مواعظ شافية

حتّى لا نُكرّر أخطاء الماضي

من أعظم الاختبارات الإلهيّة الّتي مرّت على المسلمين والأمة والبشرية كان الاختبار في الأيّام الأولى من سنة 61 للهجرة مع الإمام الحسين عليه السلام.

لقد كانت الأمّة أمام واقعين، الأوّل يتمثّل في مقام خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الّتي يريد أن يتسلّم قيادتها شخص كيزيد بن معاوية مع ما يتّصف به هذا الإنسان من سلوك وصفات سيّئة. وهذا بحدّ ذاته اختبار عظيم وهائل للأمّة.

الواقع الآخر الّذي كان أيضاً مورد اختبار وامتحان للأمّة وهو الأكثر أهميّة أنّ الإمام الحسين عليه السلام ، الّذي هو سيّد شباب أهل الجنّة ليس في الأرض غيره ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قام ليواجه هذا التهديد وهذا الخطر على الإسلام والأمّة والخلافة. ماذا سيفعل المسلمون في هكذا موقف؟ كان هذا الامتحان من أصعب ما مرّ في تاريخ المسلمين، كان نوعاً من الامتحانات الحاسمة لكلّ فرد من أفراد المسلمين.

تحليل هذه الوقائع وقراءتها مهمّ جدّاً. اكتشاف نقاط الضعف والقوّة.. لماذا من وقف مع الإمام الحسين عليه السلام وقف معه؟ ولماذا الّذي خرج عليه خرج ليقتله عليه السلام ؟ ولماذا هناك من وقف على الحياد؟ هذا كلّه وبالإحاطة به له قيمة ليس فقط معلوماتية ومعرفية، لكن قيمته أيضاً تتّصل بقيمة حياتنا، لأنّنا نواجه نفس الاختبارات، ونفس الابتلاءات والامتحانات. ولكن، عندما نقرأ تلك التجربة، نستفيد من نقاط ضعفها وقوّتها أين كان الخطأ وأين ضاعت الفرص؟…

وذلك.. حتّى لا نُكرّر أخطاء الماضي.

اهربوا من الدنيا
عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال: “كان عيسى بن مريم عليه السلام ، يقول لأصحابه: يا بني آدم، اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنّكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون فيها ولا تبقى لكم، هي الخدّاعة الفجّاعة، المغرور من اغترّ بها، المغبون من اطمأنّ إليها، الهالك من أحبّها وأرادها، فتوبوا إلى بارئكم، واتّقوا ربّكم، واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.

“أين آباؤكم، أين أمّهاتكم، أين إخوتكم، أين أخواتكم، أين أولادكم؟ دُعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، وخرجوا عن الدنيا، وفارقوا الأحبّة، واحتاجوا إلى ما قدّموا، واستغنوا عما خلفوا، فكم توعظون، وكم تزجرون، وأنتم لاهون ساهون! مثلكم في الدنيا مثل البهائم، همّكم بطونكم وفروجكم ، أما تستحيون ممّن خلقكم؟! وقد وعد من عصاه النار ولستم ممّن يقوى على النار، ووعد من أطاعه الجنّة ومجاورته في الفردوس الأعلى، فتنافسوا فيه وكونوا من أهله، وأنصفوا من أنفسكم، وتعطّفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبةً نصوحاً، وكونوا عبيداً أبرارا، ولا تكونوا ملوكاً جبابرة ولا من العتاة الفراعنة المتمرّدين على من قهرهم بالموت، جبّار الجبابرة ربّ السماوات وربّ الأرضين، وإله الأوّلين والآخرين، مالك يوم الدين، شديد العقاب، أليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شيء، ولا يعزب عنه شيء، ولا يتوارى منه شيء، أحصى كلّ شيء علمه، وأنزله منزلته في جنّة أو نار.

“ابن آدم الضعيف ، أين تهرب ممّن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كلّ حال من حالاتك، قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ”26.

________________________________________
26- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 650

2- شكر النِّعم

يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾1

________________________________________
1- سورة لقمان، الآية: 20.

شاهد أيضاً

مواعظ شافية

قالوا إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه، وإنّه اشترى بيعا، فجاؤوا إلى أبيه ...