الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

16)

وفي نهج البلاغة قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “وطَلَباً فِي حَلَالٍ – ونَشَاطاً فِي هُدًى – وتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ”[1].

 

لعلّ الهدف من إيراد  هذا الكلام من الإمام سواء بعض الروايات المنقولة عنه أم ما ورد في النهج هو دفع توهّم قد يرد في ذهن القارىء عندما يراجع كلام الإمام وخصوصاً عند مطالعة الفقرات السابقة لهذا الكلام حيث ركّز أمير المؤمنين عليه السلام على أوصاف المتقين المرتبطة بعبادتهم وهي كونهم أهل عبادة في الليل والنهار وأجسامهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة إلى آخر المواصفات، واذا نظر إليه الناظر يحسبهم مرضى، فقد يُظنّ أنّ ذهنهم مشغول بالعبادة وهمّهم الذكر ولا طاقة لهم على الكسب والعيش باعتبار أنّ طاقتهم تلاشت في الذكر والعبادة وما شاكل ذلك، وعليه سيكون تأمين حياتهم من قِبَل غيرهم، والإمام كأنه أراد دفع هذا الدخل المقدّر وهو أنّ شيعته أصحاب همّة ونشاط وفعالية في الحياة الاجتماعية، وأصحاب كسب حلال سواء كانوا تجاراً أم كسبة، على أنّ ما يُميّزهم عن أهل الدنيا أنّهم لا يطمعون فيها كما هو حال الناس العاديين.

 

على كلّ حال الإمام عليه السلام سواء في حياته العملية أم في خطبه ومواعظه يرفض رفضاً باتاً الرهبنة والتنسُّك بمعنى الابتعاد عن العمل والحياة الاجتماعية، وأن يُصبح الإنسان عالة على الآخرين أي يعتمد على غيره فيما يحتاج إليه من طعام وكساء وغيرهما متطفِّلاً عليهم. كما هو حال بعض المتصوّفة. فقد ورد في نهج البلاغة كلاماً يبيّن هذه الحقيقة قال عليه السلام مخاطباً “العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه – يعوده، فلما رأى سعة داره قال: مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِه الدَّارِ فِي

 

 

الدُّنْيَا – وأَنْتَ إِلَيْهَا فِي الآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ – وبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الآخِرَةَ – تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ – وتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا – فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الآخِرَةَ – فَقَالَ لَه الْعَلَاءُ – يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ – قَالَ ومَا لَه – قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَةَ وتَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا – قَالَ عَلَيَّ بِه فَلَمَّا جَاءَ قَالَ – يَا عُدَيَّ نَفْسِه لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ – أَمَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ ووَلَدَكَ – أَتَرَى الله أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وهُوَ يَكْرَه أَنْ تَأْخُذَهَا – أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ ذَلِكَ – قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ – هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وجُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ – قَالَ… إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ – إِنَّ الله تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ – الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ – كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُه”[2].

[1] نهج البلاغة، الخطبة 193.

 

[2] نهج البلاغة (تحقيق صالح)، 209 ومن كلام له عليه السلام بالبصرة – وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي، ص 325.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...