَ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ بِصُحْبَتِهِم” .

تمهيد:
لله درّ الأتقياء ماذا فعلوا حتّى صاروا قِبلةً يحجُّ إليها أصحاب الهمم العالية، والنفوس الشامخة؟

لله درّهم أيّ سرٍّ أُودع فيهم! أيُّ جمالٍ هذا الَّذِي قد غشيهم حتى صاروا محطَّ عشق الوالهين!

هل امتزجت نفوسهم بعَبَقِ أريجٍ إلهي، فعرف قدرهم مَنْ كان له ذوقٌ في شمِّ نسمات نسيم القرب؟! فضرب إِبْطَ مطايا الرّحال في سفرٍ ربما كلّفه صرفَ لئالئ عقد العمر, ليرتشف من أُنس صحبتهم.
إِنَّها النفس التوّاقة لعالم الطهر والقداسة حيث الكمال المنقطع النظير.

أخي في الله!
إِنَّ عمر الإنسان محدودٌ لن يتجاوز أحدٌ ما قدّر له: ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ .

وإنَّ الساعات تخترم الأعمار، وتقرّب من الفناء والبوار، قال سيّد الفصحاء والبلغاء أمير المؤمنين عليه السلام: “مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ وَأَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ‌” .

وهناك حقيقةٌ مرّة نعلمها، لكن لا نريد أنْ نصدّق بها ونعمل على أساسها، هي: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ ، فنحسب أَنَّ الموت على غيرنا كُتب، أو كأنّه لا يتربّص بنا، ونعدّ تشييع الأموات حَدَثاً باقياً للذكرى، لا للتذكر والعبرة، وأنّ عمر الإنسان ينقضي ولا نشعر إِلَّا بعد فوات الأوان، ولات ساعة مندم.

مرغوبية البخل في موردين
لا يخفى أَنَّ البخل عادة سيّئة ومذمومة, فإنّ البخيل بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الناس، بعيدٌ من الجنّة. لكنّ المسألة إذا تعلّقت بواحدٍ من أمرين: إمّا عمر الإنسان، وإمّا عِرضه، فقد ورد في بعض الروايات أَنَّه حينئذٍ يكون أمراً مرغوباً فيه ومطلوباً.

أمّا ما يرتبط بعمر الإنسان، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يَا أَبَا ذَرٍّ كُنْ عَلَى عُمُرِكَ أَشَحَّ مِنْكَ عَلَى دِرْهَمِكَ وَدِينَارِكَ” ، أي: ابخل بعمرك ولا تفرّط به، ولا تشتغل بما لا ينفع، فشرُّ ما شغل به المرء وقته: الفضول.
فإنّ اشتغال النفس بما لا
يصحبها بعد الموت، أو بما تصحبها حسرةُ التفريط دليلُ وهنِ العقل وعدم إدراكه ما ينبغي أن يعمل لأجله.

وأمّا ما يرتبط بعرضه وشرفه، فإنّه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّه قال: “رَحِمَ اللهُ أَخِي سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ مَا كَانَ أَبْخَلَهُ” ، وورد في تفسيره: “مَا كَانَ أَبْخَلَهُ بِعِرْضِهِ وَسُوءِ الْقَوْلِ فِيهِ”، فنفسه لا تسمح له أنْ يسمع في عِرضه شيئاً، فضلاً عمّا هو أكبر من ذلك, لأنّ مَنْ جاد بماله جلّ، ومَنْ جاد بعرضه ذلّ. وورد أَنَّ “أَبْخَلَ النَّاسِ بِمَالِهِ
أَجْوَدُهُمْ بِعِرْضِهِ” , لأنّ حرصه على المال يجعله لا يتورّع عن سلوك أيّ طريق يؤمّن له المال ولو كان عِرضه، نعوذ بالله مِمَّن يصون ماله بعرضه، فالعرض لا يهدى ولا يباع ولا يشترى.

والعمر الذي ينبغي أن تكون شحيحاً فيه، عليك أن تستثمر بالأمور الإيجابية، ومن الأمور الإيجابية مؤاخاة الأتقياء فاطلب مؤاخاتهم ولو أفنيت عمرك.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...