الرئيسية / الاسلام والحياة / بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________

1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.

زهدٌ لا يطيقه أحد:
“وما عَرَضَ له أمران كلاهما لله رِضَاً إلاّ أخذ بأشدّهما عليه في بدنه”، فإن عَرَضَ له شيئان كلاهما يرضى الله به، لا أنّ أحدهما حرام والآخر حلال، كأن يكون كلاهما مثلاً من العبادة، ولكن أحدهما أَشَقُّ على بدنه من الآخر، كان يختاره (أي الأشدّ)، وإن عَرَضَ له نوعان من الطّعام كان يختار أدناهما, وإن عَرَضَ له نوعان من الثياب كان يختار أردأهما, وإن عَرَضَ له عملان، كلاهما حلال، كان يختار أصعَبَهُما عليه. وهذا الكلام ليس صادراً عن متحدِّثٍ عادي, وإنّما المتحدِّث هنا – كما تُشير الرواية- هو الإمام الصّادق عليه السلام, أي إنّ كلامه في غاية الدّقّة. التفتوا كم أنّ التشدّد مع النفس مهمٌّ في الحياة الدنيا ومتاعها.

“وما نَزَلَت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نازلةٌ قطّ إلاّ دعاه فقدّمه ثِقَةً به”، أي إنّ الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم متى ما ألمَّت به مُلمَّة كان يستدعيه وينتدبه لها ويُقدّمه فيها، وذلك أولاً: لعلمه بأنّه قادرٌ على أدائها على أحسن وجه, وثانياً: أنّه لم يكن يتهرَّب من الأعمال الشاقّة, وثالثاً: أنّه كان على استعداد للجهاد في سبيل الله.

ففي “ليلة المبيت”، مثلاً، حين هاجر رسول الله سرّاً من مكّة إلى المدينة, كان يجب أن يبيت أحد في سريره، وهناك قدّم الرسول عليّاً. وفي الحروب كان الرّسول أيضاً يقدّمه…

فالحديث هنا ليس من أجل أن أدّعي – أنا ومن هم أمثالي من المساكين والضِّعاف – أنّنا نريد العمل بهذا الشّكل، لا، ليس كذلك, إنّما

القضيّة هي أنّنا يجب أن نسير في هذا الاتّجاه. والإنسان المُسلِم السّائر على نهج علي عليه السلام يجب أن يسير على هذا الخطّ، وأن يتقدّم إلى الأمام بأسرع ما يُمكن.

ثمّ قال: “وما أَطَاقَ أحدٌ عملَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الأمّة غيره, وإنّه كان ليعمل عَمَلَ رَجلٍ كأنّ وجهه بين الجنّة والنّار”، أي رغم كلّ هذه الأعمال الكبرى وخشيته من الله وإيمانه به، كان سلوكُه سلوكَ إنسانٍ يعيش بين الخوف والرّجاء, فهو كان يخشى الله وكأنّه مُتأرجح بين الجنّة والنّار “يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه”.

وخلاصة هذا الكلام هي أنّه رغم كلّ هذا الجهاد والعناء والبذل والعبادة، لم يغترّ عليه السلام بشيء. في حين أنّه إذا صلّى أحدُنا ركعتيّ نافلة، وقرأ بضع جُملٍ من الأدعية, وأراق دمعتين, فإنّه يُصاب فوراً بالغرور! نعم، ويتصوّر نفسه وكأنّه أصبح طاووس العلّيّين. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فلم يغترّ بأعماله الصّالحة على كثرتها.

أمّا لماذا يخافُ أشخاصٌ كالرّسول وكأمير المؤمنين والسّجّاد عليه السلام نارَ جهنّم، ويستعيذون بالله منها، وهم الذين خلق الله الجنّة من أجل أمثالهم, فهذا بحثٌ آخر. نحن أُناس ضعاف ونظرُنا قصير، ولا نُدرك عظمة الله. ومَثَلُنا في ذلك كطفلٍ صغيرٍ يلعب أمام شخصيّة علميّة كبرى، يجيءُ ويذهبُ غير آبهٍ لوجودها، لأنّه لا يعرف من هي. أمّا أنت فلأنّك والد ذلك الطّفل الذي يفوقُ عقلُه عقلَ طفله مئة مرّة، فتتواضع لتلك الشخصيّة. وهكذا حالنا أمام الله تعالى, فنحن لا ندرك عظمته،

كأطفالٍ أو كأشخاصٍ غافلين وأُناس وَضِيعين، أمّا الذين انتقلوا من مرحلة العلم إلى مرحلة الإيمان, ومن مرحلة الإيمان إلى مرحلة الشّهود, ومن مرحلة الشّهود إلى مرحلة الفناء في الله, أولئك تتجلّى عظمة الله أمام أبصارهم، إلى الحدّ الذي لا يرون أيّ عملٍ صالح يعملونه قد صدر، ويقولون: أساساً، نحن لم نعمل أيّ عمل. هؤلاء يرون أنّهم دائماً مدينون للذّات الأحديّة المقدّسة.

“ولقد أَعتَقَ من ماله ألفَ مملوكٍ في طلب وجه الله والنّجاة من النّار، ممّا كدّ بيديه ورَشَحَ منه جبينه”، أي إنّ الأموال التي أنفقها على عتق أولئك المماليك لم يحصل عليها بالمجّان, وإنّما حصل عليها بتعب يديه، وعرق جبينه، وبالعمل الشاقّ المضني.

كان عليه السلام يعمل, سواء أفي عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, أم في السنوات الخمس والعشرين (بعد وفاة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم), أم في عهد خلافته، حيث يُستدلّ من بعض الآثار والدّلائل أنّه كان يعملُ أيضاً في زمن خلافته، فكان يحفر القنوات، ويحيي الأراضي ويزرعها، ويحصل على المال من هذا الطّريق، ثم يُنفقه في سبيل الله, وكان يشتري العبيد ويعتقهم, وأَعتَقَ على هذا المنوال ألف عبد.

“وإنّه كان ليقوت أهله بالزّيت والخلّ والعجوة”، أي إنّ طعامه العادي الذي كان في داره هو الزّيت والخلّ والتّمر من الدّرجة المتوسّطة أو الأقلّ. وكان طعامه يُشبه الخبز واللّبن، أو الخُبز والجُبن في عُرف مجتمعنا الحالي.

“وما كان لِباسُه إلاّ كرابيس, إذا فضل شيء عن يده دعا بالجلم7 فقصَّه”، أي إنّه لم يكن يرتضي لنفسه حتّى الزّيادة في الأكمام، وإذا زاد القماش عن ذلك دعا بمقصٍّ فقصّه، يعني أنّه لم يرضَ حتّى بأن تكون أكمام قميصه طويلة، وكان يقول هذه زيادة، فليستخدم ذلك القماش في خياطة شيء آخر، لأنّ القماش كان قليلاً في ذلك العصر، وكان الناس يواجهون مشكلة في الحصول عليه، بحيث إنّ قطعة صغيرة من القماش تلزم، ويُستفاد منها.

ثمّ تحدّث بعد ذلك عن عبادته، فقد كان عليه السلام قمّة الإسلام وأُسوة للمسلمين. وجاء في هذه الرّواية: “ما أَشبَهَه من وُلدِه ولا أهل بيته أحدٌ أقرب شَبَهَاً به في لباسه وفِقهِه من عليّ بن الحسين”، أي إنّ الإمام الصّادق عليه السلام يقول: لم يشبه أمير المؤمنين عليه السلام في جميع أهل بيته عليه السلام, وأولاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكه وزهده وعبادته، إلاّ الإمام السجّاد عليه السلام8.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...