الرئيسية / الاسلام والحياة / المهدي شبه من الأنبياء – النور الحسيني

المهدي شبه من الأنبياء – النور الحسيني

إنّ الله تبرك وتعالى قدر في القائم عليه السلام شبها من بعض الأنبياء فإنه تعالى قدّر مولده تقدير مولد موسي عليه السلام وجعله خافا وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى عليع السلام وقال فيه ما قال فيه وقدّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح عليه السلام لما استنزلت العقوبة على قومه من السماء وجعل سنته من سنة يوسف عليه السلام أي الستر فجعل بينه وبين الخلق حجابا يرونه ولا يعرفونه ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في الباب .منها ما عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول : في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبايء سنة من موسي عليه السلام ، وسنة من عيسى عليه السلام ، وسنة من يوسف عليه السلام وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين فقلت : ما سنة موسي عليه السلام ؟ قال : خائف يترقب ، قلت : وما سنة عيسى عليه السلام ؟ فقال : يقال فيه ما قيل في عيسي ، قلت : فما سنة يوسف ؟ قال : السجن والغيبة ، قلت وما سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ انه يبني آثار محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويضع السيف على عتقه ثمانية أشهر هرجا حتي يرضي اله قلت : كيف يعلم رضي الله ؟ قال : يلقي الله في قلبه الرحمة [1] .

منها ما عن يزيد الكناسي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول : أنّ صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف ابن أمة سوداء يصلح الله عزّ وجلّ له أمره في ليلة واحدة يريد بالشبه من يوسف الغيبة [2] .

ومنها ما روي الصدوق بإسناده عن أحمد بن علي البديلي قال أخبرنا أبي عن سدير الصيرفي قال : دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وابان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح [3] خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلي ذات الكبد الحري قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضته وأبلى الدموع محجريه [4] وهويقول : سيدي غيبتك نفت رقادي وضيقت على مهادي وابتزت مني راحة فؤادي ، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد فما أحس بدمعة ترقي من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلاّ مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفضلها ، وباقي أشدها وأكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك . قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها وتصدعت قولبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة أو حلّت به من الدهر بائقة فقلنا : لا  أبكي الله يا اين خير الورى عينيك من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك وآية حالة حتما عليك هذا المأتم ؟ قال فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه واشتد عنها خوفه . وقال ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمد والأئمة من بعده عليهم السلام وتأملت منه مولد قائمنا وغيبته وابطاءه وطول عمره وبلوي المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ورتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره ( وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه [5]  ( يعني الولاية ) فأخذتني الحرقة واستولت علي الأحزان فقلنا بيا ابن رسول الله كرمنا وفضلنا باشراكك إيانا في بعض ماأنت تعلمه من علم ذلك ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى إدار للقائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل عليهم السلام ، قدر مولده تقدير مولد موسي عليه السلام ، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسي عليه السلام ، وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح عليه السلام ، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح – أعني الخضر عليه السلام – دليلا على عمره فقلنا له : كشف لنا يا ابن رسول الله عن وجه هذه المعاني :

قال عليه السلام : أما مولد موسي عليه السلام فإنّ فرعون لما وقف على أنّ زوال ملكه عل يده أمر باحضارالكهنة فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتي قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود ، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسي عليه السلام بحفظ اله تبارك وتعالى إياه ، وكذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أنّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّأ ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة نسل طمعا منهم في الوصول على قتل القائم ، ويأبي الله عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون .

وأما غيبة عيسي عليه السلام : لإنّ اليهود والنصاري اتفقت على أنّه قتل فكذبهم الله جلّ ذكره بقوله : ( وما قتلوه وما صلبوه ولكنشبه لهم ) [6] كذلك غيبة القائم فإنّ الأمة ستنكرها لطولها ، فمن قائل يعذي بأه لم يولد ، وقائت يقول أنه ولد ومات ، وقائل يكفر بقوله أن حادي عشرنا كان عقيما وقائل يمرق بقوله أنه يتعدي إلى ثلاثة عشر وصاعدا ، وقائل يعصي الله عزّ وجلّ بقوله : إنّ روح القائم ينطق في هيكل غيره .

وأمّا إبطاء نوح عليه السلام : فإنّه استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عزّو جلّ الروح الأمين عليه السلام بسبع نويات ، فقال : يا بني الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك : إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي وليست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة فعادوا إجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه واغراس هذه النوي فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين .

فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصَنت وأثمرت وزها التمر عليها بعد زمان طويل استنجزمن الله سبحانه وتعالى العدة ، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوي تلك الأشجار ويعاود الصبر والإجتهاد ، ويؤكد الحجّة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا : لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف .

ثم أن الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بأن يغرسها مرة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحي الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه وقال : يا نوح الآن اسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفي ( الأمر والإيمان ) من الكدر بارتداد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوتك بأن استخلفتهم في الأرض وأمكن لهم دينهم وأبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك [7] من قلوبهم ، وكيف يكون الإستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق ، وسفوح الضلالة ، فلو أنهم تسنموا مني الملك الذي اوتي المؤمنين وقت الإستخلاف إذا أهلكت أعداءهم انشقواروائح صفاته ، ولاستحكمت سرائر نفاقهم ، وتأبدت حبال ضلالة قلوبهم ، ولكاشفوا أخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة ، والتفرد بالمر والنهي ، وكيف يكون التمكين في الدين  وانتشار المر في المؤمنين مع إثارة الفتن وايقاع الحروب كلا ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ) [8] .

قال الصادق عليه السلام : وكذلك القائم فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشي عليهم النفاق إذا أحسوا بالإستخلاف والتكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام .

قال المفضل : فقلت يا ابن رسول الله فإنّ هذه النواصب تزعم أنّ هذه الآية [9] نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام فقال لا يهدي الله قلوب الناصبة . متي كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكنا بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشك من صدورها في عهد من هؤلاء وفي عهد علي عليه السلام مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيامهم ، والحروب التب كانت تنشب بين الكفار وبينهم . ثم تلا الصادق عليه السلام ( حتي إذا إستيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) [10] .

وأماّ العبد الصالح – أعني الخضر –فإنّ الله تبرك وتعالى عمره لنبوة قدرها له ، ولا لكتاب ينزله عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء ، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها له ، بلي أن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه السلام في أيام غيبته ما يقدر وعلم ما يكون من انكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، وطول عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك إلاّ لعله الإستدلال به على عمر القائم عليه السلام وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلا يكون الناس على الله حجّة [11] .

ومنها ما في حديث جابر الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة ذي القرنين ألا وفيكم من هو على سنته وأنّ الله عزّ وجلّ مكّن له في الأرض وآتاه من كل شيء سببا وبلغ المشرق والمغرب وإنّ الله سيجري سبته في القائم من ولدي الحديث [12] .

ومنها ما عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اله عليه السلام إنّ في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء عليهم السلام سنة من موس بن عمران وسنة من عيسي وسنة من يوسف وسنة من محمج صلوات الله عليهم .

فاما سنة موسي بن عمران فخائف يترقب وأما سنة من عيسي فقال فيه ما قيل في عيسي ، وأما سنة منيوسف فالستر يجعل الله بينه وبين الخلق حجابا يرونه ولا يعرفونه ، وأما سنة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيهتدي بهداه ويسر بسيرته [13] .

وفي بعض الأخبار في القائم سنن من آدم ومن نوح ومن إبراهيم ومن موسي ومن عيسي ومن أيوب ومن محمد صلوات الله عليهم [14] ( أي سبعة أنبياء ) .

هذا ما أردنا إيراده من الروايات الدالة على شبهه عليه السلام بالأنبياء عليهم السلام ، ويدل على ذلك أيضا أنه تعالى حباه بالإمامة والعلم من صغر سنه كما أوتي عيسي بن مريم ويحيي بن زكريا الكتاب والنبوة والعلم والحكم في صباهما .

وقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال ( لا يكون هذا الأمر إلاّ في أخملنا ذكرا واحدثنا سنا ) [15] ، فيدل ذلك على أنه أصغر الأئمة سنا عليهم السلام ، ويشير بخمول ذكره إلى غيبته واستتاره ، فإنّه لم يعرف فيمن مضي من الأئمة الصادقين عليهم السلام أجمعين وغيرهم ممنّ إدّعي الإمامة بالدعاوي الباطلة من كان في سنه بل كانوا كلهم أكبر منه سنا ، ولما أخبر المعصوم بمثل ذلك قبل حدوثه ثم تحقق ذلك بالعيان مثل ما ذكرن لزم أن يزول الشك والريب عمن فتح الله قلبه بنور الإيمان ، فالحمد لله الذي يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافيرن .

 
 
 
[1]  غيبة النعماني الباب العاشر حديث 5ص 164[2]  المصدر السابق الباب 13 ص 228 حديث 8 والباب 10 ص 163 حديث 3

[3] المسح بكسر الميم ، الكساء من الشعر

[4]  المحجر كملس ومنبر : من العين ما دار بها وبدا من البرقع

[5]  سورة الإسراء الآية 13

[6]  االنساء آية 175

[7]  وفي بعض النسخ بذهاب الشرك

[8]  سورة الهود الآية 27

[9] أي قوله تعالى : ( … وعد الله الضين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ) .

[10]  يوسف : 110

[11]  إكمال الدين باب 33 ص 352

[12]  البحار ج52 ص 322

[13]  إكمال الدين باب 33 ص 350 ، حديث 46

[14] إكمال الدين باب 31 حديث 3

[15]  غيبة النعماني الباب 23 ص 323، حديث 3

شاهد أيضاً

ولادة الإمام المهدي عجّل الله – الشيخ محمّد جواد الطبسي

ضيّق الخلفاء العبّاسيّين على الإمامين الهمامين الهادي والعسكري عليهما‌ السلام ، وبذلوا جهوداً كبيرة لمنع ...