الرئيسية / تقاريـــر / الغارات في اليمن والعين على سورية – سمير الفزاع

الغارات في اليمن والعين على سورية – سمير الفزاع

عندما يكون هناك تضارب في التصريحات فنحن أمام واحد من تفسيرات ثلاثة: إما أن يكون التناقض شكليّاً لا جوهريّاً فنحتاج إلى التفكيك والتعمق أكثر للعثور على الأرضية المشتركة التي يقف عليها كلا الخطابين، أو أن التناقض مقصود للإيهام وفي الإتجاهين معاً كتجسيد لموقف إنتهازي مراوغ، أو أن هناك خطاب معبر وآخر دعائي مخادع… قبل أيام، شن آل سعود وحلفائهم عدواناً سافراً مفاجئً على اليمن، حتماً هناك مشاكل كبرى في اليمن، لكن هذه الحرب تؤكد بأن المشكلة الأكبر في القاهرة أولاً وفي مملكة آل سعود ثانياً. لنحاول تفكيك المشهد لنستخرج تناقضات خطاب العدوان على اليمن، وخصوصاً المصري الذي يقدم الغطاء الفعلي لعدوان آل سعود، ومخاطر حلف آل سعود على المنطقة، وكيفية الرد على هذه المخاطر.

 

* تناقضات الخطاب: 1- أخذ الكثير من المصريين والعرب على “مرسي” وإخوانه المجرمين علاقتهم مع مملكة آل سعود، وكانوا ينتظرون في رؤيته وهو يقبل يد عاهلها كما فعل مؤسس حركته يوماً قبل عقود… لكن ماذا فعل السيسي بعد أن أخذ “تفويضاً” من عشرات ملايين المصريين؟ لقد ذهب ليستقبل العاهل “المنصرم” عبدالله بن عبد العزيز في طائرته الخاصة بعد أن هبطت في أرض الكنانة، وكأنه لن يستطيع العودة إلى طائرته إن نزل منها أو أنه لن ينزل من طائرته بعد أن ركب فيها. 2- دعى السيسي منذ شهر تقريباً لإنشاء قوة عربية مشتركة، لكنه لم يتحدث عن العقيدة القتالية لهذه القوة التي تحدد العدو، وقواعد الإشتباك معه وميدان معركة هذه القوة ومركز قيادتها… وأكتفي بالقول “لمحاربة الإرهاب”!. أي إرهاب هذا الذي يحتاج لقوة عربية والكل يعلم بمن فيهم “السيسي” أن هناك حكومات “عربية” يتحالف معها، تتبنى تمويل وتدريب وتسليح… وتوفر الغطاء لهذه الجماعات؟ ألم يسمع لسعود الفيصل وهو يرى في داعش “ثورة سنية” ضد “التهميش الشيعي”؟ ألم يسمع بمعسكرات تدريب “المعارضة السورية المسلحة” في مملكة آل سعود وقطر وتركيا والتي وقعت حكوماتها إتفاقيات معلنة على رؤوس الأشهاد مع الإدارة الأمريكية لتدريب هؤلاء القتلة، وزجهم في معركة تدمير وتفتيت سورية؟

 

ألم يرى قطر وهي تدعم دواعش وإخوان و”فجر ليبيا” وضحاها ومسائها حتى صاروا جيران لمصر؟ ألم يرى الجماعات الإرهابية التي تحارب الجيش العربي السوري بدعم ورعاية العدو الصهيوني؟… 3- إنتفض السيسي لأمن الخليج، ولم تتعرض مصر يوماً لغزو من جزيرة العرب، لكن البحر المتوسط وبر الشام كانا دائماً معبر الخطر والغزو، فأين دور مصر في هذا البر؟ كيف يمكن لمصر أن ترأس قمة عربية تغيب عنها دمشق؟ كيف لرئيس مصري يتحدث عن أمن قومي مصري وأمن جزيرة العرب ولا يتحدث عن أمن سورية التي تقف على بوابة جزيرة العرب ومصر؟ كيف لرئيس مصري أن لا يعي ما وعاه الفراعنة قبل ألآف السنين؟!. 4- يتذرع البعض بحاجة مصر إلى البترودولار الخليجي في الوقت الذي يتغنون فيه بثورة 30/6 !!! أي ثورة هذه التي تسقط نظام حكم ولا تنسف القواعد السياسية-الإقتصادية-الإجتماعية التي جاءت به وقام عليها؟! أم أن الريال القطري آثم مجرم والسعودي مؤمن مسالم؟! كل دولار نفطي يدخل خزينة مصر يأخذ من قرارها وسيادتها وكرامتها أضعاف أضعاف قيمته، ولا شيء يجبر مصر على هذه التبعية المهينة، البدائل موجودة ومتوفرة في الجزائر وروسيا والصين…

 

البدائل موجودة بتدخل مصري قوي وفاعل في ليبيا، يعيد لها إستقرارها وسيادتها، ويطلق مشاريع تنموية هائلة تنقذ ليبيا ومصر معاً، لا في غزو اليمن لصالح أمراء آل سعود حيث المزيد من الإلحاق والإستلاب… . 5- يهمس البعض بأن السيسي يساير أنظمة الخليج وأمريكا والعدو الصهيوني حتى لا يفتحوا عليه أبواب الإرهاب! إن صحت هذه المقولة العجائبيّة؛ الوقت الضائع في مسايرة هؤلاء، ألا يستفيد منه أيضاً أعداء مصر في مراكمة قوتهم وتحقيق المزيد من التغلغل في مصر ومؤسساتها؟ تأجيل معركة لا بد منها يستفيد منه كلا الجانبين حتماً، وإذا ما دخلت مصر في معركة مفتوحة مع اليمن ستجد نفسها أمام واقعة تاريخية تتكرر للمرة الألف، حرب في غير مكانها تجلب هزيمة محققة. حصل هذا مع مصر نفسها في ستينيات القرن الماضي وفي اليمن تحديداً. 6- تذرع حلفاء آل سعود بالخطر المحتمل على الملاحة في البحر الأحمر إذا ما سيطر “الحوثيون” على اليمن. لكن آل سعود والسيسي يتعامون عن جزيرتين “سعودتين” ترزحان الآن تحت الإحتلال الصهيوني منذ عام 1967, الجزيرة الكبرى واسمها (تيران), وشقيقتها الصغرى (صنافير), تقعان على مسافة أربعة أميال بحرية فقط عن منتجعات شرم الشيخ المصرية، وعلى بعد بضعة أميال من رأس الشيخ حميد في الشمال الغربي من السعودية، في مضائق تيران التي تفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر. أما بخصوص بوابة البحر الأحمر تناسى هؤلاء القواعد الأمريكية والفرنسية التي تحتل جيبوتي قبالة سواحل عدن تماماً، وتسيطر على الملاحة في البحر الأحمر. كيف لهم أن يستأمنوا أمريكا وفرنسا والكيان الصهيوني على ملاحتهم في البحر الأحمر، ويصبح أهل اليمن مصدر التهديد لهذه الملاحة؟.

 

* مخاطر حلف آل سعود على المنطقة: بتاريخ 28/3/2015، كتب كلب آل سعود ولاعق أحذيتهم “جمال خاشقي” في صحيفة آل سعود “الحياة” مقالاً بعنوان، “مبدأ سلمان” يقول فيه: (اليوم، وقد دخلت عملية «عاصفة الحزم» يومها الثالث فلا بد من أن هناك من يراقب، فما يجري… قاعدة جديدة في علم “معالجة الأزمات”، وفي حال نجاحها سيشجع ذلك القوى الإقليمية الأخرى على تجربتها في مكان آخر. السوريون فعلوا ذلك فور بدء العمليات، إذ بدا لهم أن ثمة مقاربة واضحة بين حالهم والحال اليمنية، فتمنوا أن يصيب رئيسهم ونظامه فاقدي الشرعية وفق توصيف أكثر من دولة بعضاً من هبوب “عاصفة الحزم”. وكذلك الأتراك، الشريك القادم للسعودية في عملية “معالجة الأزمات” بعيداً من الولايات المتحدة، إذ قال لي مستشار الرئيس إبراهيم كلين… : “نعم ثمة تشابه واختلاف بين سورية واليمن.

 

لكن هي المشاكل نفسها، والظروف نفسها والخصوم نفسهم، فيمكن للعملية السعودية أن تتكرر هنا، ولا بد من أن نفكر في ذلك”. كثيراً ما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برغبته في فرض منطقة حظر طيران ثم منطقة آمنة في شمال سورية، بل إنه عرض فكرته على الملك سلمان خلال قمتهما الأخيرة ووجد كل تأييد منه. لكن السائد أن تحقيق هذه الرغبة لن يكون من دون موافقة الولايات المتحدة، إذا نجحت عملية “عاصفة الحزم” فقد تقلب هذه القاعدة، وينتفي الشرط الأميركي، فيقول أردوغان: إذ فعلها السعوديون فلم لا أفعل مثلهم؟ لننظر وننتظر ونرَ، ومثلما أيد أردوغان السعودية في عمليتها في اليمن، ستؤيده السعودية بالتأكيد إذا ما قرر الأخذ بـ”مبدأ سلمان”). # الإستنتاجات: 1- جاء العدوان السعودي قبيل القمة العربية المنعقدة في القاهرة لفرض أجندة آل سعود على هذه القمة، ومنع مناقشة أي موضوع جدي آخر، وخصوصاً وقف الحرب على سورية التي يشارك فيها عدد من الأنظمة “العربية”. 2- البعث برسالة “حازمة” لليمن ومحميات الخليج ودول الإقليم والمنطقة، بأن حكام آل سعود سيدافعون عن “مصالحهم” مهما كلف الأمر. 3- أن هذه المحميات بلغت حدّاً من الرعب والإحساس بدنو الأجل الوشيك… لدرجة تدفعها لشن حروب تدرك بأنها ستكون خاسرة، وستكون من أهم أسباب تفجر “مجتمعاتها” الهشة المتآكلة وإنهيار أنظمتها المصطنعه… . 4- تكبيل مصر بتحالفها مع البترودلار، ومنع “تفلتها” من المعسكر الصهيوأمريكي والرجعي العربي، والتلويح بالبديل التركي والإخواني لإخافتها. 5- أن العدوان المفاجئ على اليمن له أسباب رئيسية أخرى لا علاقة لها بما يجري في اليمن من حيث المبدأ، وإنما المقصود منها إقامة تحالف أساسه الدفاع عن محميات البترودلار، وهدفه التأسيس لقوة أمريكية قوامها “قوات عربية-إسلامية” تحمي مصالحها، وتملأ الفراغ الإستراتيجي الذي خلّفه إنسحاب واشنطن العسكري من المنطقة، ولغايات شق الصف العربي والإسلامي لمنع أي حرب تُشن على كيان العدو الصهيوني. 6- ستكون الحرب على اليمن فرصة لإختبار ردود أفعال جبهة المقاومة وحلفائها في المنطقة والعالم، كمقدمة لتحويل عدوان هذا التحالف إلى سورية بعد الفراغ من اليمن، وإدلب أول الغيث.

 

ما العمل: 1- رفع وتيرة العمليات العسكرية في سورية لأقصى ما يمكن وبأسرع وقت متاح، وهذا متطلب وجودي. يجب زيادة القوات العاملة في ميدان المعارك، والتوسع في القدرات النارية المستخدمة بكافة صنوفها… والأمر ذاته ينطبق على العراق أيضاً. هكذا نساعد أنفسنا، ونساعد اليمن بإسقاط المشروع التفتيتي بأسره في المنطقة. 2- تشكيل غرفة قيادة عسكرية سورية-عراقية مشتركة بصلاحيات واسعة، تدير العمليات العسكرية ذات الطابع المتداخل، وتنسق تحركات الجيشين في المعركة المشتركة. 3- إستعادة آليات ومفردات الإشتباك الإقليمي السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والإعلامية… وخصوصاً مع منظومة العدوان على سورية والعراق، تركيا ومملكة آل سعود والكيان الصهيوني. 4- تكثيف عملية تسلح الجيشين العراقي والسوري، ومن مختلف المصادر، مع التركيز على منظومات الدفاع الجوي الحديثة، والمدفعية الصاروخية، والصواريخ بعيدة المدى… . 5- إرتقاء حلفاء سورية والعراق بمستويات دعمهم لهاتين الدولتين، إقتصادياً وعسكريّاً وتسليحيّاً… وتتحمل روسيا وإيران والصين العبء الأكبر في هذا الدعم. وللتذكير فقط، بعد شنّ صدام حسين حربه على إيران قامت سورية في 8/4/1982 بإغلاق أنبوب النفط بين كركوك وبانياس، لتخسر كميات كبيرة من النفط وملايين الدولارات كأجور للترانزيت… ويمكن لروسيا وإيران والعراق فعل الأمر ذاته اليوم مع تركيا التي تعتبر رأس الرمح في الحرب على سورية والعراق.

 

* كلمة أخيرة: في حرب الخليج الثانية، وعندما أطلق صدام حسين الصواريخ بإتجاه كيان العدو الصهيوني أصاب معظمها أهدافه، في حين أن نسبة الصواريخ التي أُسقطت في مملكة آل سعود قبل أن تصيب أهدافها كانت أكبر بكثير… وكان الهدف الأمريكي من ذلك تأديب إسحاق شامير وترويضه بأن يستنشق رائحة البارود تنتشر في كيانه، ويرى بأم عينه الدمار الذي سيواجهه إن فكر بالتمرد على أسياده في واشنطن فيلتزم بالتعليمات الأمريكية الآنية، فلا يتدخل في الحرب على العراق… والمستقبلية، الإلتحاق بمسيرة مدريد… وجزء مما يجري في اليمن يعود بخلفيته إلى هذا الهدف، أن يتجرع آل سعود المرارة على حدودهم، ويستنشقوا البارود على أراضيهم، ويعانوا موت أبنائهم وتدمير مقدراتهم العسكرية والإقتصادية… -وإن لم يقع ذلك يجب أن نعمل على وقوعه- فيهرعوا لواشنطن طلباً لإنقاذهم وإخراجهم من المأزق، والذي سيمر بدمشق حتماً… والسيناريو الثاني أن تنجح السعودية وحلفائها فتقطف واشنطن ثمار نجاحهم عبر دعمها المحدود حتى اللحظة، والذي قد يتطور إذا ما رأوا نجاح العدوان السعودي… لكن لنتذكر منذ اللحظة وقبل ترجيح أي سيناريو، مارون الراس في جنوب لبنان وحي الشجاعيّة في غزة، وسنعرف أن آل سعود وحلفائهم في طريقهم إلى كارثة محققة.

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...