الرئيسية / أخبار وتقارير / «أغنياء لا يشبعون»: الكوكب في خدمة 1% مـن سكانه

«أغنياء لا يشبعون»: الكوكب في خدمة 1% مـن سكانه

«في عام 2014، سيطر أغنى 1% من البشرية على 48% من ثروتها الإجمالية، تاركين 52% فقط من هذه الثروة للـ99% من البالغين على هذا الكوكب». تُعدّ هذه الخلاصة التي ينطلق بها تقرير منظمة «أوكسفام» حول الثروة في العالم: «أغنياء لا يشبعون» (ترجمة غير حرفية للعنوان الإنكليزي)، كافية لشرح أحوال سكان الارض بعد عقد ونيف من بداية القرن الجديد واكثر من 3 عقود من انهيار الاشتراكية في اوروبا وسيطرة الافكار النيوليبرالية.

هذه الخلاصة توضح كيف أن ثروة العالم، التي يولّدها النظام الرأسمالي القائم، تتركز على نحو متزايد في أيدي «نخبة صغيرة غنية». عمد هؤلاء الأشخاص، وفقاً لكلمات التقرير الذي نشرته المنظمة بداية هذا الأسبوع، إلى إنتاج ثرواتهم ومضاعفتها عبر العمل في قطاعات اقتصادية محددة، أبرزها القطاع المالي ومجالات الصناعة الصيدلانية والرعاية الصحية. «تُنفق الشركات العاملة في هذه القطاعات الملايين كل عام لمناصرة مصالحها القاضية بخلق بيئة سياسية تحمي وتُطور هذه المصالح أكثر في المستقبل». هذا التأثير اللولبي لتركز الثروة يترك لـ80% من البشرية 5.5% فقط من ثروة العالم. «وإذا استمرّ هذا النمط فإنّ حصّة الـ1% ستفوق ثروة الباقين خلال عامين فقط».

مستويات تركز الثروة

استناداً إلى البيانات التي يتضمنها التقرير، والمستقاة من أبحاث المصرف السويسري Credit Swiss، فإنّ أفضل ما حققه العالم منذ مطلع الألفية، على مستوى التوزيع العادل للثروة كان في عام 2008، أي عند اندلاع شرارة الأزمة المالية وانهيار مؤشرات البورصة. حينها توزّعت الثروة بين 55.8% لصالح النصف الأفقر من البشرية، و44.2% لصالح الـ1% الأغنى. غير أن التدهور سرعان ما استكمل خلال السنوات اللاحقة.
حصّة الـ1% ستبلغ 50.28% من ثروة العالم عام 2016
ووفقاً للتقديرات الواردة في التقرير فإن حصّة الـ1% ستبلغ 50.28% من ثروة العالم عام 2016، وستستمرّ بالارتفاع لتصل إلى 54.32% بحلول عام 2020. يظهر مستوى تركز الثروات وارتفاعه على نحو مطرد من خلال مراقبة لوائح أصحاب المليارات في العالم. وفقاً لمجلة «فوربز»، التي تُعد اللائحة المدمجة الأكثر دلالة، فإنّ ثروة أغنى 80 شخصاً في العالم كانت 1.3 تريليون دولار عام 2010. وارتفعت بواقع 50% خلال أربع سنوات فقط لتُصبح 1.9 تريليون دولار بنهاية العام الماضي. اليوم تفوق ثروة هؤلاء الأشخاص ما يملكه 3.5 مليار بشري، ومؤشرات هذا التفاوت المادّي تزداد حدةً: قبل أربع سنوات تطلب الأمر 388 مليارديراً لمعادلة ما يملكه النصف الأفقر على هذا الكوكب، اما اليوم فلا يتطلب الأمر سوى 80 مليارديراً. يُمكن تبسيط المسألة بالمقارنة التالية: تبلغ الثروة الكلية في العالم 263 تريليون دولار، منها 1.84 تريليون دولار فقط للنصف الأفقر من البشرية. أما أغنى 22 شخصاً في العالم فيملكون ما يوازي نصف ما يملكه هذا النصف الفقير.
هؤلاء الأغنياء أشهر من التعريف فهم على لائحة شهيرة تبدأ بمؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل غايتس وبعملاق الاتصالات المكسيكي كارلوس سليم، تبلغ ثروة الأول 76 مليار دولار والثاني 72 مليار دولار. وتُكمل اللائحة بأسماء حققت وضعيتها من المضاربة المالية، ومن تكنولوجيا المعلومات، ومن الصناعة الصيدلانية والخدمات الطبية، ومن تجارة التجزئة… أو بكل بساطة من الإرث.

سطوة قوى الضغط

يدخل التقرير في تفاصيل مصالح الشركات الكبيرة التي تولد المليارات من الأرباح في عالم السياسة. فالأموال التي تُنفقها على شكل نشاطات مناصرة (Lobbying) تضمن لها استدامة مصالحها عبر تأمين البيئة الملائمة لتوليد الأرباح أو ضمان الأسواق أو الاحتكارات. فلنأخذ مثال الشركات المالية في الولايات المتّحدة، فقد أنفقت هذه الشركات 400 مليون دولار على المناصرة ومراكمة دعم السياسيين في هذا البلد عام 2013، أي 12% من إجمالي ما أُنفق على المناصرة في كل القطاعات. ويُمكن ربط هذا النشاط بنتيجة واضحة على لائحة «فوربز»: ارتفع عدد أصحاب المليارات العاملين في القطاع المالي في العام الماضي إلى 150 شخصاً وتضخمت ثروتهم بنسبة 17% إلى 629 مليار دولار. كذلك الأمر في الاتحاد الأوروبي. هناك، ناصَرَ القطاع المالي مصالحه بإنفاق 150 مليون دولار، ما رفع عدد أصحاب المليارات من هذا القطاع من 31 إلى 39 مليارديراً وثروتهم الإجمالية بنسبة 275% إلى 128 مليار دولار.
ليس غريباً أن تكون الشركات هي المسيطرة على مفاصل الرأسمالية، عبر تحالفاتها السياسية والبرجوازية، غير أن ما يؤكّده تقرير «أوكسفام» هو أنّه يُمكن احتواء توسّع اللامساواة في العالم. وذلك عبر 9 رسائل يوجهها إلى قادة العالم وناشطيه، وتحديداً إلى المجتمعين في مؤتمر دافوس الاقتصادي، الذي يجمع نخبة رجال الأعمال في سويسرا هذا الأسبوع، لمناقشة أحوال الكوكب ونشاطاتهم الخاصة وسبل الرأفة بالفقراء. الرسائل هي: الضغط على الحكومات لمواجهة الحالات المتطرفة من اللامساواة؛ تعزيز العدالة الاقتصادية بين الجنسين وحقوق المرأة؛ اعتماد «راتب المعيشة» عوضاً عن الحد الأدنى للأجور وكبح مدخول المدراء الكبار؛ توزيع العبء الضريبي على نحو عادل؛ السيطرة على الثغرات الضريبية السائدة في العالم التي تسمح بالتهرب من التكليف؛ التوصل إلى خدمات عامة مجانية بحلول عام 2020؛ تغيير النظام المعتمد عالمياً للتطوير والتسعير في القطاع الصيدلاني؛ اعتماد نظام عالمي للحماية الاجتماعية؛ توجيه مشاريع التنمية نحو خفض اللامساواة والفقر.
بعيداً من أهداف الألفيّة ومؤتمرات المانحين ودعم برامج التنمية وتحفيز الوظائف اللائقة، من الصعب جداً، استناداً إلى هذه التوصيات، التفكير بأن يعمد الفاعلون في نظام قائم على تغذية نخبته بالثروة الى تغيير هذا النظام، إلا إذا ولّد النظام شرارة قد تؤدي إلى انهياره ونشوء نظام جديد، قد يطول مخاضه عقوداً، أو تؤدي إلى انتفاضات موازية بين مراكز النظام تُعدّل مركز الثقل فيه وبالتالي الاستفادة من الثمار التي يُمكن أن يؤمنها.– حسن شقراني

 

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...