الرئيسية / الاسلام والحياة / بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

بداية الطريق شذرات من عبق الإمام الخامنئي دام ظله

روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________

1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.

تحويل الزهد إلى ثقافة:
إذا استطاع مجتمعنا الإسلاميّ الذي يواجه كلّ هذه المخاطر وكل هؤلاء الأعداء، الالتفات إلى هذه المسائل بدقّة، وتحويلها إلى ثقافة، ليطّلع عليها الجميع، بحيث يتحدّثون عنها ويطلبونها، عند ذلك فإنّ إعمال هكذا عدل وزُهد لن يكون فيه أيّ إضعافٍ للنظام الإسلاميّ، لا بل يبعث فيه القوة أكثر، فهو يُقوّي النظام الإسلاميّ ويُحصّنه من الأضرار.

إنّ الأشخاص الذين لا ينخدعون بالملذّات والمطامع والشّهوات الدّنيويّة، ولا يغفلون عن أنفسهم، يستطيعون الوقوف مقابل الأعداء والعداوات، ويمكنهم إنقاذ المجتمع والنّظام في لحظة الخطر، في مقابل كلّ هذه العداوات مع النّظام الإسلاميّ.

والمسؤوليّة كبيرة على الجميع، وبالأخصّ على الشّباب والمسؤولين، وبالأخصّ العلماء والذين ينظر النّاس إليهم كقدوة.
فأمير المؤمنين عليه السلام أضاء هذين المشعلين لينير بهما التّاريخ كلّه، وما زال يُضيئه، فإن انحرف بعض النّاس فهم الخاسرون، أمّا اسم

عليّ عليه السلام وذِكره ودروسه، فإنّها لا تُنسى في التّاريخ، وستبقى دائماً2.

الزُّهد, باب الارتقاء المعنوي:
من المتيقّن به أنّ أحد عوامل ارتقاء الإسلام هو الثّقة بالله وبالأحكام الإلهيّة، ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾3. لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون في صدر الإسلام معتقدين بالإسلام في أعماق قلوبهم، آمنوا بالإسلام إيماناً عميقاً، واعتقدوا بكفايته للنجاة، وآمنوا بالشعارات والحقائق الإسلاميّة، وهذا الإيمان هو عامل مهمّ جدّاً.

ومن العوامل الأخرى، والذي كان بالحدّ الأدنى على رأس هذه الحركة، هو تَنَزُّه الإنسان عمّا هو متعلّقٌ بشخصه وبمنافعه المادّيّة التي تعود على نفسه، وهذا عاملٌ جدُّ مهمّ.

وكل ما لدينا في الرّوايات، في نهج البلاغة وفي الأحاديث الشّريفة للنّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليه السلام والعظماء، من وصايا حول الإعراض عن الدّنيا وعدم التعلّق بزخارفها والتّأكيد على ذلك، سببه التّأثير الكبير لهذا العامل.

من المؤكّد أنّ أعداء الإسلام ومنحرفي الفهم من المسلمين، اعتقدوا أو توهّموا أنّ المراد من الزُّهد في الإسلام هو عدم السعي وراء مظاهر عالم الوجود والحياة، بينما القضيّة ليست كذلك، إنّما المقصود هو الدّنيا المذمومة. فالمذموم أن نضع نصب أعيننا – أنا وأنتم – منافعنا
________________________________________
2- كلامه في لقاء مع عامّة أفراد الشّعب، 25/11/1996.
3- البقرة، 285.

الشّخصيّة هدفاً لحركتنا وأن نسعى لها. هذا هو المقصود، وهذا هو الشّيء المُدمّر والمُخرِّب وأساس التّعاسة.

وأولياء الله الذين استطاعوا حمل هذه الرّاية، وطَوَوا هذا الطّريق الصّعب بلا تعبٍ ولا ملل، كانوا أشخاصاً عبروا هذا الامتحان.

لذلك نرى في بداية “دعاء النُّدبَة” العالي المضامين “الحمدُ لله على ما منَّ به على أوليائه”. وأحد أجمل تلك المفاهيم وأكثرها عُمقاً، يندرج في الجمل الأولى للدّعاء، حيث يقول: “بعد أن شَرَطت عليهم الزُّهد في درجات هذه الدّنيا الدّنيّة وزُخرُفِها وزِبرِجِها”، أَوصَلْتَهُم إلى أسمى المراتب ومدارج التّكامل، وتلك نِعَمٌ “لا زوال لها ولا اضمحلال”، لكنّك وَضعتَ لهم شرطاً، فمقام الرّسول هو في أعلى مرتبة سموّ الوجود الإنساني، وهذا الأمر لا يُمكن دون العون الإلهي، ودون التّهيئة والإعداد من الله تعالى. هذا المقام هو مقابل شرط معيّن من قبل الله تعالى: “الزُّهدَ في درجات هذه الدّنيا الدَّنِيَّة وزُخرُفِها وزِبرِجِها، فَشَرَطُوا لكَ ذلك”، فنتيجة قبول هذا الشّرط كان وجودُ أشخاص كالرّسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، أشخاص يمتلكون من الإرادة والتّصميم الرّاسخ ما يُمَكِّنُهم من تحمّل مسؤولية، وإيجاد حركة لا تنتهي بانتهاء أعمارهم.

هذه الحركة مستمرّة، وبإمكانكم أن تلاحظوا أنّه بعد انقضاء أربعة عشر قرناً لا يزال الإسلام مُتألِّقاً، وذلك كلّه يتمحور حول نفس هذا الوجود المبارك وجهاده. وهو ما أعطى لهذه الحركة هذه الاستمراريّة، وقد ساعد أيضاً على ما قام به المسلمون والمؤمنون والعظماء على امتداد هذه المسيرة4 ________________________________________
4- كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاءٍ مع مسؤولي الحكومة، 06/11/1999.

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...