الرئيسية / تقاريـــر / استراتيجيات مواجهة تحديات وحدة الأمة الإسلامية – أ.د. صباح زنكنة

استراتيجيات مواجهة تحديات وحدة الأمة الإسلامية – أ.د. صباح زنكنة

من الأمور التي نعتبرها مفروغا منها هي وحدة الأمة الإسلامية . وهذه الوحدة تستند إلى وحدة العقيدة الإسلامية التي تشكل أساس الهوية الإسلامية وتنطلق منها السلوكيات والأخلاق وأسس التفكير وتصوغ العواطف والأحاسيس . وهذا لا يعني التماثل والتشابه المطلق بل ان مجال التنوع والتفاوت يبقى حسب النزعات الفردية وتوافر ظروف التربية والمحيط الاجتماعي والسياسي وهو غير مرفوض حسب ما نراه.

 

 

اذا ما يؤدي إلى تهديد الوحدة الإسلامية ونشوب الصراعات والبغضاء هو الحالة المرضية وهذا ما شرحه الأساتذة الكرام في موضوع التحديات.

 

و لكن كيف نواجه التحديات؟ وهل ان مواجهتها تتم بلا تفكير أو تخطيط؟

 

و هل نحتاج إلى خطط وبرامج طويلة الأجل ام ان برامج قصيرة ويومية أو أسبوعية وشهرية ولنقل حتى سنوية يمكن ان تنفع مقابل التحديات الضخمة؟

 

هذا ما نرمي إلى إيضاح بعض من جوانبه في هذه الورقة.

 

 

 

الأهداف

 

 

 

الحفاظ على وحدة الأمة.

 

تجهيز الأمة بعناصر مقاومة الأخطار والتهديدات لوحدتها وكيانها .

 

ارتقا الأمة إلى مستوى البناء الحضاري العالمي .

 

 

 

بهذه الأهداف يمكن الأمة ان تقف وتصمد وتثبت وجودها وهويتها . وبدون هذه الأهداف فان التخبط والانحطاط والصراعات ستسيطر على الأمة ومكوناتها.

 

 

 

ضرورة التخطيط

 

 

 

لا شك ان التعقيدات التي تطبع الحياة المعاصرة ووجود كيانات تتصارع على النفوذ والثروات لم تبق مجالا للشك في لزوم التخطيط والبرمجة.

 

ان تسارع زيادة عدد السكان وعدم كفاية الموارد الطبيعية والتوزيع الغير عادل للثروة وزيادة الفواصل بين الطبقات الاجتماعية ووجود دول ثرية والى جوارها دول وشعوب فقيرة لا يساعد على الاستقرار.

 

كما ان التغييرات المناخية وتآكل التربة الصالحة للزراعة، وانقراض الأحراش والغابات يؤدي إلى الكثير من الصراعات والحروب والهجرات الجماعية التي لا قبل للدول الفقيرة بها ولا بعواقبها.

 

وانتشار الأمية والجهل في كثير من بلدان العالم الإسلامي يؤخر أي عملية للتنمية ويضاعف من كلفة المشاريع والبرامج.

 

اما الأمراض وانتشارها فانها تزيد من أعباء البلاد وتحملها الكثير من النفقات وتحجب الطاقات البشرية من أداء وظيفتها بنشاط وحيوية.

 

اما تنافس الدول الكبرى على النفوذ واستغلال ثروات العالم الإسلامي وإصرارها على عدم حصول الدول والشعوب الإسلامية على حقها في اكتساب العلوم والفنون بل وضرب الدول بعضها ببعض وإثارة الخلافات والشحناء بين الشعوب الإسلامية فحدث ولا حرج عن تأثيره في تأخر الشعوب وارتفاع درجة العداء بينها.

 

و هذه العناصر مجتمعة لا يمكن ضبطها والتغلب عليها دون وعي صحيح وبلا درك لآثارها البعيدة والقريبة وهذا الوعي لن يؤثر على الأوضاع دون تخطيط.

 

 

 

أنواع التخطيط

 

 

 

يمكن تلمس نوع من التخطيط المحدود زمنيا ومكانيا للوصول إلى أهداف محدودة كالتخطيط لإنشاء مدرسة أو أي مشروع عمراني أو ثقافي . وما يلهمنا هذا المثال إلا ان أي مشروع لا بد له من تخطيط .

 

لكن بناء المجتمع وإعداد الأمة لتسنم موقعها المناسب وتطوير قدراتها والتصدي لمشاريع الهيمنة عليها والوقوف امام محاولات إيقاع الاختلاف بينها وسد الطريق على التفرقة الطائفية لا شك انه بحاجة إلى فهم صحيح وعميق لكل تلك الأمور ومعرفة جذورها وتطوراتها وانعكاساتها والموانع في طريق تحقيق الأهداف المرجوة وأيضا تنظيم مراحل ومقاطع تنفيذها اذ لا يمكن القفز على الزمن ولا يمكن تجاهل قانون التدرج في الحياة .

 

وكل تلك الأمور هي أجزاء التخطيط والبرمجة.

 

لكن هذا التخطيط قد يتجاوز السنة والسنتين بل ربما يتجاوز عشرات السنين خاصة في حالات إزالة العوائق والموانع من طريق الوحدة اذ انك تبني وغيرك يهدم …

 

و هذا التخطيط الذي يتخطى حدود السنة والسنتين سيدخل في إطار التخطيط الاستراتيجي الذي تحتاجه المؤسسات الكبرى والدول والمجتمعات .

 

 

 

دور الحكومات

 

 

 

من الأمور الضرورية في كل برمجة وتخطيط هو تعيين المسؤول عن عملية التخطيط، وهنا تبرز الأسئلة المهمة : ما هو دور الحكومات في التخطيط؟ هل انها مسؤولة عن التخطيط؟ وهل يمكن تجاوز الحكومات في هذا الشأن؟ وعلى عاتق من يقع التنفيذ؟ هل ان المخطط هو المنفذ ايضا؟ هل يمكن المشاركة بين الشعب والحكومة في التخطيط؟ وهل تسمح الحكومات بذلك وما هي الآليات؟ وماذا عن التنفيذ؟

 

هل تأمر الحكومات وعلى الشعوب الاستماع والتنفيذ؟ وما هو دور الشعوب في الخروج من دائرة التخلف والتبعية؟ وإذا كانت بعض الدول ترغب في النفخ في لهيب الاختلاف الطائفي وتحوله إلى صراع لأهداف سياسية داخلية أو استجابة لطلبات وإلقاءات خارجية فماذا سيكون دور الشعوب والعلماء والمثقفين؟

 

و ماذا عن تمويل المشاريع والبرامج؟ هل ان الحكومات هي التي ستتولى الانفاق؟ ام هل أنها ستطلب من رجال الأعمال والتجار والمصانع والمزارعين ان يمول تلكم المشاريع؟ أو إذا افترضنا ان مجاميع من المؤمنين رغبوا بتمويل برنامج للتقريب بين المسلمين وبناء الطاقات الإنسانية لتعين في عملية التنمية والرقي فهل ستسمح الحكومات، بذلك ام انها ستشترط شروطا خاصة وربما تمنع من القيام بأي نشاط خارج الدوائر الحكومية خوفا من ان تنازعها مواقعها؟

 

ونجد ان هنالك حكومات لا تسمح بدخول أي عامل غير حكومي في أي نشاط إعلامي أو تثقيفي أو حتى خيري ناهيك عن أي نشاط سياسي أو حتى اقتصادي كبير فما هو السبيل إلى القيام بالمسؤولية الشرعية؟

 

و لابد من الإشارة إلى التفاوت في المقاربة بين أنواع الحكومات فمنها تلك الحكومات الريعية التي تسيطر على عوائد الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمناجم وبذلك تصبح بعيدة عن رقابة الشعوب أو الحاجة إلى الضرائب وبالنتيجة مستغنية عن الرجوع أو الرضوخ إلى إرادة الشعوب أو التشاور معها وهنالك الحكومات التي لا تمتلك الثروات الطبيعية وتحظى بنوع من المشاركة الشعبية .

 

وأيضا هنالك الحكومات التي تتمتع بالاستناد إلى الانتخابات أو إلى الدعم الداخلي، وتلك التي لاتحظى بالدعم الداخلي وانما تستند إلى الدعم الخارجي وسلوك كل من تلك الدول يختلف عن الآخر.

 

 

 

أولويات التخطيط

 

 

 

لا ندعي تقديم أو وجود خطة أو خريطة طريق واحدة لكل الأهداف أو لكل المجتمعات والدول .

 

و نطرح مجموعة من الأسئلة التي يلزم التفكر فيها لتعيين جدول الأولويات لكل مجتمع وبلد.

 

هل ان الوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية مقدمة للتغلب على الفقر والتخلف؟ ام ان العكس هو الصحيح؟ ام ان العنوانين يمكن ان يتسايرا في آن واحد ولا خلاف بينهما؟

 

هل ان تطبيق الشريعة الإسلامية يسبق الوحدة ام ان الاختلاف في فهم تطبيقات الشريعة ومراحل التطبيق قد يؤدي إلى التفرقة أكثر مما يمكن ان يوحد؟ وهل بناء على ذلك لابد من الوصول إلى فهم مشترك ثم الاتجاه إلى تطبيق الشريعة؟

 

ثم ألا يعني التوحد في الاتجاه والمواقف مقابل الأغراض الاستعلائية والاستعمارية هو الهدف المركزي؟ ألا يمكن التفاهم على المبادئ والاجتناب عن عناصر التنازع ثم اتخاذ كل مجتمع ما يناسبه من خطط وبرامج؟

 

هل تختلف المواقف للمسلمين الذين يعيشون داخل العالم الإسلامي في ظل حكومات قد لا تلتزم مصالح الأمة الإسلامية عن الأقليات الإسلامية خارج العالم الإسلامي؟ هل من الضرورة تنبيه الحكام إلى مسؤولياتهم ان أغفلوها أو تغافلوا عنها؟ وما هي البرامج التي يمكن ان تنسق العلاقة بين الجانبين دون اسفاف أو تعسف؟

 

 

 

إدارة الأزمات

 

 

 

ربما تواجه اجزاء من عالمنا الإسلامي أزمات وهزات تفقد القدرة على التخطيط خاصة وان حزام الأزمات يمر وسط العالم الإسلامي وبالذات في ما يعرف بالشرق الأوسط وفلسطين ومحاولات إسرائيل والغرب ضرب المسلمين بعضهم ببعض وما احداث غزة عنا ببعيد.

 

وفي هذه الظروف يتجه البعض إلى افراغ شحناته عبر الإعلام ويأتيه الجواب عبر الإعلام المضاد والتهييج والتجييش العاطفي وفجأة يتذكر الحكام أنهم ينتمون إلى المذهب الفلاني والطائفة العلانية .

 

في هذه الظروف ربما ينزلق البعض مع هذه التيارات ويغفل الخطط والبرامج وربما يضعها على الرفوف دون عودة.

 

في هكذا ظروف أيضا لابد من خطة لتدارك الأمور وعدم الانزلاق مع التيار العارم. وهذا بحاجة إلى إنشاء مجموعة ادارة الأزمات حتى تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية.

 

مع الأخذ بهذه المجموعة من الأفكار يمكن الاتجاه نحو التفكير بضرورة التخطيط ومعرفة خطط الآخرين وتثقيف العاملين على ضرورة أعمال الفكر في ما نواجهه من تحديات مع ملاحظة التنوع في الظروف والمحيط والأولويات والآليات والوسائل والتمويل وأيضا إنشاء ما أسميناه بمجموعة إدارة الأزمات بأمل حلها أو التخفيف من حدتها ومنع التسيب والضياع أو اليأس والقنوط.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

المصدر : رسالة التقريب العدد

شاهد أيضاً

الزيف في جنيف! – محمد صادق الحسيني

 ساذج ومغفل من يعتقد ان بان كي مون قلق فعلا على امن واستقرار سوريا او ...