الرئيسية / الاسلام والحياة / الاستهانة بحقوق الإخوان توجب عذاب الأمة

الاستهانة بحقوق الإخوان توجب عذاب الأمة

إِنَّ الله سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقي لهذا الكون، وهو سبحانه مالك الدين وصاحب الشرع، وبيده التصرُّف في الثواب والعقاب، وبيده أن يجعل الثواب الجزيل والخير الكثير على الأمور التي قد تكون بنظرنا القاصر مجرّد أمور صغيرة قليلة الأهمية، وبيده سبحانه أن يجعل العقاب الخطير والعذاب الأليم على أمور قد تكون حقيرة وتافهة بنظرنا القاصر الضعيف، ولذلك فإنَّ الميزان الصحيح الذي يعصمنا عن الخطأ في تقدير موقفنا وتكليفنا في هذا المقام هو أن ننظر ونراقب اهتمام المولى تعالى في ما يأمرنا به وينهانا عنه، ومن خلال اهتمام المولى بالشيء نستكشف أهميته في الشريعة،

ولا يجوز لأحدٍ من المكلفين أن يستقلّوا بأن يقرّروا بأنفسهم ما هو الشيء المهم وما ليس كذلك، فمن قول الإمام عليه

السلام: “الْمَاشِي

 

 

فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ الله يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَمَا عَذَّبَ الله أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ…” نستكشف أهمية وخطورة مسألة قضاء حوائج المؤمنين عند المولى، وأنّ غرضه هو انتشار هذه الظاهرة في المجتمع الإيماني، والمبالغة في الاهتمام بها، والحثّ عليها حتى جعل لها هذه الآثار الخطيرة والكبيرة، فأعطى لمن امتثل ثواب أكبر وأقدس شهداء الإسلام، وجعلها كالتصدي للجهاد في معارك مفصلية وأساسية في تاريخ الإسلام، ولولاها لما قامت للدين قائمة، وجعل من آثار إهمالها والاستهانة بها نزول العذاب على الأُمّة التي تهمل هذه القضية الخطيرة عنده تعالى، فلا تعمل على نشرها وترويجها، وجعلها من الظواهر التي يبتني عليها المجتمع المؤمن.

 

بل إِنَّ الظاهر من قول الإمام عليه السلام: “وَمَا عَذَّبَ الله أُمَّةً إِلَّا عِنْدَ اسْتِهَانَتِهِمْ بِحُقُوقِ فُقَرَاءِ إِخْوَانِهِمْ” أَنَّ الاهتمام بحقوق الإخوان موجبٌ لتأخير نزول العذاب على الأمة المستحقة للعذاب، مع أَنَّ الأمم لا تستحق نزول العذاب عليها إلا بارتكابها لأشياء كبيرة وخطيرة كالكفر والتجبّر والعصيان للمولى، إلا أَنَّ المولى تعالى يعطيها المزيد من الفرص ويؤخّر عنها ما تستحقه من عذاب ما دامت محافظة على مسألة حقوق فقرائها، ويسعى أهلها في قضاء حوائج بعضهم، فإذا فرّطوا في ذلك أيضاً أنزل الله تعالى عليهم العذاب, لأنّه لم يعد بينهم وبين العذاب حاجب.

 

فالله تعالى قد يتجاوز ويؤخّر عقاب الكافر المشرك لأجل أن يعطيه المزيد من الفرص، وليُظهر له أنّه يحبّ له أن يدخل في الدين لأجل ما عنده من صفات حسنة يحبها الله تعالى ويحبّ أن يراها في المجتمع الإيماني، كما وقع للكافر الذي كان يتآمر مع جماعة على اغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأطلع الله نبيه على ذلك، فأرسل صلى الله عليه وآله وسلم إليهم علياً عليه السلام فقاتلهم وجاء بهم أسارى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقدمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعرض الإسلام على الأول فأبى، فأمر صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بقتله فقتله، ثم عرض على الثاني

 

 

كذلك فأبى، فقُتل أيضاً، فلما وصل إلى الثالث الذي أبى الإسلام أيضاً فوضعه علي عليه السلام تحت السيف ليضربه “فهبط جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد إِنَّ ربك يقرئك السلام ويقول لك: لا تقتله فإنّه حسن الخلق، سخيٌّ في قومه، فقال الرجل وهو تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، فقال: والله ما ملكت درهماً مع أخٍ لي قط إلا أنفقته، ولا تكلمت بسوء مع أخ لي، ولا قطبت وجهي في الجدب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا ممّن جرّه حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم”[1].

[1] الشيخ الصدوق، الخصال، ص 96، ح41، تصحيح: علي أكبر غفاري، سنة الطبع 1403، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، قم المقدسة.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...