الرئيسية / القرآن الكريم / مواعظ قرآنية -التطفيف في العلاقة مع الناس

مواعظ قرآنية -التطفيف في العلاقة مع الناس

إذا كان التطفيف هو استيفاء حقّك كاملاً من الآخرين وبالمقابل عدم إيفائهم تمام حقوقهم منك، فإنّه يصدق على الإنسان في معاملته لأخيه الإنسان.

 

وهذا يكون في شتّى العلاقات الإنسانية، وعلى سبيل المثال:

 

– علاقة الابن بوالديه فإنّه يطلب منهما أن يكونا مثالين ونموذجين في عاطفتهما تجاهه، وفي دوام التفكير في مصالحه ومنافعه وتأمين ما يحتاج إليه ويستأنس به ويرتاح إليه، وإن قصّرا في النموذجية في علاقتهما به فإنّه يتبرّم وينتقدهما لأنّهما لم يكونا بالمستوى المطلوب من الأبوين.. كلّ ذلك لأنّه يُريد أن يرى من جانبهما تطبيقاً مثالياً لا يُقصِّر بأي تفصيل ولو عن غير قصد.

 

ولكن هذا الابن قد يكون غافلاً بالكلّية عن أنّ عليه هو الآخر واجبات مثالية نموذجية تجاههما، فكم يا ترى هو باذل ومهتمّ ومضحٍّ في سبيل برّهما وطاعتهما والقيام بحوائجهما؟

 

فإنّه إن أنصف لحَكَمَ على نفسه، حيث إنه يطلب الأخذ دون التفات الى العطاء فيأتي عطاؤه على فرض حصوله منقوصاً، أليس هذا روح التطفيف في المعاملة؟!

 

وفي دائرة الحياة الزوجية قد يُطالب الزوج زوجته بأدقّ المستحبّات ويستشهد

 

 

11- سورة البقرة، الآية: 245.

 

 لها بأشدّ الروايات الّتي هي بصدد بيان مرتبة راقية بل أرقى مراتب الزوجة المؤمنة الصالحة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ من خير نسائكم… العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها”12 .ب من نفسه أن يكون الزوج النموذجيّ والمؤمن الكامل الّذي يمتثل لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم

لأهلي”13.

 

أو كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: “…إذا غضب عليها زوجها لم تكتحل بغمض حتّى يرضى”14.

 

أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:” لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”15 إلى غير ذلك من التكاليف الّتي هي من صفات المؤمنة الكاملة.

 

ولكن بالمقابل لا يطل

 

ويتغافل عن قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾16.

 

ويضرب صفحاً عن قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾17.

 

فيُسيء العِشْرَة بالقول والفعل ويُسيء الخُلق، فتكون النتيجة أنّه يُريد أخذ تمام الحقّ من غيره ولكن، إذا أعطى فإنّه يُعطي منقوصاً، وهذا بخس في الكيل في المعاملة الزوجية.

 

ونفس الكلام يجري على الزوجة عندما تُطالب زوجها بكلّ ما تُريد فإذا ألجأته الحياة إلى تقصير ما في التوسعة أو في أمر من الأمور الّتي تعتقد الزوجة بأنّها من حقّها فإنّها تخرج عن طورها وتبدأ بالتقريع وإلقاء اللوم والتعنيف..

 

بينما نجدها مضيّعة لأبسط حقوق الزوج غير حافظة لقدسيّة الحياة الزوجية،

 

 

12- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 7، ص 400.

13- الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 325.

14- م.ن، ج 5، ص 508.

15- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 171.

16- سورة البقرة، الآية: 288.

17- سورة النساء، الآية: 19.

 

غير مستعدّة للتضحية في سبيل زوجها بل مفرِّطة فيما عليها تجاهه. وهذا بخس في الميزان في العلاقة الزوجية من قِبَل الزوجة.

 

وكذلك في سائر العلاقات الأخرى ينبغي للمؤمن أن يتحرّى الإنصاف مع الآخرين، وقد عبّرت الروايات عن أخذ الحقّ وإعطائه وعن عدم البخس في ميزان العلاقات الإنسانية بالإنصاف، وشدّدت بشأنه أيّما تشديد، حيث ورد في رواية شريفة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه من أشدّ ما فرض الله على العباد: ” إنصافك الناس من نفسك”18.

 

وإذا سألت عن قاعدة جامعة وميزان كامل للإنصاف في المعاملة فخذها كلمة من أمير الفصاحة والبلاغة أمير المؤمنين عليه السلام في سياق وصيته للإمام الحسن عليه السلام: “يا بُنيّ اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تُحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تُحبّ أن تُظلم، وأحسن كما تُحبّ أن يُحسن  إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك”19.

 

صدقاً هذه الكلمات المتألّقة لو أنّها تُنقش على لوح القلب لتكون دائماً هي المعيار في علاقاتنا وتكون حافزاً لأخذ المواقف والقرارات على طبقها ومؤدّاها لصلحت أخلاق الناس ولعشنا في المدينة الفاضلة، فإنّها جمعت شتات مسائل الأخلاق.

 

﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ﴾20:

 

وحيث إننّا نتكلّم عن حرمة التطفيف، وقبح الكيل بمكيالين، فمن المفيد أن نُلفت النظر إلى صورة من البخس في الميزان هي موجودة عند بعض الناس للأسف وهي أنّ  الإنسان لحبّه لذاته وأنانيّته يحبّ أن يُقدِّر الآخرون له أيّ عمل أو جهد أو إنجاز

 

 

18- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 66، ص 405.

19- نهج البلاغة، الشريف الرضي، شرح الشيخ محمّد عبده، ج 3، ص 45.

20- سورة الأعراف، الآية: 85.

 

قام به، ويتوقّع منهم الثناء الجميل والتكريم، ويرى أنّه جدير بذلك ومستحقّ له، وقد تسمع منه مبالغة في وصف ما حقّقه وتحسينه وإبراز مميّزاته..

 

بينما إذا قام غيره بما يُماثل عمله بل وحتّى بما هو خير من عمله وأكمل، نجده لا يُعطيه الحدّ الأدنى من التحسين والثناء عليه، بل قد يقوم ببعض ما يحطّ من قيمته بالقول أو الفعل، بالصراحة أو بالتعريض والتلميح..!

 

فصاحب هذا السلوك المشين عليه أن يتذكّر قول الله تعالى:﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ﴾.

 

وليعد عن هذا الخُلق السيّئ، وليُنصف الآخرين في جهودهم وإنجازاتهم وما بذلوه ليحقّقوا ما حقّقوه، وليُحبّ لغيره ما يُحبّه من الآخرين لنفسه.

 

وهذا له مصاديق كثيرة نترك لكم تحديدها بعد أن لفتنا النظر إلى أصل هذا المرض العضال.

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف وأن يُجنّبنا كلّ بخس وتطفيف

 

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيّته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه”21.

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “الإنصاف أفضل الفضائل”22.

 

 

21- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 15، ص 284.

22- عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 51.

 

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...