الرئيسية / الاسلام والحياة / بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________

1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.

(عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسى عليه السلام)
من المسلَّم الواضح أنَّ الباري عزّ وجلّ بصدد بيان أسمى الحقائق والحِكَم لنبيّه العظيم الشّأن، لذلك عبّر في الحديث بلفظ “ناجى”، ولم يقل أوحى، فلعلّ التعبير بلفظ ناجى قرينة على أنّ الله تعالى شاء أن يطرح موضوعاً هامّاً جدّاً لموسى عليه السلام عن طريق الحوار بالمناجاة.

“يا موسى، لا تركن إلى الدّنيا ركون الظالمين”
ويُراد بالركون الميل القلبيّ والوثوق النفسي، وإن أردنا نقلها إلى لغتنا المعاصرة يمكن التعبير عنها بالتعلّق القلبيّ، فيكون المراد: “لا تُعلِّق قلبك بالدّنيا كما تَعلَّق بها الظالمون”، أي إنَّه لولا التعلُّق بالدّنيا لما صدر عن الإنسان ظلم، ولما آذى الإنسانُ عبادَ الله، فالظّلم هو ذروة التعلُّق بالدّنيا والرّغبة فيها.

“ركون من اتّخذها أباً وأمّا”
يعني أن يصبح كلّ تفكيره منحصراً بالدّنيا، فلا يفكّر بشيء غيرها، ولا يُظهر رغبةً أو ميلاً إلاّ لها، فتصبح شغله الشّاغل، كالطّفل الذي يلجأ إلى أبيه وأمّه، ويتعلّق بهما، ولا يفكّر بأحد غيرهما.

“يا موسى، لو وَكَلتُك إلى نفسك لتَنظُر لها، إذاً لغلب عليك حبّ الدّنيا وزهرتها”

فقوله “لتنظر لها” يختلف عن القول “لتنظر إليها”، لأنّ النّظر إلى الدّنيا ليس مذموماً، إنّما المذموم هو “النّظر للدّنيا”، أيّ التفكير والانشغال بها.

وهنا أشير إلى نقطة، وهي: إنّ المراد بالدّنيا في هذا الحديث والأحاديث المشابهة له، ليس الأرض وما يتعلّق بها، ولا إعمارها أو الانشغال بأمور النّاس، وأمثال هذه الأعمال، إنّما المقصود هو المظاهر الدّنيويّة (كالمال، والجاه، والمنصب) التي يريدها الإنسان لنفسه. لذلك فإنّ النعم الإلهيّة كلّها الموجودة على وجه الأرض، والطيّبات والحلي واللذائذ، التي تصبو إليها النّفس الإنسانية وتريدها لذاتها، يعبّر عنها في الروايات والأحاديث بـ (الدّنيا)، وهي مذمومة.

ومن الواضح أنّه كلّما ازداد تفكير الإنسان بالدّنيا وانشغل بها، ازداد رغبةً بها، وشوقاً إليها. وكلّما أعرضَ عنها، خرج حبُّ الدّنيا من قلبه بشكل تدريجيّ. وليس المقصود من هذه الرّواية وأمثالها أن يقعد الإنسان عن العمل والجدّ ويقبع في زاوية بيته – كما تصوَّر بعض الناس هذا المعنى المغلوط لسنوات، وبعضهم لقرون متمادية – فانتهجوا نهجاً خاطئاً، مختارين العزلة والانزواء بعيداً عن صخب الحياة وميادين العمل والجدّ والاجتهاد، ناسبين هذا اللّون الخاطئ من الفهم إلى الإسلام. وعليه، فليس المراد بالدنيا هذا الاستنباط الخاطئ.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...