الرئيسية / الاسلام والحياة / “ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

“ومن يُؤْت الْحِكْمة فقدْ أُوتِي خيْرًا كثِيرًا وما يذّكّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبابِ”

إنّها الوثيقة الأخلاقيّة الجامعة، والتي حملها إلينا التراث من زمن الإمام الكاظم عليه السلام، وهي الوصيّة التي أوصى بها لصاحبه هشام بن الحكم. لقد تضمنت الوصيّة هذه كماً هائلاً من المضامين الثقافيّة المتنوّعة، والتي انطلقت من العقل، ودوره وتأثيره في بناء الأخلاق الإنسانيّة، وما يكمل به المرء حين يتّصف بالحسن منها.

  خوف لا يأس فيه

 

ولكن للخوف حدوداً وهي أن لا يصل المرء لحالة اليأس من روح الله ورحمته و هو اليأس الذي يعد من الكبائر، فطمع المؤمن برحمة الله تعالى يعدل من حالة الخوف لديه فلا يجعلها تصل لمرحلة اليأس من روحه ورحمته تعالى، وقد نبّهنا الكثير من الروايات والآيات لهذه المسألة، قال تعالى: “أمّنْ هُو قانِتٌ آناء اللّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا يحْذرُ الْآخِرة ويرْجُو رحْمة ربِّهِ قُلْ هلْ يسْتوِي الّذِين يعْلمُون والّذِين لا يعْلمُون إِنّما يتذكّرُ أُوْلُوا الْألْباب”18.

 

وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنه يشرف على النار، ويرجوه رجاءً كأنه من أهل الجنة19.

 

وعنه عليه السلام: “كان أبي عليه السلام يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، ولو وزن هذا لم يزد على هذا”20.

 

  طريق الخوف الموحش

 

إن الطريق الموصل لله تعالى طريقٌ قلّ السالكون فيه، ولذا كانت وصية أهل البيت عليهم السلام أن لا نستوحش من سلوكه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام:”أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله”21.

 

18- الريشهري محمّد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 826.

19 الزمر:9

20- الريشهري محمّد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 826.

21- نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج 2 ص 181.

 


فإذا كانت طريق الحق موحشة وكان أهل الحق قلة، فهل الكثرة هم في طريق الخطأ ؟ هذا ما نبهتنا إليه الوصيّة المباركة في آخرها، إذ إن الإمام عليه السلام نبه هشام رحمه الله إلى أن الكثرة مذمومة في الكتاب العزيز واستشهد على ذلك بالآيتين المباركتين:

 

“وإِن تُطِعْ أكْثر من فِي الأرْضِ يُضِلُّوك عن سبِيلِ اللهِ…”22

“ولئِن سألْتهُم مّنْ خلق السّماواتِ والْأرْض ليقُولُنّ اللهُ قُلِ الْحمْد لله بلْ أكْثرُهُمْ لا يعْلمُون”23

 

بينما نرى أن الله تعالى مدح القلة في القرآن فقال: “وقلِيلٌ مِّنْ عِبادِي الشّكُور”24.

 

وفقنا الله تعالى للسير قدماً في الصراط السوي، فنتبع هديه ولا نتبع السبل فتفرّق بنا عن رضاه، وجعلنا ممن يخافه حق الخوف ويعمل لنيل الكرامة لديه إنه سميع مجيب.

 

خلاصة الدرس

 

شبهت الروايات الخوف بالدثار وما يغطي المرء, وكأن الخوف ساتر له عن سائر ما يؤذيه, فالذنوب والمعاصي في حقيقتها ضرر للإنسان.

 

لو طالعنا كلام الله تعالى لطالعنا الكثير من الآيات التي يصف الله تعالى فيها نفسه تارة بأنه شديد العقاب, وأخرى بأنه ذو العذاب الشديد, ويكفي نظرُنا لما في أهوال يوم القيامة ودقيق الحساب وعظيم الهول المحيط به ليخلق فينا خوفاً منه.

 

الاعتقاد بأن الله تعالى يرانا في كل أعمالنا, وينظر إلينا واليقين بذلك يخلقان في المرء خوفاً حقيقياً, ونحن نعلم أنه يرانا حقاً, فكيف يستتر المرء بحسب الرواية عن سائر الخلق في المعاصي ويجاهر الله بها سراً.

 

24- سبأ:13


إن هنالك أموراً تساعد الإنسان للوصول للخوف الحقيقي, ونقصد بالخوف الحقيقي ما يقابله من الخوف الإدعائي الذي كلنا يقدر على ادعائه باللسان والكلام فحسب , ومن أهم هذه الأمور العلم.

 

للخوف حدود وهي أن لا يصل المرء لحالة اليأس من روح الله ورحمته, و هو من الكبائر. فطمع المؤمن برحمة الله تعالى يعدل من حالة الخوف لديه فلا يجعلها تصل لمرحلة اليأس من روحه ورحمته تعالى.

 

إن الطريق الموصل لله تعالى طريقٌ قلّ السالكون فيه, ولذا كانت وصية أهل البيت عليهم السلام أن لا نستوحش من سلوكه.

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1- ما هو الفرق بين المعرفة واليقين؟

2- ما هو أثر العلم في حصول الخوف من الله تعالى؟

3- بماذا وصف أمير المؤمنين عليه السلام الخوف؟

4- ما المراد بتعادل الخوف والرجاء؟

 

 

للحفظ

 

“وإِن تُطِعْ أكْثر من فِي الأرْضِ يُضِلُّوك عن سبِيلِ اللهِ…”25

“ولئِن سألْتهُم مّنْ خلق السّماواتِ والْأرْض ليقُولُنّ اللهُ قُلِ الْحمْدُ لِلهِ بلْ أكْثرُهُمْ لا يعْلمُون”26

“أمّنْ هُو قانِتٌ آناء اللّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا يحْذرُ الْآخِرة ويرْجُو رحْمة ربِّهِ قُلْ هلْ يسْتوِي الّذِين يعْلمُون والّذِين لا يعْلمُون إِنّما يتذكّرُ أُوْلُوا الْألْبابِ”27.

 


للمطالعة

 

قال بهلول للرشيد: يا أمير المؤمنين، فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير؟ قال: فخنقته العبرة فقال الحاجب: حسبك يا بهلول قد أوجعت أمير المؤمنين، فقال الرشيد: دعه، فقال بهلول: إنما أفسده أنت وأضرابك، فقال الرشيد: أريد أن أصلك بصلة فقال بهلول: ردها على من أُخذت منه، فقال الرشيد: فحاجة، قال: أن لا تراني ولا أراك، ثم قال: يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد، ثم ولى بقصبته وأنشأ يقول:

 

فعدّك قد ملأت الأرض طراً          ودان لك العباد فكان ماذا

ألست تموت في قبر ويحوي           تراثك بعد هذا ثم هذا

 

عبد الرحمن الأسلمي قال: قال أبي لبهلول: أي شيء أولى بك؟ قال: العمل الصالح.

 

 

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...