الرئيسية / الاسلام والحياة / “ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

“ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

إنّها الوثيقة الأخلاقيّة الجامعة، والتي حملها إلينا التراث من زمن الإمام الكاظم عليه السلام، وهي الوصيّة التي أوصى بها لصاحبه هشام بن الحكم. لقد تضمنت الوصيّة هذه كماً هائلاً من المضامين الثقافيّة المتنوّعة، والتي انطلقت من العقل، ودوره وتأثيره في بناء الأخلاق الإنسانيّة، وما يكمل به المرء حين يتّصف بالحسن منها.

 

بهلول والمقابر

 

قال محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك سمعت بهلولاً في بعض المقابر وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب في التراب، فقلت له: ما تصنع ها هنا ؟ فقال: أجالس أقواماً لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابونني، فقلت: قد غلا السعر فهلا تدعو الله فيكشف، فقال: والله لا أبالي ولو حبة بدينار، إن الله تعالى أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا، ثم صفق بيديه وأنشأ يقول:

 

يا من تمتع بالدنيا وزينتها            ولا تنام عن اللذات عيناهُ

شغلت نفسك فيما لست تدركه     تقول لله ماذا حين تلقاهُ

 

 

18- البقرة:164.

 

يا هشام:

 

“إنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول.

 

يا هشام إنّ العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.

 

يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض.

 

يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته”1.

 

 تمهيد

 

بعد أن عرفنا العقل وما يقابله من الشيطنة، وعرفنا ارتباط العقل بسائر الأخلاق، ودوره في فهم معاني العبادة لله تعالى، فإن من المناسب التعرض لما جاء في الوصيّة من صفات أولي العقول أي أولي الألباب، فقد مرت الوصيّة على

 

1- المازندراني-مولى محمد صالح – شرح أصول الكافي – دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – لبنان – ج 1 ص145.

 

صفات ذات أهميّة بالغة، وبدأت هذه الفقرة من الوصيّة بذكر الحجّة البالغة من الله تعالى على العباد، والتي ألقاها من خلال العقول “يا هشام إنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأمّا الباطنة فالعقول”.

 

يعني أكمل للناس حججه من الأنبياء والأوصياء المرضيين، بعقولهم الصافية وأذهانهم الثاقبة أو بسبب أن منحهم عقولاً زكيةً عاريةً عن شوائب النقصان مدركةً لشواهد الربوبية بحقايق الإيمان2.

 

ففي مقابل ما منّ الله تعالى به على الإنسان من بعث الأنبياء والرسل كهادين ومرشدين، جعل في نفس الإنسان حجّةً باطنةً ترشده للخير، فالعقل يدرك بنفسه حسن بعض الخصال كالصدق والأمانة والعدل، ويستقبح الظلم والكذب وسائر الأخلاق الرديئة، وهذه هي الحجّة الباطنة على الإنسان، ويسميها البعض بالنبي الداخلي، في مقابل النبي المرسل من الله تعالى إلى سائر الناس.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...