الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

17)

“ففي هذه القصة نرى الإمام عليه السلام يلوم العلاء على سعة داره، ويتّخذ لومه سبيلاً إلى بيان وجوه الانتفاع بها، فيشير إلى أنّه لا حرج على المرء في أن يجمع بين الدنيا والآخرة، فيُمتّع نفسه في الدنيا بمباهجها، ويبلغ في الآخرة عليا الدرجات.

 

ثم يؤنّب عاصماً على فعله حين هجر الدنيا ولبس العباءة، فبيّن له أنّه بفعله هذا أناني يعمل لنفسه، إذ أنّ جدوى عمله لو استطاعه ووالاه لا ترجع إلا إليه، وأما غيره من الناس فلا يصيب منه نفعاً وخاصة أهله وولده وهم ألصق الناس به، وبيّن أنّ من الخير له أن يجمع بين العمل لنفسه والعمل لغيره، وأن يجمع بين الدنيا والآخرة. والطيّبات.؟ هل حرّمها الله؟ كلا إنّ الانسان مدعوّ لأن يُصيب منها شريطة ألا يستغرق فيها على نحو يُلهيه عن الغاية الرفيعة لوجوده.

 

لا حرج على الإنسان أن يطلب الدنيا ويسعى إليها ويُصيب من لذّاتها، ولكن عليه أن يطلب الدنيا من طريق الحلال، ويصيب من لذّتها ما يحلّ ويجمل، ثم لا يتهالك على الدنيا ولذّاتها على نحو غير إنساني، بحيث ينقلب من إنسان ذي مشاعر نبيلة، وإمكانات رفيعة عالية

 

 

إلى مجرّد آلة. آلة لجمع النقود وتكديسها، لتنفق في وجوه غير إنسانية. إنّ هذا ليس جديراً بالانسان أن يفعله، أَجمِلْ في الطلب لتُعطي لنفسك حقّها ولربّك حقّه”[1].

 

“والحاصل أنّ ترك الدنيا بالكلَّيّة ليس هو مطلوب الشارع من الزهد فيها والتخلّي عنها لأنّ الشارع يراعى نظام العالم باشتراك الخلق في عمارة الدنيا وتعاونهم على المصالح بقاء النوع الإنسانيّ وترك الدنيا وإهمالها بالكلَّيّة يُعدم ذلك النظام ويُنافيه بل الَّذي يأمر به الشارع القصد في الدنيا واستعمال متاعها على القوانين الَّتي وردت بها الرسل والوقوف فيها عند الحدود المضروبة في شرايعهم دون تعدّيها، كما أشار إليه عليه السلام من منع هذا الرجل…، فأمّا اعتراض عاصم على عليّ عليه السلام في نهيه له، فحاصله أنّه قاس نفسه في ترك الدنيا عليه، وتقديره إنّك إذا نهيتني عن ذلك فكيف بك: أي فكيف بما أرى من هذه الحال وأنت المقتدى به، أو فكيف أصنع بك مع الحال الَّتي أنت عليها، وإنّما ينبغي لي أن أقتدي بك، فأجابه عليه السلام بجواب إقناعيّ بيّن فيه الفرق بينه وبينه، وهو إنّي إنّما فعلت ذلك لكوني إماماً وكلّ إمام فرض الله عليه أن يُقدّر نفسه بضعفة الناس: أي ليسويّها بهم في حالهم كيلا يهيّج بالفقير فقره فيضعف عن حلمه فيكفر أو يفسق، وقد كان عليه السلام قبل الخلافة كذلك، والجواب المحقّق هو ما قلناه من كون هذه الطريق أسلم، وأمّا الفرق بينهما فيرجع إلى أنّ عاصماً سلك على غير علم بكيفيّة السلوك مع ترك الحقوق الَّتي تلزمه لأهله وولده فكانت حالة الَّتي فارقها أولى به”[2].

[1] دراسات في نهج البلاغة،  محمد مهدي شمس الدين، موقف الإمام من العمل للدنيا موقفة من الفقر، ص 232.

[2] شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج4، ص 19.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...