مواعظ شافية

فالنعم والنقم وجهان للبلاء، وعلى الإنسان أن يعرف كيف يشكر النعم، وكيف يصبر على النقم. بل عليه أن يكون فطناً لحاله عارفاً لمآله متأمّلا في علاقته مع ربّه، حذراً عند النعم شكوراً عند المصائب، فقد جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: “إذا رأيت ربّك يوالي عليك البلاء فاشكره، وإذا رأيته يتابع عليك النعم فاحذره”19،

الاختبار الإلهيّ
في الاختبار الإلهيّ هناك مجموعة أمور عامّة لا بدّ من الالتفات إليها:
أوّلاً: إنّ هذا الاختبار والامتحان هو قانون إلهيّ شامل لكلّ الناس. كلّ إنسان بلغ سنّ التكليف، هو موضع اختبار وابتلاء، لأنّ هذه إرادة الله في الخلق. حتّى أنبياء الله تعرّضوا للاختبارات والابتلاءات، بل كانوا أشدّ الناس بلاءً، وقد ذكر عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام البلاء وما يخصّ الله عزّ وجلّ به المؤمن، فقال: “سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أشدّ الناس بلاءً في الدنيا فقال: النبيّون ثمّ الأمثل فالأمثل، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحُسن أعماله فمنّ صح إيمانه وحَسُن عمله اشتدّ بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قلّ بلاؤه”20. وقد ذكر الله تعالى أصناف اختباراتهم في القرآن الكريم.

طبعاً، تختلف أهداف وأنواع الاختبار والابتلاء بين الناس من شخص لآخر، لكن في المبدأ الجميع مبتلى والجميع ممتحن.

ثانياً: الاختبار قد يأتي لفرد وقد يأتي لجماعة.

ثالثاً: الله تعالى، في أحيان كثيرة، يمتحن الإنسان في أكثر من شأن من شؤون الحياة. فقد يكون الاختبار الإلهيّ بالفقر، بالمرض،بالموت، وقد يكون بالصحة

________________________________________
19- كتاب التمحيص، الإسكافي، ص 6.
20- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 225.

والغنى والمُلك، وقد يشمل الامتحان في وقت واحد شأنين، أو ثلاثة، أو أربعة.

رابعاً: قد تختلف أنواع وحجم الابتلاءات بين شخص وآخر وذلك بحسب إمكانات وطاقات وطموحات وتطلّعات هذا الشخص، وقد تختلف من جماعة إلى جماعة، لذلك فالأنبياء عليهم السلام ابتلاءاتهم مختلفة، الأوصياء والأولياء والمؤمنون بلاءاتهم مختلفة، وهذا كلّه عن حكمة وتقدير أيضاً.

خامساً: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنّه عندما يختبرهم ويبتليهم بالنّعم أو بالنّقم، لا يكلّفهم بما لا يقدرون عليه، أو لا يستطيعون تحمّله، فالله تعالى يريد لعباده النجاح حيث إنّهم عباده، ولأنّ الله سبحانه وتعالى لم تقم مشيئته على نحو الإلزام التكويني، وضع لنا شرطاً، وهو أن يكون هذا النجاح بمشيئتنا واختيارنا، بإرادتنا، وجهدنا وعملنا.

سادساً: في الاختبار الإلهيّ، قد تتوفّر فرصة التصحيح وقد لا تتوفّر، فلو ابتلي الإنسان بذنب كالغِيبة مثلاً فإنّ بإمكانه تصحيح فشله في الاختبار بالتوبة والاستحلال ممّن اغتابه أمّا ذنب الشرك فإنّه لا يغفر: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ…﴾21.

سابعاً: في الاختبار الإلهيّ أيضاً ولكرم الله وعطفه ورحمته علينا زوّدنا بكلّ عناصر النجاح وسخّر لنا كلّ الإمكانات: الأرض، الشمس، الكواكب، النجوم، الأنعام والحيوانات والبحار كلّها مسخّرة للإنسان. أعطانا الله العقل الّذي به نفكّر لنقوم بالعمل الواجب ونبتعد عن الحرام. كذلك، أعطانا القدرات الجسديّة والنفسيّة الّتي تؤهّلنا للنجاح ومنحنا السمع والبصر، والأيدي والأرجل، يقول تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾22 ويكمل ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾23.

________________________________________
21- سورة النساء، الآية: 48.
22- سورة الإنسان، الآية: 2.
23- سورة الإنسان، الآية: 3.

شاهد أيضاً

مواعظ شافية

قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وإنّه اشترى بيعا، فجاؤوا إلى أبيه ...